مافيا الرمال من الصين إلى المغرب

50 مليار طن سنوياً يستهلك نصفها في أعمال البناء

مافيا الرمال من الصين إلى المغرب
TT

مافيا الرمال من الصين إلى المغرب

مافيا الرمال من الصين إلى المغرب

بينما كانت بعض الدول العربية تشهد ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي»، كانت مدينة أصيلة في شمال المغرب تواجه ثورة من نوع آخر.
فخلال السنوات بين 2012 و2014، عرفت المدينة الساحلية زيادة غير مسبوقة في بناء الشقق والمنازل والفنادق والمنتجعات السياحية. وفي قلب طفرة التطوير العقاري هذه، كانت شركات البناء تبحث عن الخيارات الأرخص للتوفير في تكاليف الإنشاء، فوجدت غايتها في الرمال الشاطئية التي جرى استخراجها بأيادي المئات من الشباب الباحثين عن فرصة للعمل.
ونتيجة لتراجع الطلب على العقارات لاحقاً، توقف ضخ المال في هذه السوق، وتباطأ سحب الرمال. وأمام الشقق الفارغة وغير المكتملة، كشف الشاطئ الذي أزيلت رماله، وانخفض منسوبه، عن صخور أخذ المد يطالها ويخلف فيها بحيرات وبركاً. أمام هذه الخسائر الاقتصادية والثقافية والبيئية، قامت بلدية أصيلة في صيف 2016 باستيراد الرمل من أماكن أخرى لترميم أكثر الأماكن جلباً للسياح.
وفيما يعاقب القانون المغربي بالحبس من سنة إلى 5 سنوات على استغلال الرمال، بشكل غير قانوني، يستمر نهب الشواطئ في أصيلة، وعلى كامل السواحل المغربية، التي تمتد على طول 3500 كيلومتر. ويشير تقرير صدر مؤخراً عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن نصف حجم الرمال المستعملة كل سنة في البناء في المغرب، أي ما يعادل 10 ملايين متر مكعب، يتم توفيرها بشكل غير قانوني. ويصف التقرير، الذي حمل عنوان «الرمل والاستدامة»، ما يجري على شواطئ المغرب، بأنه جريمة منظمة تديرها «مافيا» تنهب الرمال خلافاً للقانون أو بتجاوز للرخص الممنوحة، وتتهرب من دفع الضرائب، وتعمل على تبييض أموالها بطرق غير شرعية. الأوضاع في المغرب هي أقل سوءاً مما يحصل في أماكن أخرى، كالهند والصين مثلاً، وهذا يجعل البعض يتساءل: ما هي القيمة الحقيقية لهذه المادة التي تنتشر في كل مكان وتجري وراءها المافيات؟

