مظاهرات لطلبة الجامعات في الجزائر رفضاً لـ«دولة عسكرية»

من المظاهرات التي شهدتها العاصمة الجزائرية أمس (رويترز)
من المظاهرات التي شهدتها العاصمة الجزائرية أمس (رويترز)
TT

مظاهرات لطلبة الجامعات في الجزائر رفضاً لـ«دولة عسكرية»

من المظاهرات التي شهدتها العاصمة الجزائرية أمس (رويترز)
من المظاهرات التي شهدتها العاصمة الجزائرية أمس (رويترز)

بينما دعا حزب الرئيس الجزائري المعزول، عبد العزيز بوتفليقة، إلى تنظيم انتخابات رئاسية «في أقرب الآجال»، هاجم طلبة جامعيون، أمس، خلال مظاهراتهم الأسبوعية، قائد الجيش الجنرال قايد صالح بسبب رفضه مبادرات طرحتها المعارضة بهدف إيجاد مخرج من أزمة الحكم المستمرة منذ 6 أشهر.
وردد الطلبة شعارات كثيرة معادية للسلطة، منها «نريد دولة مدنية وليست عسكرية». وطالب المتظاهرون بالحريات والديمقراطية، ورفضوا تنظيم انتخابات رئاسية، قبل إطلاق فترة انتقالية تكون مقدمة لتغيير الدستور وترسانة القوانين ذات الصلة بالانتخابات وتنظيم الحياة السياسية.
ومرّت مظاهرة طلبة الجامعات في العاصمة بمقر «هيئة الوساطة والحوار» بشارع العربي بن مهيدي، حيث صب المحتجون غضبهم على رئيسها كريم يونس وأعضائها، بحجة أنهم «ينفذون أجندة السلطة». وقال آخرون إن «الهيئة» بمثابة «طوق نجاة لسلطة تعاني من أزمة شرعية».
وأعلن المحامي البارز عبد الغني بادي عن اعتقال ناشط بالحراك الشعبي يدعى سليم تواتي يقيم بعنابة (600 كلم شرق العاصمة). وكتب بادي بحسابه في موقع «فيسبوك» أن عائلة الناشط «في حالة فزع، والرجاء من الزملاء والنشطاء في ولاية عنابة، التفاعل مع الخبر والتبين والتقصي من أجل معلومات أدق».
وأشاد حزب «جبهة التحرير الوطني» (حزب الغالبية)، في بيان، بـ«المرافقة الواضحة التي توفرها مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير، للشعب الجزائري ومؤسسات الدولة ومسار الحوار، لتحقيق التطلعات المشروعة للجزائريين، عبر انتهاج سبيل الحوار الجاد والمسؤول، وفي إطار الالتزام بأحكام الدستور». وأوضح أن تنظيم انتخابات رئاسية نزيهة «في أقرب الآجال يبقى السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة التي ستزداد تعقيداتها كلما طال أمدها، وندعو إلى عدم تضييع مزيد من الوقت والتوجه مباشرة إلى التحضير الجاد والفعلي للانتخابات، التي تنظمها وتشرف عليها، كلياً، لجنة مستقلة، تتيح للشعب الجزائري التعبير الحر والسيد عن خياراته في انتخاب من يرونه الأقدر على قيادة البلاد في المرحلة القادمة، بعيداً عن أي وصاية أو شروط مسبقة، توصف بكونها اعتداء صارخا على سيادة الشعب السيد»، في إشارة إلى شروط تطرحها المعارضة قبل الحديث عن الانتخابات، من بينها الإفراج عن معتقلي الرأي وإقالة الحكومة.
من جهته، قال «التجمع الوطني» الذي يقوده رئيس الوزراء سابقاً أحمد أويحيى، المسجون منذ شهرين في قضايا فساد، إن «مسار الحوار الذي دعت إليه قيادة الجيش، منذ الأسابيع الأولى للمسيرات السلمية، تجاوز حالة الشك والتفاعل إلى حالة اليقين والتفاؤل بفعل العمل الدؤوب الذي تقوم به هيئة الحوار والوساطة رغم محاولات ثني أعضائها عن أداء دورهم الوطني».
ويعد «التجمع» من أحزاب السلطة التي ارتكز عليها بوتفليقة أثناء حكمه، وقد دعا قادتها الذين يوجدون بالسجن حالياً، للتمديد للرئيس السابق.
وألقى رئيس أركان الجيش خطاباً جديداً أمس، الثاني في ظرف يومين، تعهد فيه بـ«التصدى بكل قوة وصرامة، رفقة جميع الوطنيين المخلصين، للجهات المغرضة، ولن نسمح لأي كان المساس بسمعة الجزائر بين الأمم وتاريخها المجيد وعزة شعبها الأصيل، وسنعمل معاً ودون هوادة على إفشال المخططات الخبيثة لهذه الجهات وهؤلاء الأشخاص المأجورين، الذين أصبحت مواقفهم متغيرة ومتناقضة باستمرار، لأنها وببساطة ليست نابعة من أفكارهم بل أملاها عليهم أسيادهم، الذين يتحكمون فيهم ويوجهونهم حسب أهوائهم».
وأكد صالح، الذي يزور منشآت عسكرية بغرب البلاد، أن «الشعب الجزائري الواعي والراشد لا يحتاج لوصاية أي جهة كانت، ولا يحتاج لمن يملي عليه ما يجب فعله، هذا الشعب الذي هو وحده من يختار بكل حرية وشفافية رئيس الجمهورية القادم، فبلادنا لا تبنيها العصابة التي لم تعرف أبداً حقيقة الجزائر وشعبها، ولم تقف إلى جانبه في أوقات الشدة والأزمات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.