الحرير يغزو عالم أناقة الرجال

التكنولوجيا والتصاميم الشبابية تسهل عودته

بدلات من حريرية من «دانهيل»
بدلات من حريرية من «دانهيل»
TT

الحرير يغزو عالم أناقة الرجال

بدلات من حريرية من «دانهيل»
بدلات من حريرية من «دانهيل»

عندما تُذكر أزياء الرجل، أو بالأحرى الأقمشة المستعملة في هذه الأزياء، فإن الحرير كان آخر ما يتبادر إلى الذهن. كان يرتبط غالباً برابطات العنق ومناديل الجيب وبعض القمصان. السبب أن الرجل الكلاسيكي لم يكن يثق بلمعته وما توحيه من استعراض من ناحية، ونعومة من ناحية أخرى. لهذا كان يُفضل الصوف في بدلاته الشتوية، أو الكتان والقطن صيفاً، بل حتى الصوف الخفيف مع الاستغناء عن التبطين. في أشجع حالاته، كان يتقبله بجُرعات خفيفة جداً لتزيين ياقة توكسيدو أو حواشي بنطلون سهرة.
فقد كان الحرير في الثمانينات من القرن الماضي وبداية التسعينات بمثابة عدو، عليهم تجنبه. بل اعتبروا الأوشحة الحريرية منافية للذوق.
وهكذا بقيت هذه الخامة حتى عقد قريب، حكراً على المرأة، إلى أن خلص بعض المصممين والشركات الإيطالية تحديداً، إلى تخليصها من أي تابوهات وصور قديمة، لتأتي النتيجة أنيقة وديناميكية لا تتعارض مع الرجولة بأي شكل من الأشكال. التزمت تصاميمه بكلاسيكية في الخطوط مع تنعيم خفيف للأكتاف وتحديد الخصر من دون شده. كان ضرورياً أن يحسبوا كل صغيرة وكبيرة بالسنتيمتر حتى لا ينفر الرجل الشاب منها، بحكم أنه كان هدفهم الأول. لكن لم يقتصروا على التصاميم الشبابية لتمريره، بل أخضعوه لعمليات تطوير كبيرة من أجل تخليصه من لمعانه. فقد كانت لمعته هي مأخذ الرجل الكلاسيكي والجريء على الحرير إلى الآن. في إيطاليا بدأت هذه الحركة مع دار «زيغنا»، ولحد الآن لا يزال الحرير يلتصق بها أكثر من غيرها، رغم أنهم كُثر. والسبب أنها في عام 2009 اشترت ورشة «تيسيتورا دي نوفارا» التي كانت توفر أجود أنواعه لبيوت الأزياء العالمية والشركات الإيطالية، إلا أنها وبعد عقود من الزمن تعرضت للإفلاس، مما حدا بـ«زيغنا» إلى أن تتدخل لإنقاذها. استثمرت في آلات وتكنولوجيا متطورة وأطلقت عدة مبادرات لإنعاش الورشة من جهة، وتطوير الحرير من جهة أخرى. أدركت الدار الإيطالية أن قوته في عالم الموضة تعتمد على مدى تطويره وتطويعه ليتماشى مع العصر. في عام 2013 تمخضت هذه المبادرة عما أصبح يُعرف بـ«حرير زيغنا»، وهي تشكيلة شبابية تضم الكثير من القطع المنفصلة تحمل روحاً «سبور»، كما تضم بدلات مفصلة بحرير مطفيّ يبدو كأنه صوف لكنه أخفّ وزناً وأكثر انتعاشاً. بين ليلة وضحاها، أصبح الحرير عنوان الأناقة في الصيف، لا سيما أنه أصبح يأتي بعدة ألوان فاتحة. شركة «كيتون» بنابولي بدأت تستعمله بدورها بشكل كبير، لكن ليس قبل أن تتخلص من لمعانه. فهي تغزله بخيوط مزدوجة للحصول على مظهر مطفيّ يروق للكل.
بالنسبة إلى المصممين الشباب، كان خامة مهمة للتخفيف من وزن البدلة، وإضفاء الرشاقة على صاحبها. وهكذا تبارت بيوت أزياء إيطالية كثيرة مثل «كورنيلياني» و«زيغنا» مع هؤلاء المصممين على إدخاله في تشكيلاتهم في المواسم الأخيرة. لسان حالهم جميعاً يقول بأن كل رجل يحتاج إلى بدلة من الحرير هذا الصيف، إن لم يكن للاستعمال اليومي، فعلى الأقل لحضور حفل كبير أو عرس. فمن أهم ميزات هذا القماش أنه منعش في الصيف.
في تشكيلة «كورنيلياني» للموسم الحالي، كان الحرير البطل بلا منازع. لم يُستخدم بنسخته الكلاسيكية اللامعة فحسب، بل أيضاً بنسخة مطفية في حال لم يُرد الرجل أن يُعلن حبه للحرير بشكل واضح. تم مزجه بأنواع من الصوف مغزولة بشكل خفيف أضفت على البدلات والسترات المتنوعة، خفّة وزن والكثير من الراحة. ويشير معظم الخياطين إلى أن مزجه بخامات أخرى، مثل الكتان والصوف والقطن، يمنحه قواماً يجعله أكثر رحمة بالجسم، كما يُسهل تعاملهم مع خيوطه. طرحت دار «زيغنا» أيضاً بدلات من الحرير من دون أي محاولة لتمويه لمعانه. فالدار متسلحة بخبرتها الطويلة وثقة الرجل الكلاسيكي بها. كان استعمالها له بهذه الشجاعة للتذكير بأنه لا يتعارض مع الرجولة بدليل أنه كان في يوم من الأيام الخامة المفضلة للرجل، وأن تغير الظروف هي التي أقصته. هذه الظروف كانت الثورة الصناعية، حيث اكتشف الإنجليز الصوف وبدأوا يُدخلونه في بدلاتهم الكلاسيكية الأنيقة، وهو ما كان على حساب الحرير. تراجع استعماله واقتصر على نسبة قليلة منه، يتم خلطها بخامات أخرى للتخفيف من لمعته التي كان الرجل قد بدأ يعزف عنها في غمرة حماسه لقوام الصوف.
اكتفى به في إكسسوارات، مثل القمصان ومناديل الجيب ورابطات العنق، بينما استعمله خياطو «سافيل رو» وغيرهم كتبطين للسترات والمعاطف. مع دخول الرجل الشاب لعبة الموضة ورغبته في أزياء تعكس ذوقه ومركزه، تسلل من جديد ويبدو أنه سيبقى لزمن، بعد أن كشف أن له وجوهاً متعددة، منها عمليته عندما يُستعمل في قطع منفصلة، مثل السترة الصيفية.
فمع تخفف الموضة من الكثير من القيود والتابوهات، ظهرت هذه السترة التي يمكن ارتداؤها، بلمعة أو من دون لمعة، مع بنطلون من قماش آخر. فهي تمنح الرجل مظهراً أنيقاً وفي الوقت ذاته تُجنبه رسمية البدلة المفصلة. خفّتها وانطلاقها لا يقتصر على خامتها بل في المقام الأول على تصميمها الناعم عند الأكتاف والمنسدل على الجسم. هذه السترة الصيفية الأنيقة ظهرت في الثلاثينات على يد خياط نابولي الشهير فنشانزو أتوليني، الذي قرر آنذاك أن يصمم بدلة تكون مضاداً لما كان خياطو «سافيل رو» بلندن يطرحونه. وهكذا وُلدت هذه السترة من دون تبطين، تنسدل على الأكتاف بنعومة، لأن الحرير كان الخامة المفضلة فيها. وسرعان ما التقط الخيط باقي الإيطاليون وبيوت أزياء عريقة مثل «بوغليولي» و«كانالي» و«زينغا» وغيرها. انتبهوا إلى أنهم لن يصمدوا طويلاً في عالم الموضة، في حال اقتصر اهتمامهم على البدلة. فالرجل المعاصر يريد قطعاً منفصلة يستعملها حسب هواه وما تفرضه عليه ظروفه. كما أنه لا يتميز بالوفاء مثل أسلافه عندما يتعلق الأمر بالموضة.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.