- أساس الحضارة المدنية
تعد الرمال والحصى ثروات لا تشغل بال الكثيرين، على الرغم من أهميتها في الاقتصادات العالمية، باعتبارها أكثر المواد الصلبة استخراجاً، واعتمادنا عليها من حيث الحجم يأتي في المرتبة الثانية بعد الماء. وإلى جانب الحصى، يدخل الرمل في صناعات أساسية كالإسمنت والإسفلت، وفي حالته النقية يستخدم الرمل في تصنيع الزجاج والدوائر الإلكترونية المتكاملة التي تعتمد عليها الحواسيب والهواتف المحمولة وجميع الأجهزة الإلكترونية.
ويجري استخراج الرمال والحصى على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، لكن هناك القليل من البيانات العالمية حول هذا النشاط. ويقدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن مجموع ما يجري استخراجه من الرمال والحصى يبلغ نحو 40 إلى 50 مليار طن في السنة، حيث يتم استهلاك أكثر من نصف هذه الكمية في صناعة البناء وحدها. ووفقاً لدراسات شركة «زيون» الأميركية، بلغ حجم السوق العالمية للرمال والحصى في قطاع البناء 360 مليار دولار في سنة 2018.
وفي كل مكان، يشهد الطلب على الرمال ارتفاعاً سنة بعد سنة، مدفوعاً بتغير أنماط الاستهلاك وتزايد عدد السكان وزيادة التوسع الحضري وتطوير البنى التحتية. ومن المتوقع أن يقترب حجم السوق العالمية للرمال والحصى في قطاع البناء في سنة 2025 من 500 مليار دولار، بمعدل نمو عالمي يبلغ 4.6 في المائة سنوياً.
اللافت هو تضاعف الطلب على الرمال بمقدار ثلاث مرات خلال العقدين الماضيين، لا سيما في آسيا وأفريقيا، حيث تعد الاقتصادات الناشئة الأكثر شرهاً للرمال. فالصين وحدها تستخرج نحو ثلثي مجموع الرمال على مستوى العالم، حتى أن التقديرات تشير إلى استهلاكها في ثلاث سنوات ما استهلكته الولايات المتحدة طيلة القرن العشرين بأكمله. ومن النادر أن يخضع استخراج الرمال في الصين إلى تقييم للأثر البيئي، وفي كثير من الأحيان ينطوي هذا العمل على انتهاك القوانين المحلية بشكل روتيني. وعلى الرغم من وفرتها وانتشارها، لا يمكن استخدام الرمال الصحراوية في صناعة مواد البناء، لأن حبيباتها المكورة لا ترتبط جيداً بالخرسانة. لذلك يتم الحصول على الرمال من المقالع الجبلية، كما في لبنان، ويتم استخراجها بشكل متزايد من الشواطئ وتجريفها من النظم الإيكولوجية الهشة في البحار والأنهار، ما يتسبب بأضرار كبيرة.

- مشكلات بيئية واجتماعية
تفضل صناعة البناء استخدام رمل المقالع أو الرمل النهري على الرمل البحري، الذي يتوجب غسله جيداً لتنظيفه من الأملاح التي تؤدي إلى تآكل حديد التسليح المستخدم في الخرسانة الإنشائية. ونظراً لانخفاض كلفتها، تستخرج الرمال النهرية بالاعتماد على منصّات تجريف تتسبب بتغير كبير في تدفق الأنهار، وتآكل ضفافها، كما تؤدي إلى جفاف روافدها وانخفاض منسوبها.
ويُلحق تجريف الرمل لتنفيذ مشروعات البنى التحتية ضرراً واسعاً في النظم الإيكولوجية البعيدة عن مواقع هذه المشروعات. ففي إندونيسيا انخفضت كثافة مروج الأعشاب البحرية، وتراجعت أعداد سلاحف «تيرابين» النهرية المهددة بالانقراض في ماليزيا وبنغلاديش والهند، ولحق الضرر موائل تمساح «غاريال» النادر في شمال الهند ودلافين نهر الغانج. كما نتج عن تجريف الرمل في نهر اليانغستي الأدنى انخفاض كبير في مستوى المياه، ما أدى إلى خلل في النظام الغذائي للطيور المهاجرة في الصين.
ومع انتشار تجريف الرمال على نطاق واسع، لا يزال العالم حتى الآن يغض النظر عن البصمة البيئية الخطيرة لهذه الممارسة، في غياب معاهدات دولية تنظّم استخراج الرمال واستخدامها والتجارة بها. وتشير تقارير قام بجمعها الصندوق العالمي للطبيعة إلى حصول أعمال تنقيب واسعة عن الرمال الشاطئية والنهرية بشكل غير قانوني في 70 بلداً حول العالم. وتؤكد هذه المنظمة الدولية، في تقرير أصدرته عام 2018 بعنوان «آثار تعدين الرمل»، أن بعض أعمال التنقيب، بما فيها تلك الحاصلة على رخصة رسمية، كانت تجري في جوار المحميات الطبيعية أو داخلها.
وإلى جانب تأثيراته البيئية، يترك استخراج الرمال أثراً اجتماعياً متبايناً. فهو مورد عيش للكثير من الأسر، وفي المقابل يتسبب بقطع أرزاق أسر أخرى نتيجة إضراره بالمصائد السمكية والمقاصد السياحية وموارد الغابات. كما تشمل مخاطره السلامة المباشرة للعاملين في هذا القطاع، إذ سُجّل العديد من حوادث الغرق خلال استخراج الرمال من قاع الأنهار، إلى جانب حصول وفيات نتيجة الهبوط المفاجئ في التربة أو الانزلاقات الأرضية.
وكأي جريمة منظمة، لا يخلو التنقيب غير الشرعي عن الرمال من حوادث العنف، التي تصل أحياناً حد ارتكاب جرائم القتل. ففي الهند، ثاني أكبر بلد مستخرج للرمل في العالم، تدير عصابات منظمة استخراج الرمل غير الشرعي على نطاق واسع في البلاد. وتقوم هذه العصابات المارقة بتغطية أعمالها عن طريق الرشوة، وبلغ بها الأمر أن قتلت شرطياً حاول وقف أنشطتها في محمية وطنية للتماسيح في ولاية ماديا براديش. وتوفر العصابات المسلحة الحماية لعمال استخراج الرمال في محيط مدينة نيروبي، عاصمة كينيا. وفي ماليزيا، اتهم 34 مسؤولاً حكومياً بالتغاضي عن تهريب الرمل إلى خارج البلاد مقابل رشى. وفي العام الماضي، لقي ثلاثة أشخاص حتفهم في مظاهرات شعبية جرت في ولاية كومبو الغامبية احتجاجاً على التأثير الضار لاستخراج الرمل على حقول الأرز، الذي يشكل مصدر دخل السكان المحليين.
وفي العالم العربي، تتنوع المظاهر السلبية لإدارة الرمال ابتداءً بالعصابات المنظمة التي تنهب شواطئ المغرب والجزائر، مروراً بمافيا الكسارات والشواطئ في لبنان التي تدمر الثروات الطبيعية للبلاد، وانتهاءً بمشروعات التطوير العقاري في بعض الدول الخليجية، التي تقوم على استيراد الرمال وردم الموائل البحرية لإنشاء الجزر الاصطناعية. ومن المتوقع أن تؤدي الحروب المدمرة التي شهدتها بعض البلدان العربية إلى زيادة الطلب على الرمال والحصى. ففي العراق، تسعى العديد من البلديات إلى تعديل التشريعات الوطنية التي تحظر تجريف الحصى والرمال من أحواض الأنهار. وفي حال نجاحها في تحقيق ذلك، فإن مشكلة تهدّم المساكن والمنشآت سترخي بعبئها الثقيل على النظم البيئية المائية، خصوصاً في نهر دجلة.

