رياح التغيير تهب على «أسبوع نيويورك»

توم فورد يبدأ رئاسته «مجلس الموضة» بتغييرات مهمة واستراتيجيات هادفة

من عرض «تومي هيلفغر» على «مسرح أبولو»
من عرض «تومي هيلفغر» على «مسرح أبولو»
TT

رياح التغيير تهب على «أسبوع نيويورك»

من عرض «تومي هيلفغر» على «مسرح أبولو»
من عرض «تومي هيلفغر» على «مسرح أبولو»

في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وعندما اختير المصمم توم فورد رئيساً لـ«مجلس مصممي الأزياء» في أميركا، تفاءل الجميع خيراً. جاء خلفاً للمصممة دايان فون فورتنسبورغ، التي قامت بهذه المهمة لمدة 13 عاماً. كان التغيير ضرورياً لخضّ المياه الراكدة، إضافة إلى أن عالم الموضة بات يعيش تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة في السنوات الأخيرة، تحتاج إلى نفَس طويل وتدخلات من نوع جديد.
لا يختلف اثنان في أن ألق «أسبوع نيويورك» خفتَ في هذه السنوات، كما تشتتت ركائزه بين تغيير أماكن العرض الرسمية؛ من «براين بارك» إلى «مركز لينكولن»، ثم إلى أماكن متفرقة في نيويورك، وعزوف مشترين عالميين عن حضوره لافتقاده أي جديد يُذكر. كل هذا حدا ببعض المصممين إلى هجره، إما إلى أوروبا أو إلى لوس أنجليس؛ فمردوديته بالنسبة لهم لم تعد تستحق التعب والتكاليف التي يتكبدونها من أجل المشاركة فيه. خلاصة الأمر؛ كان «الأسبوع» يحتاج إلى ضخ دم جديد يُعيد له رونقه القديم ومكانته العالمية، لهذا ليس غريباً أن تُهلل أوساط الموضة عندما تم اختيار توم فورد، وأن تُعقد عليه آمال كبيرة. فهو المصمم الذي نجح نجاح الأبطال في إنقاذ دار «غوتشي» من الإفلاس في التسعينات من القرن الماضي.
يوم الجمعة الماضي، ومع انطلاق أول يوم في الأسبوع النيويوركي تحت رئاسته، كانت رياح التغيير بادية وملموسة. نجح في استقطاب، أو بالأحرى استعادة، أسماء مهمة كانت قد هجرته إلى «باريس» مثل «تومي هيلفغر» الذي عاد إلى الحُضن بعد 3 سنوات من الغياب، كذلك «راغ آند بون» إضافة إلى «ريهانا»... وغيرهم. الرئيس الحالي صرح في إحدى مقابلاته الصحافية بأن المهم بالنسبة له أن يُخرج «نيويورك» من شعورها بالاكتفاء الذاتي «لأن العالم أوسع بكثير».
يذكر أن توم فورد، الذي عمل طويلاً مع بيوت أزياء عالمية مثل «غوتشي» و«إيف سان لوران»، وعاش تجارب كثيرة مع المجموعات الكبيرة التي تنضوي تحتها هذا البيوت، تعلم الكثير من هذه التجارب، بحلوها ومرها، وعلى رأسها أن حلم العالمية هو ما يطمح إليه أي مصمم عندما يتكبد مئات الآلاف من الدولارات لتحقيق ذلك. تجربته الأوروبية جعلته أيضاً واقعياً وعملياً. واقعيته تجلت في تقصيره مدة الأسبوع النيويوركي من 7 أيام إلى 5 أيام، في خطوة شجاعة طالب بها كثير من المتابعين وصناع الموضة سابقاً من دون أن تتحقق. فطول الأسبوع كان من نقاط ضُعفه لما كان يُسببه من تعب وضيق وقت لحضور الأسابيع الأوروبية، لا سيما «لندن»، التي كان يتضارب يومها الأول مع اليوم الأخير في «نيويورك». ثم لا ننسى أن تقصيره يعني تكاليف أقل بالنسبة للذين يحضرون إليه من أوروبا.
رياح التغيير شملت أيضاً التنوع باحتضان اختلاف الآخر، وهو ما كان من بين القرارات التي اتخذها وعدّها ضرورية، مثل الاستعانة بعارضات من كل الأجناس والألوان والأحجام. كذلك، وحتى يحصل كل المصممين على تمثيل متكافئ في «مجلس المصممين الأميركي»، ضم إليه 4 أسماء جديدة، هي: المصمم فيرجيل أبلو، مؤسس ماركة «أوف وايت» ومصمم دار «لويس فويتون» الحالي للخط الرجالي، والبريطانية كارلي كوشني، التي أسست ماركتها منذ 10 سنوات بالتعاون مع ميشيل أوكس، وكوربي جون رايموند، الذي فاز في العام الماضي بتمويل «المجلس الأميركي» لتسليطه الضوء على تجربة