قذاف الدم يتذكر الحلقة (3): علاقتنا بفرنسا ظلت بين شد وجذب لسنوات بسبب أفريقيا.. و«سوء تفاهم» أفشل مصالحة بشار ومبارك في 2010

أحمد قذاف الدم يروي لـ(«الشرق الأوسط») مسيرة نصف قرن مع معمر القذافي

قذاف الدم مع وزير دفاع الاتحاد السوفياتي لدى وصوله  إلى موسكو مطلع ثمانينات القرن الماضي
قذاف الدم مع وزير دفاع الاتحاد السوفياتي لدى وصوله إلى موسكو مطلع ثمانينات القرن الماضي
TT

قذاف الدم يتذكر الحلقة (3): علاقتنا بفرنسا ظلت بين شد وجذب لسنوات بسبب أفريقيا.. و«سوء تفاهم» أفشل مصالحة بشار ومبارك في 2010

قذاف الدم مع وزير دفاع الاتحاد السوفياتي لدى وصوله  إلى موسكو مطلع ثمانينات القرن الماضي
قذاف الدم مع وزير دفاع الاتحاد السوفياتي لدى وصوله إلى موسكو مطلع ثمانينات القرن الماضي

لم تكن علاقة ليبيا وفرنسا تسير على ما يرام على طول الخط، رغم التقارب الظاهري بين الرئيس السابق نيكولا ساركوزي والعقيد الراحل معمر القذافي، في السنوات الـ10 من الألفية الجديدة. إنها علاقة درامية بكل معنى الكلمة.. توجد معارك حربية واشتباكات دبلوماسية و«قفشات تفاوضية» وتعاون عسكري، وغيرها من التفاصيل التي استمرت منذ طرد القواعد الفرنسية من ليبيا بعد تولي القذافي الحكم عام 1969. وحتى عودة الطائرات الفرنسية لقصف حصون القذافي ضمن قوات حلف «ناتو» في 2011. كانت ليبيا تحارب وتدعم المقاتلين في أفريقيا ضد الوجود الفرنسي، خاصة في تشاد، في العقود الـ4 الماضية. وشارك أحمد قذاف الدم في بعض هذه المواجهات، لكنه رافق القذافي أيضا في رحلات كان من أطرفها رحلة موسكو، ومفاوضات كريت مع الرئيس فرنسوا ميتران، الذي ارتبط معه ومع أسرته بعلاقة خاصة يأتي تفصيلها في حلقة أخرى، إضافة لصداقته للزعيم اليوناني باباندريو، والتباس الأمر على القذافي في هذا الأمر فيما بعد، وكذا محاولة، فشلت في المهد، لإصلاح ذات البين بين الرئيسين بشار الأسد وحسني مبارك.

* الرئيس نيكولا ساركوزي تعاون معنا منذ كان وزيرا للداخلية..
ودافع عن ليبيا في المحافل الدولية.. وساعدنا في حل بعض المشاكل في الدول الأفريقية.. والقذافي طالبنا الاهتمام بهذا الرجل ومساعدته بكل الوسائل في الترشح
للرئاسة ليكون لنا صديقا
في قصر الإليزيه
* القذافي حوّل دفة اجتماع مع قيادات الحزب الشيوعي بحضور الرئيس السوفياتي بريجينيف للحديث عن الإسلام وضرورة الإيمان بالله.. واستغرق الأمر نصف ساعة وقال لهم إن الإلحاد يدل
على التخلف ثم تلا عدة آيات قرآنية وهو ينظر لـ«بريجينيف» قبل أن يهديه مصحفا باللغة الروسية

* معمر لم يستخدم هاتف الثريا في أيامه الأخيرة في سرت وقصة اتصاله بسوريا من هناك كانت للتمويه.. لكنه كان يجري مداخلات هاتفية مع إذاعات محلية خاصة إذاعة سرت ومع بعض القيادات داخل ليبيا.. لكن بالتأكيد لم يكن ذلك من المكان نفسه ولا بالوسيلة نفسها

* إذن مد الليبيون خيوط الود في باريس في إطار محاولة بدأت منذ 2004 للتصالح مع الغرب، فالتقطها ساركوزي، على ما يبدو، حين كان وزيرا للداخلية. ولا أحد يعرف إن كان ساركوزي هو من فعل ذلك عن عمد بوصفه رجل أمن فرنسيا، أم أن الليبيين هم الذين كانوا يتحكمون في إدارة ملف هذا الرجل الذي سيغير وجهه لأصدقائه القدامى في طرابلس، ويتحول إلى رأس حربة ضدهم في الهجوم العسكري مع «ناتو» بطائرات «رافال»، لمدة 8 أشهر.
