«المقاتلون الأجانب... وتبعات العودة

ما بين المحاكمة وسحب الجنسية

مجموعة من الأجانب تم أسرهم في أثناء مرورهم إلى سوريا من الحدود مع تركيا قبل ترحيلهم منها مرة أخرى بداية الشهر الجاري (غيتي)
مجموعة من الأجانب تم أسرهم في أثناء مرورهم إلى سوريا من الحدود مع تركيا قبل ترحيلهم منها مرة أخرى بداية الشهر الجاري (غيتي)
TT

«المقاتلون الأجانب... وتبعات العودة

مجموعة من الأجانب تم أسرهم في أثناء مرورهم إلى سوريا من الحدود مع تركيا قبل ترحيلهم منها مرة أخرى بداية الشهر الجاري (غيتي)
مجموعة من الأجانب تم أسرهم في أثناء مرورهم إلى سوريا من الحدود مع تركيا قبل ترحيلهم منها مرة أخرى بداية الشهر الجاري (غيتي)

لا تزال أوروبا والولايات المتحدة ترزح تحت تبعات التخلص من تنظيم «داعش» في العراق وسوريا وإشكالية كيفية التعامل مع «المقاتلين الأجانب»، على نسق ما حدث مع جاك لتس الملقب بـ«المتطرف جاك» مؤخراً. إذ سُحبت من جاك الجنسية البريطانية، وهو الذي كان يحمل الجنسيتين البريطانية والكندية، نتيجة سفره إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم «داعش» منذ عام 2014، الأمر الذي أدى إلى استياء كندا، حيث أُحيلت المسؤولية إليها، حيث تظهر الإشكالية القانونية إذ لا يُسمح للحكومات بترك مواطنين من دون جنسية.
وهي ليست بالقضية الأولى، حيث قامت السلطات البريطانية بسحب الجنسية ممن انخرط في القتال مع تنظيم «داعش» من مزدوجي الجنسية، على شاكلة شميمة بيغوم الملقبة بـ«عروس داعش» والتي انضمت إلى التنظيم منذ سن الخامسة عشرة، وتم تجريدها من جنسيتها وعدم السماح لها بالعودة إلى بريطانيا. وأكدت من جهتها رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا أنغريت كرامب، خليفة أنجيلا ميركل في رئاسة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا، ضرورة تمرير قرار سحب الجنسية الألمانية ممن قاتل مع تنظيم «داعش» من ذوي الجنسيات المزدوجة. وهو أمر لا بد من مواجهته وتحديد سياسات في التعامل معه بالأخص بعد انخراط ما يزيد على 40 ألف مقاتل أجنبي، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، قَدِموا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى تنظيمات إرهابية. وإلى جانب المقاتلين الأجانب تأتي تبعات النساء والأطفال المنتمين إلى تلك التنظيمات. مخيم الهول في سوريا كشف عن أعداد هائلة من النساء والأطفال المنتمين إلى تنظيم «داعش» ممن قطنوا إقليم باغوز قبل نزوحهم إلى المخيم، وتجلت معاناتهم من أوضاع صحية سيئة إضافة إلى تأثرهم بالفكر الداعشي المتطرف، وتهديدهم للآخرين بالقتل والانتقام، وتأكيدهم استمرار تنظيم «داعش». مثل هذه السلوكيات من قِبل النساء والأطفال «الدواعش» أدت إلى فصلهم عن بقية قاطني المخيم. كما تعكس مدى التأثير السلبي على المحيط نتيجة التأثر بالفكر المتطرف والسلوكيات العنيفة. وعلى الرغم من ذلك فإنه يظهر توجه من قِبل الحكومات إلى استقبال الأطفال الذين رزحوا تحت وطأة قسوة وسلوكيات آبائهم نتيجة تطرفهم. وقد سمحت ألمانيا لأول مرة في أغسطس (آب) الحالي لأطفال يُشتبه في انتماء آبائهم إلى تنظيم «داعش» بالعودة إلى أراضيها. وصرح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، بسعي بلاده لإعادة أطفال لآباء منتمين لـ«داعش» من سوريا إلى ألمانيا، وعدم تحميلهم مسؤولية ما فعله آباؤهم.

