إطلالة فنية بروح جماعية في ملتقى «لم الشمل» بالقاهرة

يضم 60 تشكيلياً ويهدف للتلاقي والتفاعل بين المشاركين

لوحة للفنان صلاح شعبان
لوحة للفنان صلاح شعبان
TT

إطلالة فنية بروح جماعية في ملتقى «لم الشمل» بالقاهرة

لوحة للفنان صلاح شعبان
لوحة للفنان صلاح شعبان

تحت عنوان «ملتقى لم الشمل»؛ تجمع قاعات غاليري لمسات بوسط العاصمة المصرية القاهرة، في الوقت الحالي، أعمال 60 تشكيلياً مصرياً وعربياً، الذين يختتمون الموسم الفني 2018 - 2019. بتقديم أفضل ما لديهم من أعمال فنية تمثل حصاد هذا الموسم المنقضي.
يجمع الملتقى بين كافة أنواع الفنون التشكيلية، والمدارس الفنية، إلى جانب مختلف الفئات العمرية للفنانين، حيث يشارك كبار التشكيليين إلى جانب عدد من المواهب الفنية الناشئة دون العشرين عاماً، بالإضافة إلى مشاركة الأكاديميين والمحترفين والهواة، وهو ما يندرج تحت عنوان «لم الشمل».
عن الملتقى تقول مديرة الغاليري، الدكتورة نيرمين شمس، لـ«الشرق الأوسط»: «الهدف من الملتقى هو جمع عدد كبير من الأعمال الفنية ذات المستوى العالي التي أنجزت خلال عام، بمعنى أن يشارك كل فنان بأفضل عمل فني له ولم يعرض من قبل، ولزيادة التنوع الفني لم يتقيد الملتقى بتيمة معينة، بما يجعل زائر المعرض أمام إطلالة على الفنون المختلفة».
وتضيف: «لوحات الملتقى هي لنخبة من أهم وأكبر الفنانين التشكيليين، ولعدد آخر كبير من الشباب صغير السن وجيل الوسط، والذين تم اختيارهم جميعاً على أساس المستوى الفني الجيد، مما يجعل الملتقى فرصة مناسبة للربط والتلاقي الفني بين الفنانين في أجواء فنية، وهو ما يعمل على توطيد تبادل الخبرات الإبداعية، لذا كان اختيار اسم ملتقى مناسباً للفكرة».
وعن أعمال الملتقى، تلفت «شمس» إلى أن جميع المدارس التشكيلية مثل الواقعية والتجريدية تتجسد في الأعمال المعروضة، كما نجد رؤى تشكيلية متنوعة من خلال التلاعب بالألوان التي تتعدد بين الزيتية والأكريلك والمائية لكي تخاطب عين المتلقي، ووجود البورتريه بأكثر من رؤية، كما نجد المشاعر والانفعالات الإنسانية كالفرح والحزن والخوف والعاطفة موجودة في أعمال أخرى.
بالتجول بين أعمال الملتقى نجد أن البورتريه كان حاضراً بأكثر من شكل، حيث التعبير الفني عن ملامح الوجوه، والتعبير من خلالها عن المشاعر والأحاسيس والانفعالات الإنسانية، وبالتالي خلقت أعمال المعرض حالات متنوعة من تعابير الوجه، وإعطاء أبعاد انفعالية على اللوحة.
فمن بين المشاركين بالملتقى، يقول الفنان عمر مكاوي: «أشارك بلوحة تنتمي للمدرسة التعبيرية، تتضمن بورتريهاً لوجهين غير معروفين، أعبر من خلالهما عن مشاعر متداخلة مثل الحيرة وعدم وضوح الرؤية، مع التلاعب بالإضاءة لبيان تفاصيل اللوحة». ويؤكد الفنان العشريني أنه استفاد من تعدد المدارس الفنية بالمعرض، إلى جانب وجود جنسيات أخرى، وهو ما يسهم في التعرف على الأساليب الفنية التشكيلية خارج مصر وداخلها». أما كارولين ماجد، التي تبلغ من العمر 15 عاماً، وهي أصغر المشاركات بالملتقى، فتقول: «أشارك بلوحة بعنوان الجمال العربي، وهي رسم بورتريه لفتاة تحمل ملامحها الجمال العربي والشرقي، باستخدام الألوان القوية والزخارف الشعبية، وحاولت أن أنقل تفاصيل الوجه بأفراد مساحة للمتلقي أن يشاهد الصورة وفق انفعالاته، حيث استلهمت ذلك من فكرة لوحة الموناليزا».
وعن مشاركتها الأولى في معرض فني، تقول: «الملتقى متنوع، وأنا محظوظة لأن يكون أول مشاركة لي، حيث تعرفت على فنانين كبار، الذين أفهموني بعض النقاط في لوحتي، وأعطوني بعض الملاحظات حولها التي لم تكن تلفت نظري، وبالتالي أعتبر مشاركتي فرصة كبيرة لأتعلم من خلال الحوار مع هذه المجموعة المشاركة».
يمكن أيضاً لزائر المعرض ملاحظة الحضور القوي للألوان وتوظيفها الفني، وهو ما يثري الحالة الإبداعية حيث توجد الألوان المائية والجواش والزيت والباستيل والفحم والأكريليك، وجميعها تؤكد مهارات الفنانين المشاركين.
فمن بين المشاركات بالملتقى توضح الفنانة إيناس روماني، أنها تشارك بلوحة بعنوان كليوباترا، استخدمت فيها ألوان الزيت مع استخدام الفرشاة والسكين، والتي تحاول بها استدعاء جماليات من التاريخ بالتركيز على اللون لجذب عين المتلقي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».