ومنذ تسليم ليبيا لبرنامجها النووي، ووقفها لمشروع بناء صواريخ عابرة للقارات، في مطلع الألفية، ومع صعود نجم سيف الإسلام نجل القذافي، لوحظ أنه كان هناك انفتاح بين ليبيا والغرب، فهل كان انفتاحا حقيقيا؟ يقول أحمد قذاف الدم: «نحن كنا نظن أنه حقيقي، لكنه اتضح فيما بعد أنه لم يكن حقيقيا.. كنا واثقين في كلام الغرب، لكن معمر لم يكن يثق في كلامهم. معمر لم يُخدع، ولكننا نحن خُدعنا».
حسنا. وهل تولد لديك، في أي لحظة، من خلال مقابلاتك بالرئيس ساركوزي، أنه يمكن أن يأتي يوم ويتحول إلى رأس حربة ضد ليبيا، كما حدث في 2011؟ يجيب قذاف الدم بشكل قاطع قائلا: «لا.. لا.. نحن علاقتنا بساركوزي كانت منذ أن كان وزيرا للداخلية. كان رجلا متعاونا معنا، والأخ معمر قال: لا بد من الاهتمام بهذا الرجل، وواجب أن يترشح للرئاسة ليكون لنا صديق في الإليزيه. وقتها كنا نحن نبني الاتحاد الأفريقي.. كنا مقبلين على قيام الحكومة الأفريقية الواحدة، ولا بد من تحييد فرنسا. وجرى دعم ساركوزي من ليبيا بكل الوسائل».
وهل يعني ذلك أن ليبيا ساهمت في تمويل حملة ساركوزي الانتخابية في 2007 كما قيل. ويرد قذاف الدم قائلا: كل الدول تساهم في مثل هذه الحملات الانتخابية في الغرب.. في أوروبا كلهم يأخذون أموالا، وساركوزي ليس استثناء.. هذا أمر معتاد في أوروبا وفي الغرب وفي أميركا أيضا. هذه أمور تقوم بها الشركات والأفراد والدول كذلك، وليس ليبيا فقط.. المهم أن ساركوزي كان صديقنا، ودعانا إلى فرنسا، وبقينا أياما كثيرة عنده في باريس، سواء قبل أن يصبح رئيسا أو بعدها.. وخلال تلك الفترة دافع عن ليبيا في المحافل الدولية، وساعد معنا في حل بعض المشاكل في الدول الأفريقية التي كانت تعترض على فكرة الاتحاد الأفريقي، وكان ولاؤها ما زال لفرنسا، وقام بدور إيجابي في هذا الصدد. أما الذي حدث بعد ذلك، فهذا سؤال يجيب عنه هو.
وفي الحقيقة، بدأت المشاكل الليبية التشادية، أو بالأخرى الدعم الليبي لجانب من التشاديين، منذ أيام الملك الليبي والحركة السنوسية التي كانت تنشر دعوتها الدينية فيما كان يُعرف باسم «السودان الأوسط». لكن الأمر سيتطور ويتجاوز المسألة التشادية إلى محاولة لإعادة تركيبة القارة السوداء على أيدي الليبيين، الذين قدموا مساعدات مالية وعسكرية أغضبت الغرب، وفي القلب منه الفرنسيون، حتى أيام الرئيس فاليري جيسكار ديستان، كما يرد في حلقة منفصلة، تخص رهان ليبيا على هزيمة ديستان الذي دعمه السادات، وفوز ميتران الذي دعمه القذافي. وكان والد أحمد قذاف الدم هو الضابط المسؤول عن القطاع العسكري الليبي في جنوب البلاد. وكانت ليبيا وقتها تدعم مسلمي تشاد في الشمال، الذين يشكلون الأغلبية في البلاد.
