عودة «داعش» الثانية

{خليفة البغدادي} يسعى إلى إعادة بناء التنظيم

أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» في آخر ظهور له أبريل الماضي (رويترز)
أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» في آخر ظهور له أبريل الماضي (رويترز)
TT

عودة «داعش» الثانية

أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» في آخر ظهور له أبريل الماضي (رويترز)
أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» في آخر ظهور له أبريل الماضي (رويترز)

مخطئ من يظن أن الأفكار تموت كالكائن البشري، إنها تنتقل عبر الأجيال بخيرها وشرها، وفي الجيل الواحد هناك مَن يقوم بعملية تسليم الآراء والمعتقدات، متطرفةً كانت أم معتدلةً، ومن سوء الطالع أن شرقنا الأوسط ومنذ أن وضعت جماعة «الإخوان المسلمين» في أواخر ثلاثينات القرن العشرين لبنات أفكارها المتطرفة، والمنطقة تشهد توالد جماعات عديدة من رحمها، تختلف في المظهر، لكن يظل المخبر واحداً، ويظن القائمون على الأمر في الحكومات أنهم قضوا على وجودها في فترات زمنية بعينها، غير أنها تعود من جديد بعد فترات كمون أو بيات شتوي، لتضرب من جديد وبأسوأ مشهد مما كان عليه الأمر من قبل.