السود في عروضه ومن خلال وسائل إعلامية أخيراً. وأخيراً وليس آخراً، التشيلية ماريا كورنيو، التي تُثير الإعجاب بأسلوبها الفني البسيط. جاء تعيين هؤلاء على حساب 4 آخرين نذكر منهم: جورجينا تشابمان، مصممة دار «ماركيزا»، التي لا يزال اسمها يثير الجدل رغم انفصالها عن زوجها السابق هارفي وينشتين، ومصممة المجوهرات كارا روس، التي يعدّ زوجها الملياردير ستيفن روس أحد الموالين للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وكان قد أثار ضجة كبيرة في شهر أغسطس (آب) الماضي لجمعه تبرعات لصالحه.
حسبما صرح به توم فورد لمجلة «ويمنز وير دايلي»، فإن النية من التغيير كانت إعادة ترتيب المجلس وخلق تنوع يتطلبه العصر الحالي، وليس له علاقة بآراء سياسية لأحد، ولا انتماءاته على الإطلاق.
وسواء كانت قراراته تحركها أسباب سياسية أم لا، فإن كل ما قام به حتى الآن قوبل بالترحاب ولمس هوى لدى الأغلبية. فنحن في زمن أصبح فيه للموضة دور اجتماعي وصوت سياسي يعلو مطالباً بحقوق الإنسان أو نابذاً الظلم والأفكار الشعبوية... وغيرها. في شهر أغسطس الماضي مثلاً، وبعد أن تناهى إلى المسامع خبر دعم الملياردير ستيفن روس الرئيس ترمب، قرر كثير من المصممين ممن كانوا سيعرضون تشكيلاتهم في مكان يملكه الملياردير، الانسحاب والبحث عن أماكن أخرى. كانت الرسالة سياسية واضحة رغم أن أغلبهم صرحوا بأن الأمر لا علاقة له بالدعم. المصمم برابال غوانغ كان الوحيد الذي أعلن أن سبب انسحابه كان رفضه هذا الدعم. وأرفق هذا الاحتجاج بطرح «تي - شيرت» كتب عليه: «نحن نعيش في حالة أزمة».
بيد أن قوة توم فورد تكمن حتى الآن في دعمه اللامشروط وغير المسبوق المواهب الصاعدة؛ ففي مساء أول يوم من انطلاق الأسبوع، استضاف في مطعم فيتنامي 35 مصمماً ناشئاً؛ في خطوة أراد من ورائها فتح الأبواب والفرص أمامهم بخلق حوار بينهم وبين وسائل الإعلام وصناع الموضة المحترفين. شرح توم فورد فكرته قائلاً: «إننا عندما نتفاعل مع أي شخص وجهاً لوجه ونتحدث إليه، فإننا نفهمه أكثر، والنتيجة أننا ننظر إلى أعماله بنظرة مختلفة»؛ أكثر إيجابية.
ولا شك في أن توم فورد الذي عاش في أوروبا لأكثر من عقد من الزمن، لا يريد أن تُصبح «نيويورك» هرمة مثلا ميلانو، تعتمد على شيوخها من المؤسسين، بل يريدها نابضة بالحيوية والديناميكية مثل «لندن». فهذه الأخيرة قوت نفسها ورسخت مكانتها باحتضان المواهب الصاعدة بغض النظر عن جنسياتهم واختلافهم وميولهم. مع الوقت تحولت من الحلقة الأضعف بين العواصم الأربع إلى الأقوى، باستثناء باريس، التي حافظت على مكانتها، بحكم تاريخها واحتضانها خط الـ«هوت كوتير».
المصممة الشاب هيلاري تايمور كانت واحدة من المدعوين، وقالت بعد العشاء إنها، ولأول مرة، غمرها إحساس دافئ بالانتماء بفضل الجو العائلي الذي جمع بين مصممين يسمع كل منهم عن الآخر لكن لم يسبق لهم أن جلسوا معاً ليتجاذبوا أطراف الحديث بشكل ودّي؛ «وهو ما أراه منعشاً» حسب قولها. وتتابع: «كنت دائماً أشعر بأننا متفرقين، خصوصاً بعد أن تغيرت أماكن العرض من (براينت بارك) و(مركز لينكولن)، إلى أماكن أخرى...أصبح الكل وحيداً، عليه أن يعوّل على نفسه، ليأتي توم فورد الآن ويضمنا جميعاً في نادٍ واحد».
بيد أن تشجيعه الشباب ومحاولته فتح الأبواب أمامهم، لم يُلغ أهمية المصممين الكبار، من أمثال كارولينا هيريرا، ورالف لورين، وتومي هيلفغر... وغيرهم. فهؤلاء لم يؤسسوا إمبراطوريات عالمية أو يُثبتوا أنهم يفهمون السوق فحسب باعتمادهم دائماً تصاميم بأسلوب سلس يروق للجميع؛ بل هم حالياً قوة دعائية لا يمكن تجاهلها من قبل وسائل الإعلام، مما يعطي «الأسبوع» زخماً. وطبعاً لا يمكن تجاهل أن هذه القوة تنعكس على عروضهم الباهرة، بدءاً من اختيارهم الأماكن التي يقدمون فيها عروضهم؛ إلى نوع الإخراج... وباقي التفاصيل.
