«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (4): رحلة دريفوس صوب البراءة وبراد بت صوب المجهول

وحيداً في الفضاء: براد بت في «آد أسترا» (أ.ب)
وحيداً في الفضاء: براد بت في «آد أسترا» (أ.ب)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (4): رحلة دريفوس صوب البراءة وبراد بت صوب المجهول

وحيداً في الفضاء: براد بت في «آد أسترا» (أ.ب)
وحيداً في الفضاء: براد بت في «آد أسترا» (أ.ب)

كان لا بد، يوم أمس، (السبت)‬ الحديث عن المخرج رومان بولانسكي بمناسبة الضجة التي وقعت بسبب تصريحات رئيسة لجنة التحكيم، المخرجة الإيطالية، لوكرزيا مارتل، التي هاجمت فيها بولانسكي وأكدت أنها لا تفرق بين «الفنان وفيلمه» ولن تحضر حفل الافتتاح، وهي التصريحات التي، كما تقدم، أثارت منتجي الفيلم فهددوا بسحب الفيلم.
لكن سحب الفيلم لم يتم. لو تم لكان فعلاً شبيهاً بمن يدين نفسه بنفسه وينتحي إلى الحل الذي قد يصب في غير مصلحة الفيلم التجارية بعد ذلك.
لذلك، وفي الوقت المحدد من مساء يوم أمس، تم عرضه ليشهد، في نهايته التصفيق الذي يرضيه والذي يشابه ذلك التصفيق الذي حصده رومان بولانسكي أكثر من مرّة في حياته المهنية.

قضية تزوير
«ضابط وجاسوس» هو العنوان الذي سيحمله الفيلم في عروضه حول العالم، لكن العنوان الذي سيحمله إلى جمهوره الفرنسي هو «أنا أتهم»، وهو عنوان فيلم كلاسيكي للمخرج آبل غانس حققه سنة 1919 ولا علاقة له بموضوع هذا الفيلم الذي يدور حول الضابط الذي اتهم بالجاسوسية في أواخر سنوات القرن التاسع عشر ألفريد دريفوس.
«أنا أتهم» هو عنوان المقال الجريء الذي كتبه إميل زولا في صحيفة «الفجر» (L‪’‬Aurore) حول قضية دريفوس والذي يبرزه بولانسكي بقوّة مدروسة مازجاً عنوان الفيلم بعنوان المقالة التي اتهمت العسكر واليمين المحافظ ورجال الدين بإلصاق التهم لمواطن فرنسي تبعاً لبراهين واهية وملفقة. لجانب هذه التهم التي وضعها زولا في نقاط وفقرات اتهام مماثل لتلك القوى بالعنصرية كون دريفوس يهودي الديانة.
بعيداً عن التاريخ كما وصلنا، هذا الفيلم هو استعراض معلوماتي يشبه صفحات الموسوعة البريطانية «إنسايكلوبيديا بريتانيكا»، في خلال هذا الاستعراض موقف واضح لإدانة المؤسسة العسكرية الفرنسية في عام 1894 (سنة واحدة قبل قيام الأخوين لوميير بعرض نتاجاتهما السينمائية الأولى) التي لم تصدر حكماً ببراءة دريفوس مما نُسب إليه إلا سنة 1995 أي بعد ستين سنة على وفاته.
يتوقف الفيلم عند تقديم دريفوس، بعدما قضت محكمة عليا (غير عسكرية) بتبرئته من التهم سنة 1905 وإعادته لمنصبه السابق كضابط في الجيش الفرنسي، بطلب ترقية كتعويض له عن السنوات التي قضاها مسجوناً في «جزيرة الشيطان» (السجن الفرنسي الشهير في وسط المحيط) ولاحقاً في أحد السجون الفرنسية. هذا كله بعد استعراض معلوماتي وفير لا حول دريفوس بذاته، بل حول الكولونيل جورج بيكارد (جان دوجوردان)، الضابط الوحيد الذي آمن ببراءة دريفوس وسعى لسنوات لإثبات أن الجاسوس الحقيقي هو ضابط آخر (فرديناند وولسن - استرازي) الذي كشف للألمان خططاً وسرب وثائق وهو الذي زوّر الرسالة التي أدّت لاتهام دريفوس.
يبدأ الفيلم من مشهد تجريد دريفوس من زيه العسكري وكسر سيفه ثم نقله بالسيارة مقيداً بعدما صاح بصوت جلي بأنه بريء من التهمة التي ألصقت به. بعد ذلك يسرد بولانسكي الأحداث التاريخية حسب ورودها (وكان كتب في المقدمة أن الشخصيات والأحداث التي نراها حقيقية). هذه الأحداث تتضمن اكتشاف بيكارد للثغرات الكثيرة التي تزيد من شكوكه أن اتهام دريفوس كان مؤامرة ضد الضابط اليهودي الوحيد في الخدمة. يحاول بيكارد الحصول على أدلة على تلك الشكوك وينجح. تحديه لمعارضة رؤسائه ومسؤوليه تتسبب في تقديمه هو للمحاكمة وسجنه.