المحاكمة عبر السلطات
وتظهر ثلاثة توجهات نحو التعامل مع المقاتلين الأجانب: أولها أن تتم محاكمتهم من خلال السلطات المحلية، وهو أمر يصعب تحقيقه مثل ما حدث في العراق، حيث يتم فرض عقوبة الإعدام التي ترفضها السلطات الأوروبية. من جهته، أصدر القضاء العراقي حكم الإعدام بحق ما يصل إلى 11 فرنسياً ممن ينتمون إلى تنظيم «داعش». وذلك على الرغم من رفض السلطات الفرنسية تنفيذ حكم الإعدام بحق مواطنين من الجنسية الفرنسية، حيث إن الرئيس العراقي برهم صالح، أكد للسلطات الفرنسية أن الدواعش الأجانب سيحاكَمون وفق القانون العراقي.

محكمة دولية
التوجه الثاني جاء نتيجة مطالب أوروبية عراقية، ويتمحور حول إنشاء محكمة دولية مختصة بقضايا الإرهاب والمقاتلين الأجانب في العراق بمن فيهم المقاتلون الأجانب القادمون من دول أوروبية. وقد ناقشت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه، في مطلع يونيو (حزيران) 2019 مقترحاً مع عدد من الدول الأوروبية من ضمنها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا يقضي بتشكيل محكمة دولية تُعنى بمحاكمة «الإرهابيين» الأجانب الذين التحقوا بتنظيم «داعش». ويرى القانوني الألماني روبرت شولتس، أنه من الممكن إقامة مثل هذه المحكمة المستقلة على شاكلة نموج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بشرط أن يتم اتفاق قانوني بين العراق ودول الاتحاد الأوروبي يستبعد عقوبة الإعدام. وقد تم إجراء دراسة احتمال وضع مسؤولية محاكمة المقاتلين الأجانب، الذين انضموا إلى تنظيم «داعش» من ِبل المحكمة الجنائية الدولية، كما أكدت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، أمام مجلس الأمن الدولي، أن أجهزة المحكمة لديها الصلاحية للنظر في الجرائم التي يُتهم تنظيم «داعش» في ليبيا بارتكابها، حيث إن ذلك يعد من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل مثل هذه الجرائم المفترضة. لكنها أكدت أن المسؤولية تقع في الدرجة الأولى على عاتق الدول في محاكمة رعاياها الذين التحقوا بصفوف التنظيم.

إعادة المقاتلين
فيما يتمثل الخيار الثالث في إعادة المقاتلين الأجانب، إلى أوطانهم، وهو الخيار الذي دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إليه ليتم توزيع أعباء وتبعات الخلافة الداعشية التي اندثرت على الدول المختلفة. في فبراير (شباط) 2019 قام ترمب بدعوة الدول الأوروبية إلى استعادة مقاتليها الذين يتجاوز عددهم 800 مقاتل وتم اعتقالهم في سوريا وتقديمهم إلى المحاكمة. فيما توعد الرئيس الأميركي في 21 أغسطس الدول الأوروبية بتسليمها مقاتلي «داعش» الأسرى الذين يحملون جنسياتها قسرياً في حال لم يرغب بعض الدول في استعادتهم مثل ألمانيا وفرنسا. ويأتي ذلك في ظل مساعي الولايات المتحدة لتقليص دورها في مواجهة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وتزايد احتمال معاودة التنظيم لملمة شتاته والقيام بضربات إرهابية جديدة. وقد صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في 20 أغسطس بأن تنظيم «داعش» لا يزال يمثل تهديداً وأنه «أقوى اليوم مما كان عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات» وذلك في «بعض المناطق» في العراق وسوريا. هذا العبء لا يقتصر على الأوروبيين فحسب، إذ ظهرت قضايا لمن يحمل الجنسية الأميركية ممن سافر إلى العراق وسوريا وشارك في تنظيم «داعش». مثل ما حدث مع هدى مثنى وكيمبرلي بولمان الأميركيتين الكنديتين، وهما موجودتان في مخيم اللاجئين شمال شرقي سوريا، وعلى الرغم من أنهما أعربتا عن أسفهما العميق والرغبة في العودة إلى الولايات المتحدة فإنه لا يظهر استعداد لاستقبالهما مرة أخرى، وذلك إثر التشكيك في صحة حصول مثنى على الجنسية الأميركية وازدواجية جنسية بولمان. وهو ما يؤكد مدى تخوف الدول المختلفة من مخاطر عودتهم إلى دولهم.