وليس أدل على هذا من عرضي تومي هيلفغر، ورالف لورين. الأول عرض تشكيلة قوية بعبق الثمانينات والسبعينات من القرن الماضي في «مسرح أبولو» الشهير بهارليم، والثاني كان عرضه بمثابة حفل خاص جداً حضرته باقة من النجوم، مثل كايت بلانشيت. كان المصمم يريد أن يُجسد هذا الحفل كل معاني الانطلاق وروح الانعتاق التي شهدتها حقبة العشرينات، سواء من خلال الديكور الذي غلب عليه الـ«آرت ديكو»، أو من خلال استعانته بفرقة جاز كانت في استقبال الحضور. كانت التشكيلة أيضاً سخية بفساتين السهرة وتايورات المساء، مثل التوكسيدو. «لو سموكينغ» كما يُطلق عليه الفرنسيون، تكرر بألوان وأقمشة عدة، إلى حد القول إنه كان النجم بلا منازع. ورغم أنها قطعة ارتبطت بالراحل إيف سان لوران في السبعينات، فإن رالف لوران له تاريخ معها وحق فيها، لأنه بدأ مصمماً رجالياً. اقتراحاته لربيع وصيف 2020، كانت بلا شك أنيقة، قدمها في أجواء مثيرة، لكن اللافت فيها أنها تؤكد حقيقة مهمة؛ وهي أنه عندما يتمتع أي مصمم بإمكانات مادية كبيرة، فإنه ينجح في شد الأنفاس واستقطاب النجوم.
المصمم الشاب كريستيان سيريانو، قد لا تكون له إمكانات تومي هيلفغر أو رالف لورين، لكنه يعرف أن أي عرض يحتاج إلى بهارات وحبكة مثيرة لكي ينجح. استعان بعارضات مثل كوكو روشا لاستعراض فنيته في تشكيلة قال إنه استلهمها من لوحات فنانة الـ«بوب آرت» آشلي لونغشور، رآها معروضة في قاعتها الفنية في نيو أورليانز. ويذكر أن الفنانة تشتهر بجمعها ألوان النيون بالباستيل في أعمالها، وهو ما ترجمه سيريانو في أزياء تجمع هي الأخرى بين الأناقة والشقاوة. شرح بعد عرضه: «أرى في هذه الفنانة نسخة عصرية للفنان آندي وورهول... فجميل للغاية أن ترى فنانين يرسمون لوحات يستلهمونها من مصممي الموضة والعكس». باستثناء قطع قليلة تعدّ على أصابع اليد الواحدة بالأسود والرمادي، كانت الألوان الغالبة تسطع بالأخضر المعدني، الذي ظهر في فساتين وجاكيتات «بلايزر»، والوردي الذي ظهر في فساتين قصيرة، إضافة إلى ألوان قوس قزح في فساتين من اللاميه تلمع مع كل خطوة. تأثير الفنانة آشلي لونغشور ظهر أيضاً في طبعات ثلاثية الأبعاد.
من جهته؛ قدم المصمم جايسون وو، أيضاً، تشكيلة تحتفل بألوان الصيف. قال إنه، ولأول مرة منذ سنوات، استطاع أن يقتطع لنفسه إجازة هذا الصيف مدتها شهر كامل قضاه في كل من ميكونوس ومايوركا. لم يرد لحلمه بالشمس والبحر أن ينتهي بسرعة ويبقى مجرد ذكرى، لهذا ترجمه في تشكيلته لربيع وصيف 2020، من خلال ألوان وخطوط تحتفل بالسفر والإجازة، مثل جاكيت السافاري، وفساتين اللف، وقطع أخرى قال إنه استوحاها من صور لإريفينغ بين تُروج للريفييرا الفرنسية.
أما دار «كايت سبايد» فأطلقت على عرضها عنوان: «الحديقة السرية». استلهمتها من رواية فرنسيس هودجسون بيرنيت بالعنوان نفسه، ووصفتها مصممة الدار الجديدة، نيكولا غلاس بأنها أرادتها أن «تتفتح في أي مكان توجد فيه». فهذا تحديداً ما أنيط بها وما كان متوقعاً منها عندما تولت إدارة الدار الفنية: أن تُجددها وتضخ فيها جرعة تفاؤل كانت تحتاجها بعد انتحار مؤسستها، كايت سبايد في العام الماضي. كان العرض تكريماً لذكراها من ناحية؛ أو بالأحرى «الإبقاء على اسمها حياً» حسب قول الممثلة ديبي مازار، لكنه كان أيضاً طبقاً دسماً ومتنوعاً من الأزياء الأنيقة والإكسسوارات العملية التي تحمل بصمات المؤسسة وروحها المرحة التي انطفأت.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)
ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)
TT