ويواصل قذاف الدم قائلا: أذكر أن السلطان «واداي»، والد الرئيس التشادي كوكوني واداي فيما بعد (في المدة من 1979 إلى 1982)، جاء إلى سبها، وبقي عندنا في بيتنا لعدة شهور.. وكنا نقدم له الدعم والمساندة، وبعد قيام الثورة في ليبيا بقيادة القذافي، أصبحت مساعداتنا لهم تُقدم بزخم أكبر. وفي ذلك الوقت، كان الغرب يريد أن ينصِّب رئيسا مسيحيا في تشاد، هو فرنسوا تومبال باي، وكنا نقول: كيف يحكم رجل مسيحي أغلبية مسلمة؟ أضف إلى ذلك أن التقارير والمعلومات التي كانت ترد لنا كانت تشير إلى أن «تومبال باي»، أول رئيس لتشاد بعد استقلالها عام 1960، المدعوم أساسا من فرنسا، كان يتعامل مع المسلمين التشاديين باحتقار.. وأيضا لأننا في طرابلس كنا نرى أن جنوب ليبيا، على طول الحدود مع تشاد، مهدد، لأن الاستعمار الفرنسي بقي في تشاد، وأصبح الدفاع عن مصالحنا وموجهة هؤلاء، معركة واجبة.
ويضيف قذاف الدم قائلا: ولذلك قدمنا لأنصار كوكوني واداي الدعم والمساندة وغير ذلك.. خاصة عندما وجدنا أن القوات الفرنسية ما زالت موجودة داخل تشاد، رغم إعلان استقلالها منذ سنوات.. كانت موجودة وتقاتل مع الطرف الآخر، بل تقوم بمساعدة حسين حبري في انقلابه على الرئيس واداي.. هنا تدخلت القوات الليبية مجددا، وطردت حبري، ونصّبت الرئيس الحالي إدريس دبي، وهو الرئيس الذي ما زال يحكم تشاد حتى هذه الساعة.
وخلال المعارك التي ظلت مستعرة بين الليبيين والفرنسيين في تشاد، في ثمانينات القرن الماضي، التقى قذاف الدم في إحدى المناسبات الدولية مع الرئيس ميتران، وتبادلا الحديث عمن المخطئ ومن المتسبب في الاقتتال الدائر على الأراضي التشادية. ويقول موضحا: «أذكر مرة أنني التقيت الرئيس الفرنسي، فقال لي: لماذا ترسلون قواتكم إلى تشاد؟ فقلت له: رأينا الطائرات الفرنسية تطير عبر البحر من فرنسا إلى تشاد، لكي تقاتل وتموت هناك، فقلنا أكيد هناك شيء مهم في تلك المنطقة».
ويضيف أن «الرئيس الفرنسي ابتسم ثم أخذ يضحك، وقال لي: هذا منطق أيضا.. وقلت له: سيادة الرئيس، أرفعوا أيديكم عن تشاد، ونحن نرفع أيدينا عنها.. أما وجودكم في تشاد، فإما أن نتعاون لكي نقيم نظاما مستقرا للتشاديين، أو نتقاتل.. ونحن فُرضت علينا هذه المعركة».
ويقول إنه بعد ذلك جرى عقد لقاء في جزيرة كريت في البحر المتوسط بين فرنسا وليبيا، وحضر اللقاء الرئيس ميتران والعقيد القذافي.. و«جرى الاتفاق على التقسيم في تشاد، عند خط عرض 16. بحيث لا تدخل القوات الفرنسية في تشاد شمال هذا الخط، ولا تتجاوزه القوات الليبية في تشاد نحو الجنوب، واستمر هذا الاتفاق لفترة معينة، لكن للأسف جرى اختراقه، ولا أستطيع أن أجزم الآن من السبب في خرق هذا الاتفاق».
على أي حال، الليبيون لم يكونوا راضين عن الوقوف في منتصف الطريق، وكانوا يرون أن قضية الحرية لا تتجزأ: «ولا ينبغي أن نتنازل عن حقنا، وكان السؤال لدينا هو: ماذا جاء بفرنسا الاستعمارية لهذا المكان؟ كانت هذه الروح، وهذا الحماس، هو الذي يسيطر على مجريات الأمور في ذلك الوقت. وهزمنا طبعا في معارك، وانتصرنا في معارك، لكننا قمنا بواجبنا كما ينبغي».
