موسكو على خط المواجهة الإسرائيلية ـ اللبنانية

العلاقة مع تل أبيب «زواج مصلحة سرّي» مريح للطرفين

موسكو على خط المواجهة الإسرائيلية ـ اللبنانية
TT

موسكو على خط المواجهة الإسرائيلية ـ اللبنانية

موسكو على خط المواجهة الإسرائيلية ـ اللبنانية

تلاحقت في الفترة الأخيرة، تطورات مرتبطة بإسرائيل، وتحركاتها على الصعيد الإقليمي، وبدت كلها وثيقة الصلة، بشكل أو بآخر، بمسار تعزيز الحضور الروسي في الشرق الأوسط. إذ اتضح بعد المواجهة المحدودة بين إسرائيل و«حزب الله» في المناطق الحدودية أخيراً، أن الطرفين اللبناني والإسرائيلي اتجها إلى موسكو لمحاصرة احتمالات اتساع نطاق المواجهة. وأعقب ذلك إعلان تل أبيب بدء ترتيبات لعقد لقاء جديد على مستوى رؤساء مجالس الأمن القومي في روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل لمناقشة الوضع في المنطقة، ومحاولة تقريب وجهات النظر حول آليات التعامل مع إيران في سوريا ولبنان، والمنطقة عموماً. ولم تلبث موسكو وتل أبيب أن أعلنتا، في وقت متزامن، بعد ذلك مباشرة، عن إعداد زيارة بشكل عاجل، لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى منتجع سوتشي الروسي للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وينتظر أن يكون موعدها قبل الانتخابات الإسرائيلية في 17 من الشهر الحالي. وهي تهدف، كما بات معلوماً، فضلاً عن دعم فرص نتنياهو الانتخابية، إلى وضع رؤية مشتركة للتحرّكات الجارية في سوريا ولبنان.
«كل الطرق تقود إلى موسكو»... هكذا يفاخر بعض المحللين الروس، وهم يتحدثون في هذه الأيام عن اتساع حجم الحضور الروسي في الملفات الشرق أوسطية. وحقاً، تتطلع موسكو إلى لعب أدوار أكبر في مسائل لم يكن لها حضور بارز فيها في السابق، مثل موضوع الاشتباك الإسرائيلي مع «حزب الله». إذ كان لافتاً بعد المواجهة المحدودة أخيراً، أن موسكو نشطت اتصالاتها مع الأطراف المعنية، وسعت إلى محاصرة احتمالات التصعيد.
ولم تُخفِ أوساط دبلوماسية روسية مخاوف من أن «لبنان وإسرائيل يقفان الآن على بعد خطوة واحدة من حرب جديدة». وأنه على الرغم من استبعاد أوساط روسية أن يقع تغير كبير في موازين القوى القائمة حالياً في حال نشبت هذه الحرب، فإنها ترى أنها ستكون مكلفة بالنسبة لموسكو، التي ترى في أي مواجهة كبيرة في المنطقة حالياً تهديداً لخططها في سوريا. لذا سارعت موسكو إلى التقاط فرصة الاتصالات التي جرت من الطرفين اللبناني والإسرائيلي معها، لبذل جهود لتقليص فرص وقوع مواجهة كبرى، وهي نجحت في هذا الاتجاه.
تشير مصادر إعلامية عربية وروسية متطابقة إلى أن موسكو نقلت رسائل عدة بين إسرائيل و«حزب الله»، وأن الطرفين أعلنا خلالها «أنهما لا يريدان توسيع المواجهة». ووفقاً للمعطيات، فقد أكدت موسكو للجانب الإسرائيلي أنه «لا يوجد أي تغيير على قواعد المواجهة القائمة، بمعنى أن استهداف (حزب الله) الآلية هدف إلى حفظ ماء الوجه لا غير، وأن الحزب لا يسعى لتوسيع مساحة المواجهة». ونقل الدبلوماسيون الروس رغبات مماثلة من جانب إسرائيل إلى الأطراف اللبنانية. وبرأي خبراء روس، فإن التحرك الروسي العاجل، الذي استند إلى قناعة روسية بعدم ميل الطرفين إلى التصعيد، أظهر وفقاً لتعليق صحيفة روسية أنه «بات بإمكاننا أن نتحدث بثقة عن وصول بلدنا إلى مستوى جديد. والآن أصبحت كلمته مهمة في حل حتى أكثر الصراعات الإقليمية حدة. إنه لأمر مؤسف أن هذا لم ينجح حتى الآن مع أوكرانيا».