رجل تحت الضغط
يحيط بولانسكي كل ذلك (وأنا لست في وارد كتابة الأحداث بالتفصيل مما يفسد الفيلم أمام مشاهديه العرب المحتملين) بفن لا يثير الكثير من اهتمام المشاهدين والنقاد هذه الأيام وهو فن التصاميم الفنية (جان راباس) والديكوراتية (فيليب كوردوم) كما تصاميم الملابس (باسكالين شافان). الفيلم من الدقة في استخدام ما هو قديم عائد إلى تلك الفترة الزمنية بحيث تحتل هذه العناصر (بالإضافة إلى حسن التصوير من بافل إيدلمان) المكانة التي تستحق في هذا العمل.
ما لا ينجح كثيراً هنا هو البحث عن رومان بولانسكي في «عازف البيانو» أو «ماكبث» أو «الكاتب الشبح» (الأخير كتبه روبرت هاريس، الذي يشارك بولانسكي كتابة سيناريو هذا الفيلم). تلك المساحات النفسية والعاطفية حيال المادة أو القصة المعروضة. صحيح أن موقف بولانسكي من قضية دريفوس واضح في الفيلم إلا أن هذا هو معظم ما نخرج به من علاقة بولانسكي بالموضوع.

في فضاء رهيب
فيلم آخر كان له وقع جيد في العموم، لكنه ليس من مستوى التأثير الذي أنجزه «ضابط وجاسوس» هو AD Astra للأميركي جيمس غراي.
هو فيلم خيال علمي رصين (أحياناً أكثر من اللازم) حول ملاح فضائي في مهمّة صعبة. روي ماكبرايد (براد بت) ينطلق من الأرض للبحث عن والده في الفضاء. رحلة صعبة يمكن مقارنتها، ولو على السطح، برحلة الكابتن ويلارد (مارتن شين) النهرية في فيلم فرنسيس فورد كوبولا «القيامة الآن» لا من حيث المهمّة التي تنتظر كلاً من الملاح في «آد أسترا» والكابتن في «القيامة الآن»، بل من حيث وحدتها وسط قناة السفر ذاتها: الفضاء اللانهائي المخيف في مقابل النهر الداكن البعيد الذي لا يعرف الكابتن إلى أين يؤدي ولا إلى أين يؤدى به.
يكاد يخلو الفيلم الجديد من الأحداث المتوقعة. ينأى المخرج غراي بنفسه عن أفلام الخيال العلمي السائدة اليوم (غرار «ستار وورز» أو «ستار ترك») ويؤم الفضاء الذي أحاط ببعض أهم أفلام الخيال العلمي السابقة (يذكّر قليلاً بـ«أوديسا الفضاء» وكثيراً بـ«سولاريس»). هو يبحث عن أبيه الذي قيل إنه لم يعد له وجود منذ أن اختفى في الفضاء، ولو أن قناعات روي هي التي تقوده. هي ذاتها التي تلج به في مغامرات مفصولة عن بعضها بعضاً بتقديس المخرج للصمت في الفضاء وتحديق الكاميرا بعيني براد بت وهما يتصفحان المحيط الواسع لفضاء رهيب.
للأسف القصة ذاتها أكبر من الفيلم والطموح أعلى مما يستطيع المخرج غراي، الذي غمس سابقاً من سينما المشاكل الاجتماعية، تحقيقه كما يرغب. ما يحرك الفيلم هو فكرته وأجوائه. الحديث عن رغبة الإنسان في البحث عن حياة أفضل بعيداً عن هذا العالم وهو بحث بدأه والد روي (تومي لي جونز) ويتبدّى لاحقاً أن ما اكتشفه يختلف كثيراً عما طمح لاكتشافه. في كل هذا، يأتي أداء براد بت واثقاً من قدرته على تحمل أعباء فيلم يدور حول الشخصية وليس حول الممثل. حول فكرة البحث عن المجهول وتوقعات هذا البحث أكثر من مجرد فيلم مغامرات وقصة مبسطة للترفيه.
بالنسبة لبراد بت فإن أداءه شبه الصامت ذاك يفرض عليه الاستعانة بعينيه للتدليل على المشاعر والملاحظات التي تتولد في ذاته. هذا الدور لجانب دوره في «ذات مرّة في الغرب» خليقان بوضعه أمام ترشيحات موسم الجوائز المقبلة.

