مؤسسة السينما في سوريا تسحب فيلماً «طائفياً»... لإجراء تعديلات عليه

نجدت أنزور يحرج النظام بفيلم يهين أهالي السويداء

TT

مؤسسة السينما في سوريا تسحب فيلماً «طائفياً»... لإجراء تعديلات عليه

الحرج الذي تسبب به فيلم «دم النخل»، أجبر المؤسسة العامة للسينما، في دمشق، على تأجيل العرض الجماهيري الذي كان مقرراً اليوم (الأحد)، وأصدرت بياناً، يوم أمس، أعلنت فيه سحب الفيلم لإجراء تعديلات عليه بسبب اتهامات بوجود دلالات «طائفية».
«تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»؛ مقولة تنطبق على ما حل بفيلم «دم النخل» للمخرج نجدت أنزور النائب في مجلس الشعب السوري، والمقرب من النظام، فالفيلم الذي سبقته حملة ترويج سخية، وأعقبه مؤتمر صحافي، تزامن عرضه الخاص الأول مع عيد الميلاد الـ54 لرأس النظام بشار الأسد في 11 سبتمبر (أيلول) الحالي، الذي حضر العرض مع زوجته في «مصادفة عفوية»، دفعت الحضور «عفوياً» في صالة دار الأوبرا للغناء للأسد «سنة حلوة يا جميل».
كل ذلك كان سيكون دعاية ناجحة لفيلم نجدت أنزور في أوساط موالي النظام، تنقذ أعمال المخرج من تراجع الإقبال عليها، بعد سلسلة أفلام له عن تنظيم «داعش» أسرف فيها في مشاهد العنف والدعاية المضادة الفجة، بشكل يتنافى مع الذائقة الفنية والضرورات الدرامية.
حضور الأسد وعقيلته لم ينقذ فيلم «دم النخل» من سقطة أنزور التي أحرجت النظام وكشفت عن غير قصد «طائفية» في النظر إلى أطياف المجتمع السوري، لا سيما أهالي محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، التي قضى عدد كبير من أبنائها في صفوف قوات النظام، وفي مقدمتهم العميد عصام زهر الدين الذي تنسب إليه قيادة معارك استعادة السيطرة على دير الزور، رغم إحجام قسم كبير من أبناء السويداء عن القتال إلى جانب النظام وتحديه برفضهم الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.
يحكي الفيلم قصة 3 جنود من مناطق مختلفة، يتحدث من قام بشخصية الخائف الجبان، بلهجة السويداء المحلية، والشجاع البطل المقدام يتحدث بلهجة الساحل ذي الغالبية العلوية. وهو ما أثار الاستياء بين السوريين، باعتبار ذلك رسالة لأهالي السويداء و«إهانة متعمدة» لهم.
الإعلامي ماهر شرف الدين، عبر حسابه في «تويتر»، قال إنه «عندما يفتتح بشار الأسد فيلماً لنجدت أنزور يصور فيه الدروز بأنهم جبناء والعلويين بأنهم أبطال، فهذا الأمر لا يمكن أن يكون عفوياً، خصوصاً أن بشار سبق أن تحدث عن انزعاجه من رفض عشرات آلاف الشبان الدروز الالتحاق بالجيش».
وقد تركزت الانتقادات العامة حول هذه النقطة، وانصرف الاهتمام عن قصة الفيلم التي كتبتها ديانا كمال الدين وتدور حول معارك جرت بين قوات النظام وتنظيم «داعش» في مدينة تدمر الأثرية، مع أن تنظيم «داعش» استولى على تدمر من دون قتال يذكر، بعد عمليات انغماسية. ومع ذلك اعتبر المخرج نجدت أنزور في مؤتمر صحافي، أن فيلمه يهدف إلى «صناعة ذاكرة سينمائية للحرب ووثيقة مستقبلية للأجيال القادمة»، متناقضاً مع ما قالت كاتبة العمل إنها «ابتعدت عن التوثيق إلا بالأحداث المتعلقة بشخصية خالد الأسعد عالم الآثار الذي اغتاله تنظيم داعش».
صحافي محلي حضر العرض الأول للفيلم ولم يكتب عنه، تحفظ عن ذكر اسمه خوفاً من نفوذ نجدت أنزور؛ «لا أريد وجع راس»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تابعت الفيلم إلى النهاية بشق الأنفس، لأن الصالة كانت مغلقة وسط تشديد أمني رهيب، يمنع معه الخروج قبل خروج الرئيس وعقيلته. الفيلم متدنٍ فنياً وفكرياً والنص دون المستوى، فيه استخفاف بعقول المشاهدين، وأي دعاية ينتجها الإعلام الحربي التعبوي أفضل منه بمراحل».
أما المشاهد التي أثارت مشاعر أهالي السويداء، فيقول الصحافي عنها: «هم محقون لما في ذلك من استهزاء بخصوصية الوضع السوري، وما حمله من مس بالمشاعر العامة ليس فقط لأهالي السويداء بل للسوريين عموماً، فالحرب لم تنتهِ بعد، ومشاعرنا الوطنية بحاجة لإسعاف سريع لا إلى تأجيج البغضاء والفرقة».


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».