«المجلس الانتقالي» امتداد للمقاومة الجنوبية

TT

«المجلس الانتقالي» امتداد للمقاومة الجنوبية

قضية الجنوب اليمني في أبسط تعريف لها هي قضية دولة تعرضت للمؤامرة والعدوان. عدوان قاد إلى بسط السيطرة على أراضيها واستباحة سيادتها، وتدمير بنائها الوطني والمؤسسي وقتل وتشريد ونفي كوادرها وقياداتها وحرمان شعبها قراره السيادي، ومصادرة حقوقه العامة والخاصة وصولاً إلى إلغائها تماماً من الخارطة السياسية وإلغاء عضويتها في مؤسسات الشرعية الدولية. كل ذلك وضع شعب الجنوب أمام تحد مصيري هدد كل ضمانات حقه في البقاء كجزء من مكونات البنية الشعوبية للإنسانية. تحد مدمر، دمر ثوابت الحق وأسباب القوة، مما جعل كل الجنوبيين أمام معادلة يكون فيها الجنوب أو لا يكون.
إن الشعب في الجنوب كان هو الأكثر إيماناً وحماسة للمشروع الوحدوي الواقعي في إطاره العربي والإسلامي كقيمة حضارية راقية وسامية لا جدال فيها، ولم يخطر ببال الوطنيين الجنوبيين يوماً أن يتم الغدر بنواياهم الصادقة وبتلك القيم النبيلة التي دخلوا على أساسها الوحدة في مايو (أيار) 1990 واستبدالها بممارسات الإقصاء والضم والإلحاق والهيمنة.
إن أزمة الثقة الناجمة عن النزعات التسلطية والإقصائية والاستبدادية لدى نظام صنعاء تسبقُ في الواقع مقدمات حرب 1994 ونتائجها، ذلك أن جذور المشكلة أبعد من ذلك العام، فقد كان كل من النظامين والدولتين اللتين شكلتا دولة الوحدة، يحمل في ثناياه سمات ومشكلات اجتماعية وسياسية وتاريخية مركبة مختلفة عن الأخرى، عمقتها فيما بعد طبيعة الأسس المرتجلة لقيام الدولة الجديدة والظروف المشحونة بالعواطف والآمال السائدة حينذاك. ففي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أنشئ نظام شمولي غير ديمقراطي مع حضور لقواعد الدولة والنظام السياسي والإداري المتماسك، بينما تأسست الجمهورية العربية اليمنية على قيم العصبية القبلية والثقافة الراديكالية النقيضة لقواعد ومتطلبات بناء الدولة العصرية الموحدة، فالانقلاب على الوحدة والدولة والديمقراطية وتكريس سيادة وهيمنة نظام الجمهورية العربية اليمنية هو نتاج حتمي وطبيعي لتمتع القبيلة كمؤسسة ونظام حكم لنفوذ وهيمنة طاغيين، إذ سيسجل التاريخ أن اشتداد الحملة على الجنوب والانقلاب على اتفاقات الوحدة إنما يندرج في إطار أزمة الوحدة لا أزمة السلطة، تلك الأزمة التي أفصحت عن تناقض الديكتاتورية العصبية بكل أشكالها مع مشروع دولة الوحدة كقيمة حضارية راقية. إن سيطرة حكم العائلة والقبيلة المرتكز على العصبية الأسرية والمذهبية والقبلية والعسكرية يعد نقضاً صريحاً لاتفاقية الوحدة المتفق عليها في مايو 1990.
إن شعارات «الوحدة أو الموت» وإجبار الجنوب على العيش تحت سقف ما يسمى «الثوابت»، والتهديد والوعيد والاستخدام الفعلي للقوة والعنف المنطلق من أوهام «عودة الفرع للأصل»، وانكفاء موقف القوى اليمنية في الشمال (الجمهورية العربية اليمنية) إزاء القضية الجنوبية، وتمترسها خلف ذات الشعارات أسوة بالنظام الحاكم، كل ذلك هو الذي أدى بالنتيجة إلى تعميق وازدياد مشاعر الرفض الشعبي العارم للوحدة في الجنوب، والقطع نهائياً مع أي آمال بإمكانية إصلاح ومعالجة الأزمة المتأصلة الجذور للوحدة.
كان إعلان نظام صنعاء الحرب على الجنوب في 27 أبريل (نيسان) 1994 من ميدان السبعين في صنعاء إعلاناً رسمياً عن انهيار الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. برهنت صنعاء على سعيها وتصميمها على إقصاء شعب الجنوب كشريك يتمتع بحقوق الشراكة المتساوية. ورغم نجاحها في كسب الحرب في 7-7-1994 إلا أنها في ذلك اليوم أسقطت كلية دولة الوحدة وحولتها إلى وحدة ضمٍ وإلحاق بالقوة.