العودة إلى الأوطان
لا تعد تبعات عودة المقاتلين الأجانب بالأمر السهل إن لم تتم معالجتها، بدءاً بوجود أعداد من المتطرفين ممن ليست لديهم قابلية لإعادة التأهيل بعد اعتيادهم على الممارسات المتطرفة، بالأخص مَن تقلد مناصب قيادية في التنظيم أو حمل قناعات دينية متشددة يصعب تغييرها. مثل هؤلاء يمكن تأثيرهم على المجتمع على اعتبار حيازتهم خبرة في ساحات القتال تضخم من قدراتهم وتسبغ عليهم قدرة على التأثير في المجتمعات بالأخص لدى مَن يشكّلون أقليات ولديهم قابلية للتطرف نتيجة شعورهم بالتهميش والانعزال عن بقية المجتمع لاختلافهم عنه. من جهة أخرى فإن الإعراب عن الندم على ما اقترفه المتطرف ورغبته في العودة إلى وطنه قد يكون نتيجة تضييق الحصار على التنظيم في كلٍّ من العراق وسوريا، وتغيير التنظيم لاستراتيجيته ورغبته في التغلغل في المجتمعات التي جاء منها المقاتلون الأجانب سواء عبر إيقاظ «خلايا نائمة» أو التأثير على الآخرين من خلال الرسائل الإعلامية إلكترونياً أو تحويل الأفراد إلى ذئاب منفردة بإمكانهم القيام بهجمات إرهابية.
أشارت الباحثة سيلفين سي، في المركز الدولي للعنف السياسي والإرهاب في سنغافورة، إلى مدى خطورة عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم، إذ سيحصلون على هوية خاصة لمقاتلين مسلحين مخضرمين مما يسبغ عليهم كاريزما مميزة تعطيهم قابلية لأن يصبحوا قادة متطرفين بإمكانهم التواصل مع من يعرفونهم من أعضاء التنظيم، الأمر الذي يعطيهم دافعاً لاستمرار انتمائهم لـ«داعش» والتواصل مع الآخرين إلكترونياً من أجل التجنيد أو نشر الحملات الدعائية لهم أو حتى التخطيط لعمليات إرهابية. فيما تطرق الباحث الزميل توماس هيغهامر في مركز أبحاث الدفاع النرويجي إلى عدد من العوامل التي تعزز ما وصفه بـ«الأزمة الجهادية في أوروبا»، وذكر أربعة أساسية منها وهي: زيادة عدد المسلمين الشباب ذوي الدخل الاقتصادي المحدود، الأمر الذي له صلة غير مباشرة بالتطرف أو الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة، وزيادة عدد الناشطين ذوي الخبرة، أو بمعنى أوضح المقاتلين الأجانب العائدين من القتال المسلح إلى أوطانهم، إضافة إلى استمرار الأزمات المسلحة في عدد من دول العالم الإسلامي واستمرار أنشطة التنظيمات المتطرفة عبر الإنترنت واستغلالهم وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من إشكالية عودة المقاتلين الأجانب فإنه بالإمكان أن تتم مناصحة المتطرفين وإعادة تأهيلهم، لا سيما أولئك الذين لم ينخرطوا في قتال فعلي وإنما تم التغرير بهم، وذلك من خلال إعادة دمجهم في المجتمع. حيث إن ذلك أفضل لا محالة من بقاء المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا.


مقالات ذات صلة

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.