«المساحة 105» معرض تفاعلي بمناسبة اليوم العالمي للمفقودين

يقف زائره على كواليس أساليب وعمليات البحث عنهم

يستمر معرض «المساحة 105» في «بيت بيروت» حتى 6 سبتمبر المقبل
يستمر معرض «المساحة 105» في «بيت بيروت» حتى 6 سبتمبر المقبل
TT

«المساحة 105» معرض تفاعلي بمناسبة اليوم العالمي للمفقودين

يستمر معرض «المساحة 105» في «بيت بيروت» حتى 6 سبتمبر المقبل
يستمر معرض «المساحة 105» في «بيت بيروت» حتى 6 سبتمبر المقبل

في مركز «بيت بيروت» الثقافي وعلى مساحة نحو 6 غرف منه يقام المعرض التفاعلي «المساحة 105» بمناسبة اليوم العالمي للمفقودين المصادف 30 أغسطس (آب) من كل عام. تنظم هذا الحدث اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تأخذ على عاتقها منذ 12 سنة حتى اليوم إدراج هذا النشاط على أجندتها السنوية.
وجديد هذا المعرض الذي يستهل فعالياته اليوم (الخميس) هو الأسلوب التفاعلي الذي يدور فيه؛ فيتيح لزواره أن يتعرفوا على أسلوب عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عمليات البحث عن المفقودين التي استطاعت حتى اليوم توثيق 3000 حالة منها في سجلاتها الرسمية. كما سيقف الزوار على جانب العمل المستقبلي للهيئة الوطنية المتخصصة في الكشف عن مصير المفقودين وإعطاء الأسر حقها في المعرفة. وقد تم إنشاؤها إثر صدور قانون 105 (قانون المفقودين والمخفيين قسراً) الذي أقره مجلس النواب في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2018.
«إن صدور هذا القانون أعطى الأهالي الحق في معرفة مصير أولادهم وأقاربهم وحتى أفراد من عائلتهم». تقول رونا حلبي، المتحدثة الرسمية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الخطوة حملت الإيجابية بعد مرور أكثر من 40 عاماً على اختفاء هذا العدد من اللبنانيين.
فكان بمثابة مبادرة جدية تصدر عن الحكومة اللبنانية في هذا الصدد، وتظهر مدى اهتمامها بهذا الملف».
ورغم أن الرقم المتداول عن المفقودين في لبنان يبلغ نحو 17000 شخص، فإنه لا يعدّ رقماً رسمياً حتى الساعة. فلا إحصاءات ولا سجلات رسمية تؤكد ذلك. ومن الممكن أن يكون ذوو المفقودين في تلك الحقبة من أيام الحرب قد تقدموا بتبليغ عن فقدان أحد أفراد عائلتهم في أكثر من مخفر؛ مما يجعل هذا الرقم غير رسمي.
«سيشاركنا زوار المعرض ومباشرة على الأرض في التعرف على طبيعة عملنا. فبعضهم سيمسك ورقة وقلماً لتدوين معلومات معينة حول الشخص المفقود. في حين بعض آخر سيدخل واحدة من الغرف ليشارك في عمليات اتصالات هاتفية للبحث عن خيط يوصلهم به»، توضح حلبي في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط».
ويدور موضوع المعرض حول شخصية وهمية مفقودة تدور جميع المحاولات حولها لمعرفة مصيرها. وفي إحدى الغرف المخصصة لمعرض «مساحة 105» سيكون الزائر على موعد للتعرف على غرفة الجلوس الخاصة بهذا الشخص المختفي مزودة برسائل مكتوبة وأخرى صوتية منه. ودائماً ومن باب القصة الخيالية سنشاهد على حيطان غرفة أخرى حوارات وقصاصات ورق، وغيرها من الأشياء المتعلقة بأحد المفقودين من دون تحديد اسمه. «قد يكون جرى اختفاؤه في الوقت نفسه الذي فُقد فيه اثنان أو ثلاثة غيره؛ ولذلك هناك صعوبة في تحديد هويته». تعلق رونا التي تتابع: «هي أساليب تفاعلية تساهم في توعية الزائر على مسار البحث الذي تدور فيه هذه العمليات عن المفقودين، فيلمسون وعن قرب الصعوبات والطلعات والنزلات التي نواجهها في هذا الموضوع، وحيثياته الكثيرة».
توضح حلبي التي تؤكد بأن الاختلاف الذي يشهده معرض «مساحة 105» هذه السنة نابع من إقرار قانون ترك أثره الإيجابي على الجميع.
ويفتتح المعرض مع جولة لأهل الصحافة ومن ثم للسياسيين الحاضرين للوقوف على طبيعته. وتعقد بعدها جلسة حوار حول ما تم الوصول إليه في ملف المفقودين اللبنانيين بعيد صدور القانون 105.
وسيشارك فيها ممثل عن وزارة العدل القاضي جان قزي، والدكتور ربيع شمّاعي رئيس برنامج الصحة النفسية في وزارة الصحة العامة، وكذلك كل من أنيس مقدّم، ممثلاً للجنة الأهالي، والمحامي نزار صاغية ليتحدث عن الجانب القانوني المتعلق بالمفقودين وما يفرضه من تسمية لهم على أرض الواقع. كما سيشارك فيها رئيس بعثة الصليب الأحمر في لبنان، كريستوف مارتن؛ ليتحدث عن الوضع الراهن لهذا الملف.
وستتمحور الأسئلة حول إنشاء الهيئة الوطنية بعد إقرار القانون الخاص بالمفقودين، وبرنامج وزارة الصحة للصحة النفسية الذي يضم عائلات المفقودين كإحدى المجموعات التي يستهدفها البرنامج. كما تتناول دور لجنة أهالي المفقودين والتحديات القانونية في غياب وضع قانوني واضح للشخص المفقود، إضافة إلى وجهة نظر اللجنة الدولية عن الوضع الراهن هي التي تعمل على هذا الملف منذ عام 2012. «إن طبيعة عملنا كلجنة دولية للصليب الأحمر ترتكز على تجهيز الأرضية للهيئة الوطنية التي تكمن مهمتها في الكشف عن مصير هؤلاء»، توضح حلبي.
ومن النشاطات التفاعلية التي تجري في المعرض ملء أوراق تشبه تلك التي تقدمها مؤسسة الصليب الأحمر عندما تلتقي مع عائلة أحد المفقودين. والمعروف أن نشاطات سابقة قام بها الصليب الأحمر اللبناني ضمن معارض مشابهة منذ عام 2012.
وتختم حلبي داعية الجميع لزيارة هذا المعرض الذي يستمر أسبوعاً كاملاً في «بيت بيروت» ابتداءً من اليوم (29 أغسطس) وحتى 6 سبتمبر (أيلول) المقبل. وتقول: «يهمنا أيضاً حضور الأولاد، ولا سيما الذين يعيشون في منازلهم هذا النوع من المشكلات. فهم يتأثرون بدورهم بغياب شخص عزيز عن عائلتهم وهو ما سيساهم في توعيتهم وفي السماح لهذا النوع من الأحاديث بألا ينطفئ؛ كونه حقاً مكتسباً يندرج على مواد القانون الدولي الإنساني».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».