تختفي «الإخوان» في الستينات، لتظهر جماعة «التكفير والهجرة» في السبعينات، يقبض الأمن على الخلية، فتظهر «الجماعة الإسلامية»، تواجه هذه الدولة المصرية، فتسقط، غير أن عناصرها يفرون إلى أفغانستان فتولد جماعات التطرف، ومن رحمها تقوم «القاعدة»، التي تضحى إحدى شعبها تنظيم «داعش» لاحقاً. ولهذا فإن القول بأن «داعش» قد قضى نحبه مرة وإلى الأبد، قول مغلوط، وليس أدل على صحة ما نقول به من مجموعة التصريحات والتقارير الدولية الأخيرة، التي تذهب في طريق التحذير من الاستكانة للهزائم العسكرية التي تعرضت لها في العامين السابقين في العراق وسوريا.
نهار السبت الماضي، كان العراق يشهد انطلاق المرحلة الرابعة من عملية «إرادة النصر»، بهدف تفتيش وتطهير كامل الصحراء، وبعض المناطق في محافظة الأنبار، من بقايا فلول تنظيم «داعش» الإرهابي، حسب تصريحات نائب قائد العمليات المشتركة الفريق عبد الأمير رشيد.
الفلول تعلِّمنا أن الاستراتيجيات نوعان؛ نوع ظاهر معروف بالأسماء والصفات من الأجهزة الأمنية والاستخبارية كافة، وهؤلاء التصدي لهم أمره ممكن عبر فرق المشاة، ولواءات المغاوير، وغيرهما من القوات المسلحة. أما الطامة الكبرى فموصولة بجماعات الفلول المؤدلجين، أولئك الذين لا يطفون على سطح الأحداث، لكنهم أخطر وقعاً، إذ يروجون للفكر المتطرف بهدوء ومن دون جلبة، معتمدين في ذلك على آليات التطرف المعاصرة المتمثلة في وسائط التواصل الاجتماعي، وعادةً ما يتم اختيار قيادات «القاعدة» و«داعش» من أسماء غير معروفة، لكنها تمثل الشر في ذاته.
الكثير من المعلومات تتواتر مؤخراً عن إصابة أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، بنوع من الشلل يُقعده عن القيام بواجباته في متابعة أمر التنظيم الدموي، ولهذا فإنه أوكل لعبد الله قرداش إدارة شؤون الجماعة وإعادة ترتيب أوراقها. وفيما يبدو فإن الأجهزة الأمنية العراقية لديها الكثير من المعلومات عن الرجل الذي تدرج في صفوف التنظيم حتى أضحى حالياً الخليفة المنتظر.
لم يظهر قرداش الملقب بـ«الأستاذ» مرة واحدة على سطح الأحداث، بل تدرج عبر السنوات الخمس الماضية، ليصبح أحد أهم مساعدي البغدادي العسكريين، ويشير بعض التقارير الاستخباراتية إلى أن مهمته الرئيسة هي منع تفكك التنظيم، وإعادة ترتيب صفوفه، مستفيداً مما لديه من خبرة واسعة إبان عمله في الاستخبارات العراقية، ومعرفة بطبيعة وتضاريس العراق، ومعلوماته عن المجتمع وأفكاره، لا سيما ما يستجلب عناصر جديدة تزخم البناء الهيكلي للجماعة، وتعوض النقص الذي جرى في صفوفه بعد الاندحار العسكري والهزائم الثقيلة التي تعرض لها وقادته إلى ما يشبه الدياسبورا في المنطقة المجاورة، وعبر الإقليم بشكل أوسع.
تقول «التايمز» البريطانية في تقرير نُشر مؤخراً لها أن مهمة «الأستاذ» الثانية ستكون وأد الخلافات الواسعة بين أقطابه خصوصاً القيادات من الجنسيات العربية والأجنبية، هل لهذا الأمر علاقة بالتقرير الأميركي الأخير الذي توقع عودة الدواعش مرة جديدة وبشكل ربما أشرس مما عرفه العالم من قبل؟
في أوائل يوليو (تموز) الماضي كان معهد دراسات الحرب، وهو مؤسسة أبحاث غير حكومية مقرها واشنطن، يحذّر من أن «(داعش) لم يُهزم نهائياً»، ويستعد للعودة مجدداً، وعلى نحوٍ «أشد خطورة»، رغم خسارته الأراضي التي أقام عليها ما سُميت «دولة الخلافة»، في سوريا والعراق المجاور.
قراءة المعهد الأميركي المشار إليه جاءت في نحو ثمانين صفحة وتحت عنوان «عودة (داعش) الثانية... تقييم تمرد (داعش) المقبل»، وتركز على فكرة أن التنظيم اليوم لا يزال أقوى من سلفه «القاعدة» في العراق عام 2011 حين بدا ضعيفاً.
ما ورد في التقرير الأميركي مثير بل مخيف، إذ يشير إلى أن تنظيم «القاعدة» في العراق كان لديه ما بين سبعمائة وألف مسلح آنذاك، بينما كان «داعش» لديه ما يصل إلى 30 ألف مسلح في العراق وسوريا في أغسطس (آب) 2018، وفقاً لتقديرات الاستخبارات العسكرية.
وفي تحليلات التقدير نرى أن «داعش» بنى من مجموعات صغيرة من الفلول عام 2011 جيشاً كبيراً للسيطرة على الفلوجة والموصل ومدن أخرى في العراق، واستطاع السيطرة على معظم شرق سوريا في ثلاث سنوات فقط.
هل سيقدّر لـ«داعش» أن يستعيد قوته بشكل أسرع بكثير وإلى مستوى أكثر خطورة من القوة الأكبر بكثير التي لا تزال لديه حتى اليوم؟