- ما هي البدائل المتاحة؟
من الناحية التقنية، توجد بعض الخيارات للتخفيف من استهلاك الرمال، ومن ذلك مثلاً استغلال الطمي المتراكم في قاع السدود. في هذه الحالة، تكون المعادلة هي فوز جميع الأطراف. فمن جهة تحظى صناعة البناء بمادتها الأولية، ومن جهة أخرى يستفيد مشغلو السدود من خلال توفير سعة إضافية لتخزين المياه.
وفي البلدان المتقدمة، يحل البناء الجديد غالباً مكان البناء المهدم، وهنا تظهر أهمية تدوير أنقاض المباني في تقليل الحاجة لمواد بناء جديدة. ثلث مواد البناء المستخدمة للإسكان في بريطانيا هي مواد معاد تدويرها، وهذا الخيار يبدو واعداً في البلدان العربية التي دمرت حواضرها الحروب. كما أن تدوير مخلفات الزجاج يقلل من حاجة هذه الصناعة إلى الرمل الجديد. وتوجد بدائل للرمل في صناعة الخرسانة، كرماد محارق محطات الطاقة وغبار مقالع الصخور. إلا أن رخص سعر الرمل مقابل قيمة هذه البدائل يبقى عائقاً أمام تبنيها.
أياً تكن البدائل المقترحة، سيبقى استخراج الرمال أمراً لا مهرب منه. وأفضل الخيارات المتاحة هو تنظيمه في حدود قدرة الطبيعة على ضمان استدامته. وإلى أن يحصل ذلك، سيبقى استخراج الرمال جريمة منظمة تقع أمام أعيننا من دون أن نقيم لها وزناً.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.