قصة طلاق
عندما تقرر نيكول (سكارلت جوهانسن) العودة من نيويورك إلى المدينة التي تحب (لوس أنجليس) يعارضها زوجها تشارلي (أدام درايفر) الذي يفضل نيويورك على أي مكان آخر في العالم. لكنها لا تستطيع أن تحرم نفسها من فرصة العمل المتاحة لها في مسلسل تلفزيوني جديد.
هذا هو محور فيلم «قصة زواج» لنوا بومباك وبطولة ممثليَن هما في الحياة الفعلية لا ينتميان إلى مستوى واحد من النجاح. جوهانسن نجمة بالغة الشهرة تعمل على نحو دؤوب ولا تستطيع أن تترك لوس أنجليس التي هي بمثابة قلعتها الفنية بينما أدام درايفر، ورغم وثباته الفنية الأخيرة التي ضمت «بلاكككلانسمان» و«الموتى لا يموتون» ودور مساند في سلسلة «ستار وورز»، ينتمي إلى جيل لاحق ما زال في طور التأسيس. هي حملت أفلاماً كممثلة أولى وحيدة من دون أن يتأثر نجاحها، وهو ما زال عليه المشاركة في البطولة لكي ينال المزيد من قبول الجمهور.
«قصة زواج» هو دراما عاطفية حول الطلاق تذكر بفيلم روبرت بنتون «كرامر ضد كرامر» مع ميريل ستريب ودستين هوفمن (1979). وهو الفيلم الذي جمع الإعجاب الأعلى بين النقاد الغربيين من بين كل ما عرض على شاشة المهرجان من أفلام.
يبدأ بمشاهد من الألفة والرومانسية والتفاصيل الصغيرة في حياة الزوجين وطفلهما. إنها مشاهد تؤدي دوراً مزدوجاً إذ تذكر بماضي علاقة الزوجين من ناحية وتبني بنك معلومات في بال المشاهدين قبل الانتقال إلى ما ورد أعلاه من بداية شرخ العلاقة.
مثل «كرامر ضد كرامر»، الطلاق مسألة قانونية مليئة بالعقد التي على كل واحد منهما حلها عبر محاميه. اختارت نيكول المحامية نورا (لورا ديرن) لتدافع عن مصالحها، بينما توجه تشارلي لمحاميين على التوالي، إذ اختار آلان ألدا في البداية ثم انتقل إلى راي ليوتا الذي ينقذ الفيلم من سبات ممثله الأول درايفر في كل مشهد يجمعهما.
لكن في حين أن فيلم روبرت بنتون ركّـز على الطلاق وتبعاته العاطفية يوسع «قصة زواج» مداره ليشمل دور المحامين في إزكاء المصاعب للاستفادة قدر الإمكان من تطويل فترة المعاناة ولاصطياد الأخطاء التي يقوم الزوجان بها لعلها تضيف ركاماً إلى ركام.
نواه بومباك يجيد السرد وتوظيف الأماكن وتقديم الشخصيات. لكن المشكلة التي قد يواجهها البعض هي إذا ما كان الموضوع مهماً له أم لا. أولئك الذين لم يتزوّجوا بعد قد يجدونه تحذيراً. أولئك الذين تورطوا قد يقومون بفعل المقارنة بين ما يرونه على الشاشة وبين تجاربهم الخاصة فيشعروا أكثر بأن الفيلم يتعاطى ومسائل حميمية وإنسانية بعضها لم يكن وارداً في بال أحد.



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.