«السبعة الكبار»... والملف الإيراني

تحولت محاولة القمة الفاترة للتعاطي مع المشكلة الإيرانية الدائمة إلى ما يشبه المسرحية الهزلية الساخرة. ووفقاً لمصادر فرنسية مطلعة، صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف إلى أحد الدبلوماسيين الفرنسيين خلال زيارة للعاصمة طهران الشهر الماضي، بأنهما على استعداد للدخول في حوار مباشر مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، شريطة حصولهما على «تسهيلات ائتمانية خاصة» تستخدم في تغطية النفقات الإيرانية الأساسية.
وتتحدد قيمة النفقات الإيرانية الأساسية المذكورة بواقع 60 مليار دولار على أساس سنوي تستخدم في سداد رواتب الموظفين الحكوميين، بما في ذلك أفراد الجيش والشرطة في إيران، بالإضافة إلى المخصصات المالية لنظام بشار الأسد في سوريا، والمخصصات المالية لفرع «حزب الله» في لبنان، ومخصصات حركة «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» في فلسطين، فضلاً عن الميليشيات والجماعات المسلحة المتنوعة والمنتشرة في العراق، وسوريا، وأفغانستان.
يمكن الحصول على ربع هذا المبلغ من واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الإيراني، وهو الأمر الذي يستلزم تمديداً للإعفاءات المقدرة بستة أشهر عن العقوبات الاقتصادية الصادرة عن البيت الأبيض بشأن إيران. ويمكن الحصول على ربع آخر من المبلغ المذكور من مبيعات بعض النفط الإيراني إلى الصين، والهند، وتركيا، من بين بلدان أخرى، في حين أنه يمكن لروسيا تغطية ربع آخر من المبلغ من خلال برنامج التبادل النفطي. أما الربع الأخير فيمكن الحصول عليه من خلال سلسلة شبكات خرق العقوبات الاقتصادية التي أنشأتها إيران منذ سنوات بمساعدة، في كثير من الأحيان، من اليونان، وقبرص، وتركيا، وإيطاليا، والنمسا.
في المقابل، يدخل فريق روحاني في جولة جديدة من المفاوضات بشأن اتفاق جديد يحل محل الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والذي يصر ترمب على تمزيقه. ومن شأن الاتفاق الجديد أن يتجاوب مع المطالب الـ12 لدى الرئيس الأميركي.
شبه المؤكد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يُطلع نظيره ترمب على تلك المداولات، بل بقيت طي الكتمان حتى تغريدة خطها الرئيس الأميركي عبر صفحته الرسمية تفيد بأنه ليس لأحد الحق في التحدث بالنيابة عنه بشأن أي مسألة تتعلق بإيران. وبعد ذلك، واصل ماكرون إطلاع ترمب على المجريات، غير أنه زيــّن الأمر برمته عبر الزعم بأن إيران وافقت بالفعل على المباحثات التي يمكن أن تبدأ في غضون بضعة أسابيع قليلة، وأنها ستصادق على المعاهدة الجديدة التي تتضمن تغطية مشاريعها الصاروخية كذلك. وهكذا، حاز التزويق الفرنسي على قدر لا بأس به من المصداقية إثر ظهور الرئيس روحاني على شاشات التلفزيون الرسمي الإيراني لإدانة «الممانعة المجردة»، والإعلان عن استعداده للحديث مع أي شخص بهدف تأمين المصالح الوطنية للبلاد.
وعزف الرئيس ترمب على نغمات نظيره الفرنسي عندما صرح بأنه قد تُلتقط له صورة فوتوغرافية مع روحاني قريباً جداً. وأشار بعض المحللين إلى مدينة نيويورك كموضع التقاط الصور الافتتاحية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر انعقادها في الشهر المقبل.
لقد أثارت هذه المداولات حالة من الابتهاج لدى جماعات الضغط المؤيدة للخميني في الغرب، غير أنها انتهت في غضون ست ساعات فقط إثر أمر أصدره المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إلى روحاني بالتراجع عن تصريحاته السابقة، مع الإعلان أنه لن تكون هناك مفاوضات مع الرئيس ترمب أو مع أي رئيس أميركي آخر في المستقبل.
ويبدو أن السيناريو الفرنسي لمحاولة ضم إيران إلى الحظيرة الدولية من خلال تعزيز موقف روحاني في الداخل مع طفرة اقتصادية محتملة وآفاق القبول العالمي لدى المجتمع الدولي قد تلاشت سريعاً كما بدأت.