سنوات السينما

سنوات السينما
TT

سنوات السينما

سنوات السينما

Tre Fratelli
ثلاثة إخوة وخوف واحد
ـ إخراج: فرنشسكو روسّي
إيطاليا (1981)
ـ تقييم: ****
كان فيلم «جثث لذيذة» (1976) آخر حقبة من أفلام المخرج الإيطالي فرنشسكو روسّي تميّزت بإقدامه على طرح قضايا سياسية نابعة من أحداث وشخصيات واقعية. في خلفيته - وبأسلوبه شبه التقريري والتسجيلي - أفلام مثل «عدة حروب مضت» و«لاكي لوتشيانيو» و«قضية ماتاي». لكنه وبعد ثلاث سنوات مضت على «جثث لذيذة» (الذي تعامل مع قصة جرائم سياسية للغاية) أنجز فيلمه البارع «المسيح توقف عند إيبولي» الذي ابتعد فيه عن تلك المواضيع طرحاً وأسلوباً. «الإخوة الثلاثة» هو ثاني فيلم له من مرحلته الجديدة وقد استكتب له الكاتب الشهير تونينو غويرا وأسند بطولته إلى الإيطاليين فيتوريو ميزجيورنو وميشيل بلاسيدو والفرنسي فيليب نواريه في شخصيات الإخوة الثلاثة.
‫الفيلم هو قصة الحياة الحاضرة في مواجهة الماضي. كذلك قصة الزيف المتفشي في عصرنا الحالي والأصالة التي في ماضينا. عن الكرة والخوف وجرثومة الفساد السياسي والاجتماعي. عن الخوف من الموت تحللاً وانقراضا بطيئاً، وعن التطلع إلى الحب والأصالة والعيش في الأمل الوردي الكبير. إنه عن المدينة العارية والقرية الجميلة ـ وكل منهما تمثل حقبة من التاريخ وأحد جانبي هذه الحياة. وأخيراً، عن الشر الذي حط في حياة اليوم والخير المهمل والمهجور الكامن في ثنايا الأمس.‬
‫حكاية ثلاثة إخوة. قاض وأستاذ مدرسة للأحداث وعامل وكل يعود من المدينة التي كان قرر العيش والعمل فيها ليلتقوا في بلدتهم الصغيرة في الجنوب الإيطالي بعدما تسلم كل منهم برقية (وليس رسالة في هاتف جوّال آنذاك) تخبره بوفاة والدته.‬
لذا يترك القاضي وراءه محكمة قادمة لقضية سياسية عالقة، ويأخذ الأستاذ عطلة بعيدا عن تلاميذه المشاغبين، ويترك العامل مشكلة زوجية معلقة. يكتشف كل منهم (في أول لقاء بينهم منذ سنوات) أنهم يشتركون في الخوف. المحامي يخاف من الاغتيال، والأستاذ خائف من تهاوي المثاليات والتعفن، والعامل خائف من الوحدة والضياع. وهذا الثالث (العامل نيكولا) يصطحب ابنته الصغيرة التي تفاجأ بالريف وبالبيت الكبير الأبيض. بالدجاج وصياح الديكة وأسقف البيت العالية وجدرانه السميكة، ومطبخه الواسع، وبنجوم الليل الظاهرة. لم تعرف أياً من هذا. لم تره بعينيها من قبل. وهي وجدها العجوز يؤلفان طرف الخيط بين الماضي البعيد والأمل القادم. وإذ ينتهي الفيلم بقرارها بالبقاء في القرية يرفع روسّي هذا الأمل عالياً، ويصل به إلى نفس ذلك العلو الشاهق من الإعجاب الذي يبثه نحو الأب الكبير (شارل فانيل) نحو هذا الماضي الذي يشارف على الانقراض وتلك الأصالة الغائبة.
الفيلم أخّـاذ بمشاهده الإنسانية وتلوين المخرج لها بالعاطفة التي تنصب في مكانها الصحيح وبلا تكلف. هناك المشهد الذي يتحدث فيه الإخوة الثلاثة في غرفة نومهم متسائلين عما حل بهم ولماذا ابتعد كل منهم عن الآخر هكذا. يليه مباشرة ذلك المشهد الذي يقع في صباح اليوم التالي عندما‫ يستيقظ الأستاذ من حلم غريب شاهده: لقد رأى تلامذته يكنسون الأرض من المسدسات، والمخدرات، وإبر المورفين، ومن الدولارات والشعارات، وهو يقف مأخوذاً ووراءه سماء جميلة الألوان. عالم نظيف كالذي يتوق إليه ويصرف حياته من أجله.‬ لكن إذ يتقدم إلى النافذة المطلة على ساحة البيت يرى شقيقيه يبكيان. يشاركهما البكاء في مكانه. بكاء على الأم وبكاء على حياة تتسرب كالماء بين الأصابع.
لقطة من «ثلاثة إخوة»


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.