جهود روسيا المتوسعة
أشارت مصادر عسكرية روسية، أخيراً، إلى أن روسيا بدأت بالفعل تنخرط في جهد أوسع لتخفيف التوتر اللبناني الإسرائيلي، وفي إشارة ذات مغزى، أكدت أن إيران «تساعد بشكل كبير في هذا الأمر». والواقع أن مساعي موسكو تنطلق من أن وجود علاقات جيدة مع إسرائيل، والمحافظة على قنوات اتصال مع كل الأطراف اللبنانية، يساعدان في إنجاح هذا الدور. إلا أن هذا لا يعني، وفقاً لخبراء روس، أن الأمور قد لا تتفاقم بعد انتهاء الاستحقاق الانتخابي في إسرائيل، لأن ثمة «لاعبين آخرين هنا»، في إشارة إلى الولايات المتحدة. ثم إن ملف المواجهة اللبنانية الإسرائيلية مرتبط بمسارات عدة، بينها الوضع في سوريا والمواقف المتباينة حيال سياسات إيران الإقليمية، وأخيراً، بسبب طموحات واشنطن لتكريس واقع إقليمي جديد يسهل تمرير «صفقة القرن».
رغم ذلك، تنطلق موسكو في جهودها للمحافظة على هدوء نسبي يوفّر آلية لمنع وقوع مواجهات واسعة من قناعة بأن «الولايات المتحدة لن تذهب نحو المساعدة على زعزعة استقرار لبنان، لأنها تتطلع إلى تعاون مع السلطات الموالية جزئياً في البلاد في مشروعات مستقبلية للاندماج في الشرق الأوسط ضمن إطار خططها لرسم ملامح جديدة للنظام الإقليمي».
اللقاء الأمني الثلاثي
في هذه الأثناء، جاء إعلان رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، مساعي لعقد قمة أمنية ثلاثية ثانية، بين إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة، في الفترة المقبلة، ليضيف بعداً جديداً للنقاشات الدائرة حول هذا الموضوع، ونقلت مصادر أن «المفاوضات تجري لعقد اللقاء الجديد في القدس خلال الأسابيع المقبلة». غير أن مصدراً مطلعاً على الملف في موسكو أبلغ «الشرق الأوسط» أن «موسكو لم تحسم قرارها بالمشاركة بعد»، وترى أوساط روسية أن المشكلة لا تكمن في عقد اللقاء من حيث المبدأ، بل في الأهداف المتوخاة من هذا اللقاء.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن رؤساء مجالس الأمن القومي في روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة كانوا قد عقدوا اجتماعاً في يونيو (حزيران) الماضي في القدس، كرس لمناقشة الوضع في سوريا، خصوصاً على صعيد الوجود الإيراني في هذا البلد. وفشلت الأطراف يومذاك في تقريب وجهات النظر حول الملف الخلافي الأكبر. وقال سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، في حينه، أن «موسكو تعير اهتماماً كبيراً لضمان أمن إسرائيل»، لكنه شدد على أن «تحقيق هذا الهدف يتطلب استتباب الأمن في سوريا أولاً».