لقد كانت الحرب وما مهد لها وما تلاها من وقائع وممارسات، ما زالت سارية المفعول حتى يومنا هذا، نقضاً صارخاً وتحدياً لا قانونياً لإرادة شعب الجنوب والمجتمع الدولي والإقليمي.
وكتعبير جلي عن الوحدة الوطنية الجنوبية، فقد عبر الشعب في الجنوب وكافة قواه المدنية والاجتماعية عن رفضه لكل تلك الممارسات الاحتلالية بقوة السلاح. لقد وضع شعب الجنوب تحت وطأة الاحتلال الشمالي الذي لا يمتُ لدولة الوحدة بأي صلة، وبالتالي هب الشعب في كافة أرجاء الجنوب، والمشهود له بالإباء والعزة للنضال الرافض للطغيان والقهر والاستبداد.
لقد ذهبت صنعاء بعيداً في تنفيذ مخططها في الاستيلاء على الجنوب أراضي وثروة، وإقصاء الشعب، ولجأت إلى عسكرة الحياة المدنية، فحلت دولة الجنوب وشردت قادتها وكوادرها وفككت كل المؤسسات المدنية والإدارية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، واستباحت ثرواته واستقطعت أراضيه الزراعية، وذهبت إلى طرد كل موظفي وعاملي القطاع المدني والعسكري واتبعت سياسات التجويع والإقصاء والتمييز العنصري للجنوبيين، ومحاولة طمس هوية شعب الجنوب، وبهذا النهج القسري استكمل نظام صنعاء تحقيق ما لم تنجزه الحرب فسحق ما تبقى من أطلال الوحدة موفراً الأسباب والأرضية لنشوء القضية الجنوبية، وتعبيراً أصيلاً عن الثقافة الرافضة للطغيان والمتأصلة في وعي ووجدان شعب الجنوب، فقد اندفع أبناء الجنوب ببسالة للانخراط والمشاركة في صفوف الحركة الشعبية السلمية المتصاعدة منذُ العام 2007. لقد أدرك شعب الجنوب أنه لا طريق لاستعادة كرامتهم وحقوقهم السياسية والمدنية وثرواتهم وأراضيهم وتأمين المستقبل الكريم للأجيال القادمة إلا من خلال النضال الشعبي السلمي والحضاري.
إن محاولات نظام صنعاء تمرير أساليبه التضليلية في محاولة توجيه نشاط التنظيمات الإرهابية في أراضي الجنوب ليست سوى أحد مظاهر المراوغة في التعامل مع أزمة الوحدة. إن تلك المغالطات لم تعد تجد من تنطلي عليه، ذلك أن الهدف من هذا الافتراء ليس إلا ابتزاز دول الجوار والمجتمع الدولي، وتشويشا على القضية الجنوبية ومنع أي تعاطف معها إقليمياً ودولياً.
إن كل الدلائل تشهد على أن خلايا تنظيم «القاعدة» في اليمن ترعرعت في أحضان أجهزة أمن نظام صنعاء الذي يحاول جاهداً اللعب بورقة إثارة هواجس الدول المجاورة والمجتمع الدولي، والمخاوف من عواقب تفكك وانهيار الدولة اليمنية الحالية على الأمن والسلم والاستقرار في هذه المنطقة والإقليم، إلا أن شعب الجنوب وحركته السلمية ومقاومته الوطنية الجنوبية وكيانه السياسي الانتقالي، يرفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله.
يقف اليوم المجلس الانتقالي الجنوبي امتداداً طبيعياً للحركة الشعبية السلمية والمقاومة الوطنية الجنوبية، بعد أن قام نظام صنعاء بقواه من حوثيين و«إخوان» بإشعال الحرب والقيام بغزو الجنوب في مارس (آذار) 2015. الأمر الذي هدد أمن المنطقة والإقليم، ودفع الوطنيين الجنوبيين بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي مع دول التحالف العربي لمجابهة ودحر هذا العدوان الغاشم المدعوم من الثلاثي الإيراني والتركي والقطري البائس.

* رئيس الدائرة السياسية بالمجلس الانتقالي الجنوبي



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم