أسبوع صاخب للموسيقى العسكرية في موسكو

«الساحة الحمراء» تودع مهرجان «سباسكايا باشنيا»... ومشاركة مصرية بـ{مارش النصر}

فرقة تعزف ألحاناً باستخدام أدوات صاخبة مثل الطبل والبوق
فرقة تعزف ألحاناً باستخدام أدوات صاخبة مثل الطبل والبوق
TT

أسبوع صاخب للموسيقى العسكرية في موسكو

فرقة تعزف ألحاناً باستخدام أدوات صاخبة مثل الطبل والبوق
فرقة تعزف ألحاناً باستخدام أدوات صاخبة مثل الطبل والبوق

ودعت «الساحة الحمراء»، عند جدران الكرملين في موسكو، أسبوعاً صاخباً بالموسيقى «الحماسية» والكلاسيكية، فضلاً عن أغانٍ شعبية قدمتها فرق فنية وفرق أوركسترا عسكرية، ضمن مهرجان «سباسكايا باشنيا» السنوي للموسيقى العسكرية في موسكو. وشاركت في العروض هذا العام فرق من 11 دولة هي بيلاروسيا، وإيطاليا، ومصر، وكازاخستان، وأذربيجان، والصين، وكوريا الشمالية، وكوريا الجنوبية، وتركيا، واليابان، تنافست فيما بينها على لقب أفضل عرض. والفرق الموسيقية العسكرية تقليد قديم جداً متعارف عليه في الجيوش، وتكون مهمة تلك الفرق عزف ألحان محددة غالباً باستخدام أدوات صاخبة مثل الطبل والبوق لرفع الهمم قبل وأثناء المعركة.
صوت الموسيقى المنبعثة من الساحة الحمراء منذ 23 أغسطس (آب) الماضي، وحتى أمس، كان بحماسة «المعركة»، إلا أن الهدف كان بث السرور في الروح، لذلك تعمدت كل واحدة من الفرق المشاركة اختيار زي عسكري يناسب العرض؛ على سبيل المثال شاركت فرقة أوركسترا الجيش البيلاروسي بالزي العسكري الذي كان معتمداً للأوركسترا الحربية في القرن السابع عشر، أما الأوركسترا المصرية فظهرت أمام الحضور في أحد عروضها بزي «جيوش الفرعون»، وقدمت عرضاً وصفته صحفٌ روسيةٌ بأنه من العروض التي يصعب تخيلها لجمال الفكرة والأداء في آن واحد، إذ اختارت الفرقة «مارش النصر» من «أوبرا عايدة» لتقديم فقرتها الرئيسية، التي أثارت إعجاب الجميع «لدرجة الذهول»، على حد وصف ضيوف شاهدوا ذلك العرض.
ولم تكن العروض مجرد عبور لأوركسترا الموسيقى العسكرية أمام الحضور وهي تعزف مقطوعة ما، أو «مارشاً عسكرياً»، بل كانت عبارة عن لوحة فنية متكاملة، جمعت الذوق العسكري الرفيع في اختيار أزياء الفرقة بما يتناسب مع مهمة تلك الأزياء في إظهار الهيبة والاحترام والجمال في آن واحد، مع التعريف بالهوية الوطنية للفرقة، ومن ثم مزج هذا في لوحة واحدة مع الأداء الموسيقي يرافقه أداء فني، حيث تقوم الفرق بتغيير تشكيلاتها، وهي تتنقل على أرض الساحة الحمراء، وكانت بعضها تقوم بتغيير التشكيل برقصات تتناسب مع الموسيقى.
وافتتحت الفرقة الموسيقية الرئاسية، من فرقة حرس الشرف في الكرملين، المهرجان، بعرض مهيب، ترافق مع موسيقى من أداء الأوركسترا الرئاسية، بينما خرج «حراس الكرملين» بأزياء يختلط فيها الأخضر مع السماوي، يحمل كل منهم علم واحدة من الدول المشاركة. وفي الفقرة التالية تحولت الموسيقى من العسكري الجاد إلى العسكري الأكثر ليونة، نحو موسيقى يمكن الرقص على أنغامها، وخرج راقصو وراقصات الباليه وقدموا عرضاً فنياً جميلاً تنقلوا خلاله بين الفرق العسكرية المشاركة بأسلوب فني رائع.
ولم تكن العروض في الأيام التالية للمهرجان أقل جمالاً، لا سيما مع مشاركة الألعاب النارية التي كانت ألوانها تضيء سماء العرض، بتناسق مع الموسيقى والرقص في الساحة الحمراء. وتخللت المهرجان عروض غنائية تتناسب مع روحه وفكرته، وأدت المغنية الفرنسية الشهيرة ماري ماثيو، التي أصبحت «ضيف شرف تقليدياً» على المهرجان، مجموعة أغانٍ، بينها أغنية «Non، je ne regrette rien» للأسطورة الفرنسية إيديث بياف، وفي حفل الختام أبدعت ماثيو في أداء أغنية سوفياتية ألفها يفغيني يفتوشينكو في الستينيات، ولحنها الموسيقي أرنو باباجايان، وتُرجمت لاحقاً إلى الفرنسية، وهي أغنية «Je suis là»، أي «أنا هنا»، واسمها الأصلي (السوفياتي) «لا تستعجل». ضمن هذه الأجواء على وقع موسيقى صاخبة، بمشاركة مختلف الأدوات الموسيقية، ووسط أجواء راقصة وأغانٍ عالمية، وعلى أضواء الألعاب النارية، ودعت موسكو الدورة الثانية عشرة لمهرجان «سباسكايا باشنايا»، لكنها كانت تستعد لفعاليات أخرى يجري تنظيمها عادة نهاية الصيف مطلع الخريف.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».