حسب التقرير الأميركي، المعتمد بالأصل على معلومات وبيانات استخباراتية من العراق وسوريا، فإن «داعش» بقيادة البغدادي، كان لديه خطة للعودة، مهيأة وجاهزة قبل أن يتعرض لسلسة الضربات العسكرية الأخيرة، بل إنه كان يقوم بتنفيذها في أثناء الحملة العسكرية التي شنتها قوى الأمن العراقية، عطفاً على قوات سوريا الديمقراطية، والكل بالطبع بجانب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
أحد الأسئلة المدّعاة للتحري عن مستقبل «داعش»: هل التنظيم لديه قوة مالية تكفي لاستمرار عملياته، وإعادة بناء هيكله التنظيمي ومن ثمّ مباشرة إرهابه إقليمياً وعالمياً؟
في تقرير قدمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن الدولي، أشار إلى أن «داعش» يمتلك مبالغ تصل إلى 300 مليون دولار، ظلت معه بعد الزوال لتنظيم الخلافة المزعوم في العراق وسوريا.
وذكر غوتيريش أن تهديدات «داعش» لا تزال مخيفة، على الرغم من انخفاض وتيرة الهجمات التي يشنها، وبخاصة أنه انخفاض مؤقت.
يقطع غوتيريش بقدرة التنظيم على توجيه هذه الأموال لدعم أعمال إرهابية داخل العراق وسوريا وخارجهما عبر شركات غير رسمية لتحويل الأموال، وتمتعه بالاكتفاء الذاتي المالي عبر شبكة من المؤيدين والجماعات التابعة له في أماكن أخرى بالشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
والثابت أن مسألة التمويل لم يكن ليهملها التقرير الأميركي الذي أكد أن «داعش» يحتفظ بشبكة تمويل موّلت إعادته الثانية إلى التمرد، وتمكن من إعادة بناء قدراته الإعلامية الرئيسية، وكذلك الحفاظ على الأسلحة وغيرها من الإمدادات في شبكات الأنفاق ومناطق الدعم الأخرى من أجل تجهيز قوات المتمردين المجددة.
يتلفت النظر في خليفة البغدادي القادم على الطريق لاستكمال مسيرة «داعش» في نشر الفوضى والإرهاب إقليمياً وعالمياً، أنه يكاد يستلهم بعض تجارب وخبرات تنظيم «البعث» العراقي بنوع خاص.
في شهر يونيو (حزيران) الماضي، كانت الأمم المتحدة تنشر تقريراً بشأن «داعش» أشارت فيه إلى أن الجماعة الإرهابية تتغير وتتكيف وتوفر الشروط اللازمة للمقاومة داخل سوريا والعراق.
ولعل المثير أن الهيئة الأممية تشير أيضاً في أوراقها إلى أن المكان الأساسي لتجنيد عناصر جديدة هي السجون التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا. فالظروف الصعبة في تلك المعتقلات مناسبة للحفاظ على آيديولوجية التنظيم حيّةً بين المعتقلين من مناصريه وتجنيد آخرين.
ويحاول التنظيم استغلال كل فرصة ليقول إنه حاضر ولم يُهزم، كما لا يؤكد الأنباء التي تفيد بمقتل أو اعتقال قادته من الصف الأول. وفي هذا يختلف عن تنظيم «القاعدة»، حسبما ينقل موقع «المونيتور» الإخباري الذي يهتم بشؤون الشرق الأوسط، عن أبو علي البصري قوله: «لقد تعلم تنظيم (داعش) من نظام البعث، والكثير من عناصر التنظيم كانوا جزءاً من نظام البعث، ويكذبون ويخدعون كما كان يفعل نظام صدام حسين».
كارثة «داعش» الثانية اهتم بها ولها الإعلام الأوروبي، حيث نقرأ أحاديث مخيفة عن قيام عناصر مؤدلجة تابعة لـ«داعش» بالانتشار عمداً داخل السجون الأوروبية واللعب على أوتار الكراهية والقومية من جهة، والترويج للمفاهيم الدينية والإيمانية المغلوطة من جهة أخرى، بهدف اكتساب المزيد من العناصر الإجرامية إلى التنظيم في دورته التالية، لا سيما أن هناك احتمالات لعودة نحو 2000 عنصر من المقاتلين السابقين في التنظيم من العراق وسوريا إلى أوروبا.
«داعش» لن يعود هذه المرة من الشرق الأوسط فحسب، بل هناك احتمالات واسعة ومفتوحة لامتداد شره إلى أفغانستان، حيث حالة الانفلات الأمني تجعل نشوءه وارتقاءه من جديد أمراً وارداً وبقوة، فحسب تقرير أصدره مركز الدراسات الدولية في واشنطن «سي إس آي إس»، عقب تبني التنظيم مؤخراً الهجوم الانتحاري على عرس في كابل ومقتل العشرات، فإن عدد مقاتليه في أفغانستان يصل اليوم إلى نحو أربعة آلاف مقاتل، يرتكزون في إقليم ننغارهار. ويشير التقرير إلى أن فرع التنظيم في أفغانستان لديه طموحات للسيطرة على مساحات كبيرة من الأرض كما فعل في سوريا والعراق عام 2014. هل باتت عودة «داعش» الثانية معقودة بناصية الأستاذ ضابط استخبارات صدام؟
مهما يكن من شأن الجواب، فالمؤكد أن الخطر «الداعشي» سوف يتزايد وبنوع خاص ما دام بقي الشرق الأوسط فاقداً للاستقرار، وبقدر ما تظل دول بعينها في مقدمتها تركيا وإيران وقطر من الداعمين الظاهرين تارةً والخفيين تارة أخرى.
في كل الأحوال يمكن القطع بأن المعارك العسكرية بمفردها لن تقضي على «داعش»... حرب الأفكار هي الأصل والأهم.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.