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)
ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)

في منتصف القرن الماضي، كان فن الـ«آرت ديكو» والقطع المصنعة من البلاتين تُهيمن على مشهد المجوهرات الفاخرة. في خضم هذه الموجة التي اكتسحت الساحة، ظلت دار «بولغري» وفيّة لأسلوبها المتميز بالجرأة، واستعمال الذهب الأصفر والأحجار الكريمة المتوهجة بالألوان.

رغم أن عقداً واحداً يكفي فإن استعمال أكثر لا يؤثر بقدر ما يزيد من الفخامة (بولغري)

في هذه الفترة أيضاً ابتكرت تقنية خاصة بها، أصبحت تعرف بـ«توبوغاس»، وتستمد اسمها من الأنابيب التي كانت تستخدم لنقل الغاز المضغوط في عشرينات القرن الماضي. ففي تلك الحقبة أيضاً بدأ انتشار التصميم الصناعي في أوروبا، ليشمل الأزياء والديكور والمجوهرات والفنون المعمارية وغيرها.

ظهر هذا التصميم أول مرة في سوار ساعة «سيربنتي» الأيقونية (بولغري)

في عام 1948، وُلدت أساور بتصميم انسيابي يتشابك دون استخدام اللحام، تجسَّد في سوار أول ساعة من مجموعتها الأيقونية «سيربنتي». أدى نجاحها إلى توسعها لمجموعات أخرى، مثل «مونيتي» و«بارينتيسي» و«بولغري بولغري».

