من لم يسمع باسم المغني الأميركي الأسود الرائع ليونيل ريتشي منذ سبعينات القرن الماضي سيفاجأ بأن غناءه وشعبيته لم يتوقفا حتى الآن رغم بلوغه 65 سنة من العمر. ما السر في ذلك؟ تألقه وحيويته وجاذبيته في أداء الأغاني المفعمة بالعواطف والإيقاع الراقص واتساق الألحان العذبة، فشخصيته المرحة وتفاعله مع الجمهور لم يتبدلا مع السنين.
هذا ما شهدناه في الحفلة الضخمة في شيكاغو التي أقامتها بلدية المدينة بمناسبة رحلة طيران الإمارات الافتتاحية من دبي إلى شيكاغو دون توقف. أقيم الحفل في القاعة الكبرى لرصيف البحرية المطل على بحيرة ميتشيغن التي يزورها 9 ملايين سائح سنويا وحضره أكثر من 500 شخص من أبرز كبار المدينة بما فيهم نائب المحافظ (العمدة) ورجال الأعمال وأنصار الفن والوفد الزائر برئاسة عادل الرضا النائب التنفيذي لشركة طيران الإمارات.
أتحفنا ريتشي بمجموعة متلاحقة من أجمل أغنياته التي كتب كلماتها الرقيقة بنفسه وغناها طوال حياته وأبرزها أغنية هالو (مرحبا) المعروفة التي قادته إلى الشهرة وأغنية ترولي (حقيقة) وسي يو سي مي (قل أنت قل أنا) وإيندلس لوف (الحب الأبدي) وآخر أغانيه التي نزلت إلى الأسواق منذ عامين وهي تسكيغي (اسم البلدة التي ولد فيها في ولاية ألاباما).
ولد ريتشي عام 1949 وانضم في بدء حياته الفنية إلى مجموعة كومودورز التي عدت نفسها بمثابة البيتلز السود فحازت نجاحا مذهلا ثم انفصل عن المجموعة وبدأ الغناء لوحده فزاد نجاحه وصيته وبيعت من اسطوانته «الرقص على السقف» أكثر من 4 ملايين نسخة، ثم توقف عن الغناء لمدة عشر سنوات بعد وفاة والده وطلاقه وعاد عام 1996 بألبوم جديد «أعلى من الكلمات» رفعه إلى الشهرة مجددا واحتلال المراكز الأولى للأغاني المحبوبة، كما طار صيته في العالم خاصة في أوروبا وبالتحديد في بريطانيا وألمانيا وهولندا وكذلك أستراليا والبلاد العربية وعلى رأسها المغرب والإمارات العربية المتحدة والعراق. عرفه مهرجان موازين في الرباط عام 2011 وأعجب بطريقته في اقتباس «إيقاع العالم» وتصريحه بأنه يعشق السفر إلى كافة أرجاء العالم «لأنني أحب العيش في العالم بأكمله»، أما في العراق فكانوا يسمعون أغنيته «طوال الليل» من سيارات الجيش الأميركي التي كانت تطوف بغداد عام 2003. حفلاته المقبلة هذا العام ستقتصر على ولاية أوكلاهوما وتكساس لكن مبيعات اسطواناته فاقت 100 مليون اسطوانة حتى الآن.
