تعتبر الأحداث الحقيقية التي تضمنتها رواية الكاتبة لارا بريسكوت «الأسرار التي احتفظنا بها» أفضل ما فيها بكل تأكيد. والسبب في ذلك هو أن مهنة حياكة الأحداث الجاسوسية التي طالما احتفظت بها وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) هي مهنة صعبة، خصوصاً إذا جمعت بين رواية روسية قديمة (دكتور زيفاغو) وأجواء المسلسل الأميركي «رجال مجانين»، وهو ما يعد أمراً صعباً. ومع ذلك فقد استطاعت الكاتبة صياغة كل ذلك في قالب قريب الشبه بروايات هيمنغواي.
استندت رواية «الأسرار التي حفظناها» إلى رواية بوريس باسترناك «دكتور زيفاغو» التي قد لا تعرف عنها الكثير، وربما لا تعرف شيئاً عنها باستثناء موسيقى مقدمة الفيلم الذي صور أحداثها، وكيف بدا بطلا الفيلم عمر الشريف وجولي كريستي وسط الثلوج. قلة قليلة تلك التي تدرك مدلول ضمير الفاعل الذي ورد في كلمة «احتفظنا» في عنوان الرواية. إذ إن ضمير «نا» (نحن) لا يشير إلى كاتب الرواية باسترناك وحبيبته أولغا إيفنسكايا التي كانت مصدر إلهام لشخصية لارا في فيلم «زيفاغو»، بل إلى مجموعة كاتبات وكالة «سي آي إيه».
عام 2014، كشفت «سي آي إيه» عن قصة مدهشة حول باسترناك و«دكتور زيفاغو». فبمجرد أن خرج نص الرواية من الاتحاد السوفياتي بناءً على طلب من الناشر الإيطالي المغامر جيانجياكومو فيلترينيلي، شرعت وكالة الاستخبارات الأميركية في عملية لإعادة ترجمتها من الإيطالية إلى الروسية في أصغر نسخة ممكنة، وأرسلتها إلى بلد باسترناك الأصلي. لكن الروس حظروها بسبب تناولها الأوضاع في روسيا في ظل الشيوعية.
بعد ذلك بسنوات، قرأ الرئيس الروسي نيكيتا خروشوف الرواية، وعبر عن استيائه من القرار.
في رواية بريسكوت، كلفت بعض النساء العاملات في «سي آي إيه»، اللاتي سردن جانباً من هذا الرواية - متخفيات خلف ضمير الفاعل «نحن» الذي ورد في كلمة «احتفظنا» - بأداء الكثير من المهام في عملية ترويج الرواية. فقد طُلب من بعضهن استبدال أغلفة نسخ من رواية «زيفاغو» المتربة بأخرى غير ضارة، وإرسالها إلى مستهدفين حول العالم.
كان هناك الكثير من الروايات التي دارت أحداثها عما كشفت عنه «سي آي إيه»، أبرزها «قضية زيفاغو»، منها تلك التي كتبها بيتر فين وبيترا كوف، اللذان توسلا للإفراج عن الوثائق الخاصة بالقصة، لكنها خرجت في صيغة غير روائية. لكن بريسكوت كانت صاحبة أول رواية عن تلك القصة.
بريسكوت مغرمة بإضافة علامات التعجب في نهاية اقتباسات حقيقة، وبإضافة أسماء أصدقائها لكن بعد تغييرها، وكذلك وصف الحفلات الصاخبة والمشاهد البراقة، وهي جميعها أشياء لم تحدث في الاتحاد السوفياتي.
واستهلت بريسكوت الرواية بخطاب طويل كتبته حبيبة باسترناك (أولغا) تصف فيه سيرها الطويل إلى معسكر السجن الذي أودعت به عقاباً على عدم إبلاغها السلطات عن مضمون رواية كتبتها عن الشاعرة بوريا - أحد أكثر الشعراء الروس احتراماً. تذكرنا تلك الافتتاحية بالكتاب الروسي العظماء الذي وصفوا «غولاغ»، معتقل سيبيريا، بطريقة أقوى وأبلغ، وإن كانت بريسكوت أضافت بعداً نسوياً لمحنة أولغا؛ حيث فقدت أولغا طفلها من باسترناك خلال فترة الاعتقال، وظل الزواج قائماً بينهما، إلا أنه رفض أن يمنحها فرصة إنجاب طفل آخر.
يعد الاتجاه النسوي جزءاً لا يتجزأ من ملاحظات العاملات في «سي آي إيه» اللاتي قمن بصياغة أحداث الرواية، وهو ما تجلى في عبارة «نحن لا نبذل قصارى جهدنا في وصف غباء وتعالي المديرين الذكور، وفي الفجوة الكبيرة في المواهب بين هؤلاء السيدات وبين رؤسائهن الذين يعطونهن الأوامر». ومن الواضح أن بريسكوت، التي عملت ذات يوم في الحملة السياسة، تتمتع بإمكانات أقل في رسم الشخصيات الفردية مقارنة بقدرتها الظاهرة في وصف التفكير الجمعي للمرأة. ومن الممتع مشاهدة أفضل هؤلاء النساء يخدعن رؤسائهن، وهي الفترة التي كانت فيها المرأة أكثر عرضة للإيذاء.
إن كتابة بيرسكوت قابلة للنقد، إذ إن رواية بهذا التعقيد لا تخلو من المسؤولية. فهي غنية بالتفاصيل الشيقة، لكنها تفتقر إلى النثر المبدع. ففي وصفها للمرحلة العنيفة في علاقة بطلي الرواية، وفي نقاشهما حول الجريمة والعقاب، من المستحيل معرفة ما إذا كان التلميح الأدبي الروسي متعمداً.
رواية «الأسرار التي احتفظنا بها» في طريقها لتحقيق انتشار واسع، خصوصاً مع دعم شخصيات شهيرة لها مثل الممثلة الأميركية ريس ويذرسبون.
- خدمة «نيويورك تايمز»