وفي السنوات التالية من فترة الثمانينات، لم تكن الخلافات بين القذافي وفرنسا فقط، بل اتسعت لتشمل كثيرا من دول الغرب، وكان أبرزها قضية «لوكيربي» والقصف الأميركي لمقر حكم القذافي، وغيرها، مع أن الغرب لم يكن في بداية تولي القذافي الحكم ينظر إليه تلك «النظرة الشريرة». وكان محل تقدير من جانب فرنسا أيام الرئيس جورج بومبيدو، الذي حكم فرنسا من سنة 1969 حتى وفاته في 1974، وهي الفترة التي شهدت في عهده شراء ليبيا للأسلحة الفرنسية لصالح الجيش المصري الذي لم تكن سوق السلاح الغربي قد فُتحت أمامه بعد، كما جاء في شهادة قذاف الدم في هذه الحلقات.
ومنذ السنة الأولى من الثمانينات، حيث كانت الخلافات مع الغرب تتزايد يوما بعد يوم، بدأ القذافي يرسخ من التوجه الليبي ناحية الاتحاد السوفياتي (روسيا حاليا)، ويقول قذاف الدم إن معمر تحدث وقتها معلقا على الزيارة التي كان يعتزم القيام بها إلى موسكو في ذلك الوقت: «طالما أن أميركا اتجهت ناحية إسرائيل، فنحن اتجهنا إلى الاتحاد السوفياتي». ويضيف أن العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، أو روسيا فيما بعد، لم تكن بتلك القوة التي قد يظنها البعض، لأن القذافي كان يرى أنها، كأي دولة كبرى، لديها طموحات وأطماع، وفي عهد الاتحاد السوفياتي تحديدا.. «حتى علاقتنا بالرئيس السوفياتي ليونيد بريجينيف كانت شدا وجذبا».
ويقول: «الأخ معمر توجه إلى الاتحاد السوفياتي، لكنه كان ضد الشيوعية، وكان عندما يذهب إلى موسكو يشترط أن يصلي في مسجد بعينه بالعاصمة، وللأسف كان مسجدا مهجورا، ولذلك كان يُفتح له خصيصا، ويقوم العمال بأشغال النظافة حول المسجد وتجهيزه لصلاة القذافي.. كما أن معمر كان يحرص على أن يكون سفره إلى موسكو يوم خميس، بحيث يصلي الجمعة في ذلك المسجد بموسكو». ويضيف أنه «في أكثر من مرة، بحضور بريجينيف وقيادات الاتحاد السوفياتي السابق، احتج الأخ معمر داخل اجتماع رسمي للوفدين الليبي والسوفياتي، في الكرملين، على احتلال أفغانستان، وقال في أحد الاجتماعات: احتلالكم لكابل كاحتلالكم لطرابلس. كان هذا في بداية الثمانينات، وقال أيضا: أفغانستان دولة مسلمة وأنتم الآن اعتديتم عليها».
ويضيف قذاف الدم الذي كان حاضرا الاجتماع أن بريجينيف دافع طبعا عن موقف موسكو، وقال: «لو تركنا الأمر فإن الأميركان سيأتون إلى هنا ومحاصرتنا في منطقتنا».. كان حوارا طويلا عريضا. وحين حان موعد صلاة المغرب، قطع الأخ معمر الاجتماع، وذهب ليصلي، ثم رجع.. وعندما عاد بدأ يتحدث مع قيادات الحزب الشيوعي، بحضور بريجينيف، عن الإسلام، ويشرح لهم رسالة محمد (عليه الصلاة والسلام)، وكان يبدو على وجوه القادة السوفيات، وكلهم شيوعيون، أن هذه القضية لا تعنيهم.. وكنت أنا موجودا، ومع ذلك استمر حديث القذافي عن الإسلام نحو نصف ساعة من الاجتماع.