قبل بدء الحفلة في شيكاغو طلبت مقدمة البرنامج عدم التصوير أو التسجيل أثناء الغناء لكن بعدما انطلق ريتشي وأثبت موهبته الحية الفذة وحبه للجمهور والتحاور معه بطريقة خفيفة الظل قفز البعض بما فيهم كبار السن إلى خشبة المسرح وصاروا يلتقطون له الصور والفيديو على الهاتف الجوال وهو يصدح بالكلمات العاطفية ترافقها الألحان الرومانسية من المجموعة الموسيقية التي رافقته بإبداعها وملابس أفرادها الشبابية. فجأة توقف ريتشي وصاح في وجه عجوز يصوره وزوجته تحوم حوله لتظهر في الصورة: ماذا تفعل؟ أتصورني وتسجل غنائي على هاتفك؟ فذعر العجوز وحاول الابتعاد لكن ريتشي طلب منه الاقتراب ونصحه بالتقاط الصورة معه ومع زوجته كي تكون الصورة واضحة وتذكارا ناجحا! يحرص ليونيل ريتشي على أرضاء الشباب وكبار السن في آن واحد فهو خبير في البقاء في الساحة لعقود طويلة وما زال يحتفظ بصوته الجميل رغم تبدله قليلا بالمقارنة مع أيام شبابه لأنه ظاهرة فنية مميزة وموسيقاه تدخل إلى القلوب بسهولة، وينصحك في كلماتها بأن تستسلم لها وتتيح لها أن تقودك فهي أقوى تأثيرا من السيف لأنها تعكس حبه لإسعاد الناس. وهناك قصص مسلية كثيرة عن تصرفاته العفوية الذكية، فحين كتب أغنيته «طوال الليل» عام 1983 حاول إدخال كلمات أفريقية عليها فاتصل بمقر الأمم المتحدة في نيويورك طالبا بضع كلمات من أفريقيا فردوا عليه أن هناك المئات من اللهجات الأفريقية ونظرا لضيق وقته ابتكر الكلمات بنفسه متصورا أنها تشبه اللغة السواحيلية في شرق أفريقيا المطعمة بالعربية، لذا نسمعه ينشد «جمبالي.. تومبولي» لكنها غير مفهومة ولا تعني شيئا إنما تبدو وكأنها كلمات غريبة من مكان ما في العالم وهذا في نظره «مزحة جيدة». وكذلك نسمعه يستعمل أحيانا كلمة «كارامو» وهي فعلا من اللغة السواحيلية وكذلك كلمة «ليمينغ» (وتعني: سوية باللهجات المحلية في منطقة البحر الكاريبي بأميركا الوسطى) وبعدها كلمة «فييستا» (وتعني: الحفلة بالإسبانية) وهدفه أن الناس حين يسافرون في إجازة يذهبون سوية إلى منطقة الكاريبي التي تتحدث أيضا بالإسبانية ويستمتعون بالرقص والاحتفال. لهذا السبب أدخل الإيقاع الكاريبي على اللحن لينسجم مع كلمات الأغنية وجو الإجازة المفرح وأنت تصغي إليه يقول: الناس يرقصون في الشوارع.. دع الموسيقى تتسلل إلى قلبك وتسيطر عليك.. لا بد أن تشارك في الحفل فالكل يرقصون والهموم تختفي.. لنطلق العنان لعواطفنا ونحتفل طوال الليل..
وما عليك سوى الاستماع إلى أغنيته الشهيرة «طوال الليل» (أول نايت لونغ) لتتأكد من طريقته البارعة مع كارلوس ريوس وانريكه اغليسيا في سبك الأغاني وإذابة الحواجز بين الثقافات.
غنى ريتشي في حفلة شيكاغو عددا من أغانيه الأخيرة وبعضها تضمنها ألبومه الجديد الذي أداه بتوزيع جديد وبمرافقة عدد من المغنين الشباب والقدامى من مدرسة أغاني الريف الأميركي (كنتري ميوزيك) وعاد فيها إلى أصوله في جنوب الولايات المتحدة ومنهم جيسون الدين المولود عام 1977 وراسكال فلاتس وكيني تشينزي اللذان يغنيان على طريقة ليونيل ريتشي والكندية شانيا توين ومجموعة ليتل بيغ تاون التي تشكلت عام 1998 على منهج المجموعة القديمة ماماس أند باباس والمغني المخضرم المشهور ويلي نيلسون الذي يكبر ريتشي بـ16 عاما.
ما زال ريتشي يحتفظ بمكانته كأبرع الفنانين في القصيدة القصصية الصالحة للغناء والأغاني الراقصة العاطفية. يعتمد أسلوبه على مدرسة البلوز والإيقاع أو ما يسمونه اختصارا أر أند بي (ريذم وبلوز) وهي الموسيقى الأميركية - الأفريقية التي نشأت في أربعينات القرن المنصرم ومزجت الجاز الراقي مع الروك والإيقاع القوي المتواصل. أشهر أعلام هذا النوع من الموسيقى الحديثة هم: مايكل جاكسون وستيفي وندر وويتني هيوستون وماريا كاري وبالطبع ليونيل ريتشي. تضمنت الأوركسترا الممتازة التي رافقته البيانو والغيتار والساكسوفون والكمان الكبير ذو الصوت الجهير والعميق (باص) بالإضافة إلى الطبول وكان عزفها المميز من أسباب نجاح الحفلة. جمع ريتشي في سهرته الطويلة الشيقة بين موسيقى البوب والهيب هوب والموسيقى الريفية والروحية والشعبية.
ليونيل ريتشي يسحر الجمهور في حفله الأخير بشيكاغو
رغم بلوغه 65 عاما ما زال يتمتع بشعبية غامرة
ليونيل ريتشي
ليونيل ريتشي يسحر الجمهور في حفله الأخير بشيكاغو
ليونيل ريتشي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