في مجموعتها الجديدة تلوّنت الأشكال الانسيابية المتموجة والأجسام المتحركة بدرجات دافئة من البرتقالي، جسَّدها المصور والمخرج جوليان فالون في فيلم سلط الضوء على انسيابية شبكات الذهب الأصفر ومرونتها، واستعان فيه براقصين محترفين عبّروا عن سلاستها وانسيابيتها بحركات تعكس اللفات اللولبية اللامتناهية لـ«توبوغاس».

بيد أن هذه التقنية لم تصبح كياناً مهماً لدى «بولغري» حتى السبعينات. فترة أخذت فيها هذه التقنية أشكالاً متعددة، ظهرت أيضاً في منتجات من الذهب الأصفر تُعبر عن الحرفية والفنية الإيطالية.

ظهرت تقنية «توبوغاس» في مجوهرات شملت أساور وساعات وعقوداً (بولغري)

لكن لم يكن هذا كافياً لتدخل المنافسة الفنية التي كانت على أشدّها في تلك الحقبة. استعملتها أيضاً في مجوهرات أخرى مثل «بارينتيسي»، الرمز الهندسي المستوحى من الأرصفة الرومانية. رصَّعتها بالأحجار الكريمة والألماس، وهو ما ظهر في عقد استخدمت فيه «التنزانيت» و«الروبيت» و«التورمالين الأخضر» مُحاطة بإطار من الأحجار الكريمة الصلبة بأشكال هندسية.

بعدها ظهرت هذه التقنية في ساعة «بولغري توبوغاس»، تتميز بسوار توبوغاس الأنبوبي المرن، ونقش الشعار المزدوج على علبة الساعة المصنوعة من الذهب الأصفر والمستوحى من النقوش الدائرية على النقود الرومانية القديمة. تمازُج الذهب الأصفر والأبيض والوردي، أضفى بريقه على الميناء المطلي باللكر الأسود ومؤشرات الساعة المصنوعة من الألماس.

من تقنية حصرية إلى أيقونة

تزينت بمجوهرات الدار نجمات عالميات فكل ما تقدمه يُعدّ من الأيقونات اللافتة (بولغري)

«بولغري» كشفت عن مجموعتها الجديدة ضمن مشروع «استوديو بولغري»، المنصة متعددة الأغراض التي تستضيف فيها مبدعين معاصرين لتقديم تصوراتهم لأيقوناتها، مثل «بي زيرو1» و«بولغري بولغري» و«بولغري توبوغاس». انطلق هذا المشروع لأول مرة في سيول في مارس (آذار) الماضي، ثم انتقل حديثاً إلى نيويورك؛ حيث تستكشف الرحلة الإرث الإبداعي الذي جسدته هذه المجموعة من خلال سلسلة من أعمال التعاون من وجهات نظر فنية متنوعة.

قوة هذه التقنية تكمن في تحويل المعدن النفيس إلى أسلاك لينة (بولغري)

بين الحداثة والتراث

قدّم الفنان متعدد المواهب، أنتوني توديسكو، الذي انضم إلى المنصة منذ محطتها الأولى ترجمته للأناقة الكلاسيكية بأسلوب امتزج فيه السريالي بالفن الرقمي، الأمر الذي خلق رؤية سردية بصرية تجسد التفاعل بين الحداثة والتراث. منح الخطوط المنسابة بُعداً ميتافيزيقياً، عززته التقنيات التي تتميز بها المجموعة وتحول فيه المعدن النفيس إلى أسلاك لينة.

تطورت هذه التقنية لتشمل قطعاً كثيرة من مجموعات أخرى (بولغري)

ساعده على إبراز فنيته وجمالية التصاميم، الفنان والمصمم الضوئي كريستوفر بودر، الذي حوَّل الحركة اللامتناهية وتدفق اللوالب الذهبية في «بولغري توبوغاس» إلى تجربة بصرية أطلق عليها تسمية «ذا ويف» أو الموجة، وهي عبارة عن منحوتة ضوئية حركية تتألف من 252 ضوءاً يتحرك على شكل أمواج لا نهاية لها، تتكسر وتتراجع في رقصة مستمرة للضوء والظل، لكنها كلها تصبُّ في نتيجة واحدة، وهي تلك المرونة والجمالية الانسيابية التي تتمتع بها المجموعة، وتعكس الثقافة الرومانية التي تشرَّبتها عبر السنين.