وبالتالي، بدا واضحاً خلال ذلك اللقاء أن الخلاف الرئيس لا يكمن في وضع ملف الوجود الإيراني في سوريا على طاولة المفاوضات، وبحث السياسات الإقليمية لإيران، بل في رفض موسكو الخضوع لإملاءات مسبقة. وفي هذا السياق، قال دبلوماسي اطلع على سير المفاوضات لـ«الشرق الأوسط»، إن موسكو أبلغت الجانبين الإسرائيلي والأميركي أنها لا تمانع مناقشة الملف (الوجود الإيراني)، لكن «لا يمكن القبول بالذهاب إلى مفاوضات يرى الطرفان الإسرائيلي والأميركي أن نتائجها يجب أن توضع سلفاً». وبهذا المعنى، فإن موسكو تبدي مرونة في مناقشة ملف خروج إيران والقوات التابعة لها من سوريا، أو تقليص وجودها الظاهر على الأقل، لكنها ترى أن هذا الأمر يجب أن يتحقق في سياق تفاوضي يلبي حاجات دفع التسوية واستقرار الوضع في سوريا (لمصلحة الأسد)، ويضمن لإيران وللأطراف الأخرى متطلباتها وحاجاتها الأمنية.
هذا الجانب ذكره باتروشيف بوضوح خلال اللقاء السابق في القدس، عندما قال: «ترى موسكو أنه من الأكثر فاعلية التحدث مع إيران، بدلاً من ممارسة الضغط عليها»، و«نحن نتفهم المخاوف التي لدى إسرائيل، ونريد القضاء على التهديدات الموجودة، ولكن في الوقت نفسه علينا تذكر المصالح الوطنية للدول الإقليمية الأخرى».
تفاهم كامل بين موسكو وطهران
هذه هي النقطة الخلافية الأساسية التي عرقلت التقدم في مسار المفاوضات الأمنية الثلاثية، وما زالت عالقة حتى الآن. ومعها، فإن موسكو، التي تدرك حجم التباين في المواقف، كانت تتطلع إلى نتيجة أخرى للقاء القدس هي تحويل هذه الصيغة - اللقاء على مستوى مجالس الأمن القومي - إلى قناة حوار ثابتة ودائمة لمناقشة، ليس فقط الملف المتعلق بإيران، بل كل الملفات الإقليمية التي تهم الأطراف الثلاثة. وانطلاقاً من هذا الهدف، قد تذهب موسكو نحو الموافقة على عقد لقاء جديد، وإن كانت تثق بأن نتائجه أيضاً ستكون محدودة.
محللِّون روس يرون أن موسكو تتبع سياسة «منفتحة على الحوار»، لكنها ليست متسرعة في تقديم تنازلات عن مواقفها. ووفقاً لأحد الخبراء، فإنها قدمت للولايات المتحدة وإسرائيل نوعاً من «الإنذار الناعم». أما مطلب روسيا الرئيس من الولايات المتحدة وإسرائيل هو أن على الأميركيين والإسرائيليين في سوريا «تجنب استفزاز إيران». ووفقاً لهذا التحليل - الذي نشر في مادة مطولة أخيراً في إحدى الوكالات الروسية - فإن «موقف موسكو هو نتيجة العمل المشترك لروسيا وسوريا وإيران والعراق في إطار مركز بغداد للمعلومات العسكرية رباعي الأطراف، الذي أنشئ في عام 2015 فقط من أجل الحرب المنسّقة ضد الإرهاب الدولي. ووجهة النظر الروسية متفق عليها تماماً مع إيران وسوريا والعراق. وتشترك الصين منذ مايو (أيار) الماضي في التنسيق مع هذه المجموعة».
في السياق نفسه، كانت مصادر إعلامية قد أشارت، بالفعل، إلى أنه في 30 مايو الماضي، ناقش ممثلو الأجهزة الخاصة للعراق وروسيا وإيران وسوريا في اجتماعاتهم في بغداد الوضع الحالي، وتم خلال اللقاء وضع رؤية مشتركة للتحركات اللاحقة، وفي هذا الاجتماع برز حضور الصين للمرة الأولى. وفي حينه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، «إن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، التي كانت واحدة من التحديات الدولية الرئيسية خلال الأشهر الأخيرة، تنطوي على جوانب ونتائج قد تتجاوز مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين». وأعلن أن إيران تدين هذه السياسة الأميركية كمثال على «الإرهاب الاقتصادي». وبعد ذلك، مباشرة، أعلن مصدر عراقي أن الصين أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى مركز بغداد للمعلومات العسكرية، ورأت فيه «خطوة مهمة نحو تعزيز الأمن الإقليمي».
على هذه الخلفية، يظهر أن موسكو نجحت حتى الآن، مستفيدة من سياسات واشنطن، في تعزيز محوّر ترى أوساط المحللين أنه سيكون له كلمة مسموعة في الوضع في الشرق الأوسط، وكذلك في القوقاز، وحتى في آسيا الوسطى وأفغانستان. وهو محور يعزّز مواقع موسكو التفاوضية أيضاً في النقاشات الجارية حول الوضع في سوريا وفي لبنان، وفي موضوع العلاقة مع إسرائيل.
«مواطنون روس» في إسرائيل
جاء الإعلان المتزامن في موسكو وتل أبيب عن زيارة سيقوم بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى منتجع سوتشي بجنوب روسيا، في غضون أيام، ليربط مباشرة عدة ملفات في سلة واحدة... ستكون مطروحة للنقاش خلال اللقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين.
إذ يأمل نتنياهو، الذي يقوم تقليدياً بزيارة موسكو قبل كل استحقاق انتخابي، أن تمنحه المنصة الروسية أوراقاً لتعزيز فرصه التنافسية. وهذا لا يقتصر على فكرة حشد تأييد في أوساط الناطقين بالروسية في إسرائيل. وهؤلاء، بالمناسبة، يشكلون قاعدة انتخابية تزيد على مليون نسمة، ويرتبطون بعلاقات وثيقة مع موسكو لدرجة أن بوتين في أكثر من موقع كرّر التأكيد على أهمية العلاقة مع «مواطنينا في إسرائيل».
أما الأكثر أهمية من ذلك، فهو أن نتنياهو يأتي إلى روسيا حاملاً ملفات الوضع مع لبنان على خلفية الدور الروسي الأخير في احتواء المواجهة، مع ملف توسيع الهجمات الإسرائيلية على مواقع متهمة بالولاء لإيران، لتصل إلى أبعد من سوريا، في العراق. وكانت وسائل إعلام روسية حذرت أخيراً من أن إسرائيل لم تعد تهتم في الآونة الأخيرة، بإبلاغ الروس بإحداثيات ضرباتها، قبل موعد كافٍ، في مخالفة لتفاهمات سابقة في هذا الشأن.

تنسيق مواقف ومصالح مشتركة رغم الضربات الإسرائيلية
> مع أن أوساطاً في العاصمة الروسية موسكو رأت أن تحذيرات وسائل الإعلام الروسية الأخيرة لتل أبيب هدفها الرئيسي إظهار أن موسكو ليست راضية تماماً عن الضربات الإسرائيلية، أو على الأقل «ليست متواطئة» مع تل أبيب فيها، يركز محللون على أن أحد أهم أهداف زيارة بنيامين نتنياهو المقبلة لروسيا هو «تنسيق المواقف» في هذا الاتجاه.
وللتذكير، فإن نتنياهو كان في أعقاب كل زيارة سابقة لموسكو، يؤكد أنه أبلغ الجانب الروسي بأن الضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية ستتواصل، وقال في بعض الأحيان إنه حصل على ضوء أخضر من جانب روسيا لمواصلة هذه التحركات، في المقابل لم تعلق موسكو أبداً على هذه التصريحات.
تقارب اقتصادي وسياحي
الجديد قد يكون في أن هذه الزيارة تأتي على خلفية تقارب واسع على المستويات الاقتصادية ومجالات الاستثمارات تم تحقيقه بين موسكو وتل أبيب خلال الفترة الأخيرة. فتقليدياً، كانت إسرائيل تعد شريكاً مهماً لموسكو في المنطقة بحجم تبادل تجاري يزيد على 10 مليارات دولار أميركي، وهو رقم مهم جداً بالمقارنة مع حجم التعاون الروسي في المجال التجاري مع منطقة الشرق الأوسط. وفي الفترة الأخيرة تم توقيع عدة اتفاقات وصفت في موسكو بأن لها أهمية كبرى، بينها اتفاقات لتوسيع النشاط السياحي بين الطرفين، وزيادة حجم السياحة الروسية إلى إسرائيل التي تصل حالياً إلى نحو 400 ألف سائح.
