حين يخطئ الإعلامي

حين يخطئ الإعلامي
TT

حين يخطئ الإعلامي

حين يخطئ الإعلامي

لا يكاد يمرّ يوم من دون أن نسمع عن إعلامي ارتكب خطأ أثناء ممارسته عمله في إحدى وسائل الإعلام في منطقتنا والعالم، وهو أمر مفهوم بطبيعة الحال؛ إذ يعمل الإعلاميون ضمن إطار محددات وقيود صعب ومعقد، ولعل أخطر ما فيه أن جزءاً معتبراً من أدائهم يكون على الهواء مباشرة؛ وهو أمر يجعل الزلة أو الخطأ بمنزلة رصاصة إذا خرجت لا يمكنها أن تعود.
يرتكب العاملون في أي مجال عمل كثيراً من الأخطاء؛ وهو أمر يمكن أن يقع فيه الساسة والقضاة والأطباء والمهندسون والجنود في ميدان المعركة، ولكن ما يجعل الأمر مختلفاً في المجال الإعلامي عاملان مهمان؛ أولهما أنّ القيود المفروضة كبيرة وخطيرة ومتعددة، وثانيهما أنّ الإعلام شأن جماهيري بامتياز، إذ يكون أداء الإعلامي دائماً تحت أنظار الجمهور والنقاد، الذين ينتمون إلى أطياف مختلفة، ويمثلون مصالح متباينة، ويدققون فيما يتلقونه من مواد إعلامية لأسباب كثيرة، ويمتلكون وسائل مختلفة وآليات تعبير حرة لإبداء آرائهم وانتقاداتهم.
من بين القيود التي يعمل ضمنها الإعلامي؛ القيم الثّقافية والاجتماعية السّائدة في مجتمعه، والقانون النّافذ، والنّظام العام، واعتبارات السّلطة السّياسية، واستحقاقات السّياسة التحريرية، ورغبات المالك، وأعباء المنافسة الضّارية مع وسائل الإعلام الأخرى، ومتطلبات المعايير المهنية المتفق عليها، ودرجة وعي الإعلامي نفسه وتأهيله وثقافته ومستوى تدريبه.
تمثل تلك الاعتبارات المتعددة والمعقدة إطاراً يزيد قابلية الإعلاميين للتورط بالممارسات غير المرغوبة وفخاً منصوباً على الدوام، بشكل يعزز إمكانية ارتكاب الأخطاء، رغم أنه بالتأكيد لا يسوغ وقوعها أو يحول دون ضرورة المحاسبة والمساءلة وتوقيع العقاب.
وعندما يقع الخطأ، فالسؤال يثور عن الطريقة المثلى للتعاطي معه ومع مرتكبه.
ثمة خمس وسائل أساسية - رُصدت من خلال الخبرات العملية والممارسات السابقة - للتعاطي مع الأخطاء التي تقع في المجال الإعلامي؛ أولاها يتمثل في القانون، وثانيها يتعلق بالهيئات الضابطة، وثالثها يتجسد في آليات التنظيم الذاتي للصّناعة، ورابعها يتحدّد في آليات الضبط والتدقيق الدّاخلية في كل وسيلة إعلامية، وخامسها يختص بالمساءلة المجتمعية.
بعض هذه الأخطاء يحسمها القانون، حين تلجأ الأطراف المعنية بها إلى المحاكم والنيابات، وبعضها الآخر يُحسم من خلال المجالس المسؤولة عن صناعة الإعلام؛ مثل «أوف كوم» في بريطانيا، و«إف سي سي» في الولايات المتحدة، وقطاع منها ينهض بمهمة تقويمه التنظيم الذّاتي المتمثل في نقابات الإعلاميين ومجالس الصّحافة المستقلة، وقطاع آخر لا يجد مساءلة إلّا عبر وسيلة الإعلام ذاتها، التي تنطلق في تقييمها للأداء والمحاسبة على اعتواراته من أدلة مهنية ومعايير داخلية معلنة، بينما تتكفّل المساءلة المجتمعية، خصوصاً عبر «السوشيال ميديا»، بالنقد وكيل الاتهامات حيال بعض الممارسات المثيرة للجدل، وكثيراً ما تصنع الفارق.
في الأسبوع الماضي، صدرت ممارسة أثارت الجدل من إعلامية مصرية؛ حين قالت على الهواء في برنامجها: «التخينة (السمينة) ميتة... عبء على أهلها وعلى الدولة... بتشوه المنظر... عرقانة... فاقدة للأنوثة».
بالعودة إلى إطار المحددات والقيود السابق ذكرها، فإنّ تلك الممارسة تصطدم بكثير من المعايير وتنتهك جملة من القيم، وهي تمثل نمطاً من أنماط التعميم الخاطئ، وتقديم الرأي على أنه حقيقة، والانحياز للذات، والنزع من السياق، وتوجيه الإهانة، والتمييز.
إنها ممارسة حادة وغير مدروسة، ويمكن أن تكون مثالاً لمجمع أخطاء لا بدّ أن يتفاداه كل إعلامي إذا أراد تقديم أداء مهني، مع ذلك، فرد الفعل عليها كان مركباً ومتعدداً، بحيث حوى أنماط المساءلة الخمسة التي سبقت الإشارة إليها.
قُدّم بلاغ إلى النيابة بخصوص عمل المذيعة من دون تصريح (القانون)، وطلبها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للتحقيق (الهيئة الضابطة)، وبدأت النقابة تحقيقاً (التنظيم الذاتي)، وأوقفتها القناة عن العمل (المحاسبة الداخلية)، وشنّت قطاعات من الجمهور حملة ضدها عبر «السوشيال ميديا» (المساءلة المجتمعية).
من جانبي أعتقد أنّ المذيعة ارتكبت خطأ فادحاً يستحق المساءلة وإنزال العقاب، لكن الأفضل دوماً في مثل هذه الحالات أن تنهض آليات التنظيم الذاتي (المحاسبة النقابية) بالأمر، وأن يكون التعاطي مع الخطأ مزيجاً من المساءلة، وإنزال العقاب، والتأهيل والتدريب، والتأكيد على المعيار المهني والقيمة الإنسانية، وإرساء آليات تضمن الحد من وقوع مثل هذه الأخطاء مستقبلاً.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».