ووفقاً لتقارير وسائل إعلام متخصصة في المجال السياحي، فإن الفترة الأخيرة شهدت تسارعاً في وتائر سيطرة الشركات الإسرائيلية على قطاع السياحة بين الطرفين، وسط حديث عن توظيف رساميل كبيرة لدعم هذا التوجه. لكن الأهم من ذلك أن مؤسسات إعلامية حكومية تابعة للكرملين، مثل وكالة أنباء «نوفوستي»، أفردت مساحات واسعة في الآونة الأخيرة للترويج السياحي في إسرائيل، بما في ذلك في القدس، بصفتها عاصمة لإسرائيل. ولقد تزامن ذلك، مع تزايد الإشارات حول توسيع التعاون في المجالات الصناعية والتقنية. كذلك، تغطيات إعلامية موسعة جرت على خلفية معرض «ماكس» لصناعات الطيران قبل أيام، عن «القفزة التكنولوجية التي حققتها روسيا في مجال الطائرات المسيرة بفضل إسرائيل». كان نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، أعلن خلال أعمال المعرض عن إطلاق الإنتاج المتسلسل للطائرات المسيرة الضاربة «الصياد»، من عام 2025. وذكرت المصادر الروسية أن ظهور خطط صناعة الطائرات المسيّرة في روسيا بدأ في عام 2010، بعدما أبرمت صناعة الطيران الإسرائيلية عقداً مع وزارة الدفاع الروسية (قيمته 400 مليون دولار أميركي) «لنقل بعض أهم تقنيات الطائرات المسيرة إلى روسيا». وترددت معطيات في ذلك الوقت أفادت بأن الصفقة تمت مقابل إعلان موسكو نيتها التراجع عن بيع منظومة «إس - 300» لإيران وسوريا. ومع أن موسكو سلمت لاحقاً النظام الصاروخي الروسي إلى كل من إيران وسوريا، فإن الأوساط الروسية قالت إن هذا لا يعني التخلي عن الالتزام بعدم إلحاق الأذى بمقاتلات الجيش الإسرائيلي.
«زواج مصلحة سرّي»
أيضاً، ذهبت موسكو وتل أبيب عام 2015 إلى إبرام صفقة عسكرية أخرى، في مجال صناعة الطيران، تلاها إعلان تل أبيب التراجع عن بيع مجموعة من طائراتها العسكرية المسيرة المتقدمة إلى أوكرانيا. وهكذا تبدو درجة ارتباط العقود والصفقات الكبرى التي تجريها موسكو مع تل أبيب بالمتغيرات السياسية حول الطرفين، وبشكل يقوم على تفاهم أساسي غير معلن، بأن كل طرف لن يعمل على تهديد مصالح وأمن الطرف الآخر، بل على العكس من ذلك، سيعمل على تعزيز جهود الطرف الآخر في الملفات الأمنية الأساسية. ووفقاً لتحليل كاتب روسي «استفادت إسرائيل إلى أقصى حد من الحرب الأهلية في سوريا لتوطيد سيادتها على مرتفعات الجولان، التي يبدو أن سوريا خسرتها إلى الأبد. ومن ناحية أخرى، ساهمت روسيا، في ذلك، بتجاهلها حرب إسرائيل الجوية ضد إيران و(حزب الله)». ووفقاً للباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أولريك فرانك، الخبير في مجال الطائرات العسكرية المسيّرة، فإن روسيا وإسرائيل عقدتا «زواج مصلحة سرياً»، وأنهما تتصرفان بحزم وفقاً للقاعدة الأساسية التي تضع المصالح المشتركة فوق كل اعتبارات تحالفية أخرى.



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.