وقال القذافي خلال الاجتماع أيضا: «كيف للإنسان ألا يؤمن بوجود الله؟ إذا لم نؤمن بوجود الله، فما هو الوازع الذي يمنعنا من ارتكاب أي حماقة أو جريمة؟»، وقال كذلك: «إن كل هذه الديانات؛ المسيحية والإسلام واليهودية، جاءت من منبع واحد، وإن عدم الإيمان بالله لا يعني أن الله غير موجود، وأن الإلحاد يدل على التخلف لدى الشعوب».
ويضيف قذاف الدم أن «العقيد القذافي كان يعلم بالمقولة المنسوبة للشيوعيين، التي تقول إن الدين أفيون الشعوب، فتوقف عند هذه النقطة، وهو ينظر إلى الرئيس بريجينيف، وإلى قيادات الدولة من الحزب الشيوعي، وهنا قال القذافي: نعم.. قد تكون هناك انحرافات في تفسير بعض الأديان، لكن الأصل هو عبادة الله والإيمان به وبكتبه ورسله».
ويضيف أحمد قذاف الدم أن القذافي قام عند هذه النقطة بقراءة عدة آيات قرآنية عن فضائل الإيمان بالله، ثم قدم للرئيس بريجينيف، الذي كان جالسا في الجانب الآخر، مصحفا باللغة الروسية.
وماذا كان رد فعل الرئيس بريجينيف ومن معه من قيادات الحزب الشيوعي السوفياتي؟ يجيب قذاف الدم قائلا: «هم كانوا يحترمون الأخ معمر احتراما كبيرا، وكان يأتي للمطار كل قيادات الاتحاد السوفياتي لاستقباله. وكانوا معجبين جدا بشخصيته وجرأته ووضوحه.. لكن لم يكن لدينا مع السوفيات قواعد ولا اتفاقيات دفاع مشترك، وهذا في الحقيقة افتقدناه في الأزمة الأخيرة التي وقعت في عام 2011 وقيام حلف (ناتو)، باستهداف معسكرات الجيش الليبي وتدميرها».
وعن الأقاويل التي انتشرت قبل عدة سنوات عن أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، عمل مستشارا للقذافي، وعما إذا كان مستشارا حقا أم مجرد صديق»، يقول قذاف الدم: «في الغرب شيء طبيعي أن يعمل شخص لديك بعد أن يترك وظيفته.. لو تريد أن يعمل لديك الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد أن يترك الرئاسة، فهذا ممكن، مقابل أجر، ومن الممكن أن تستعين بأي أحد منهم بأن يلقي محاضرة أو يعمل عملا أو يمثلك في أي مكان بمقابل مادي، فهذا أمر طبيعي. بلير كان متحمسا للأخ معمر، ولم يظهر أي عداء تجاه ليبيا في الأزمة الأخيرة، في الحقيقة، عكس الآخرين».
ويضيف: «كانت تربطني علاقات خاصة وقوية أيضا مع عدد من كبار المسؤولين في أوروبا.. هناك على سبيل المثال برونو كرايسكي رئيس وزراء النمسا حتى الثمانينات، الذي يرد ذكره في هذه الحلقات بوصفه أكثر الشخصيات الأوروبية مساعدة لليبيا في تلك الفترة، وكذا فيليب غونزالس رئيس وزراء إسبانيا في التسعينات، الذي كان يقول لنا عن نفسه إنه من أصول عربية، والزعيم اليوناني باباندريو، الذي زار قذاف الدم منزله في اليونان عدة مرات، بينما كان القذافي يعتقد أن على الصداقة ليست بين الشيخ باباندريو، والشاب أحمد قذاف الدم، وإنما مع ابنه الذي يحمل الاسم نفسه؛ باباندريو الابن».
ويتذكر قذاف الدم قائلا: «باباندريو الأب كان رجل رائعا.. طبعا ربطته علاقة جيدة بالأخ معمر، وكان يعتقد أنني أزوره أحيانا لأنني صديق ابنه، بينما أنا كنت صديق الأب نفسه. وفي إحدى السنوات في القمة العربية بشرم الشيخ، عام 2003. وكان حاضرا عن أوروبا وزير خارجية اليونان جورج باباندريو، أي ابن باباندريو الكبير، وكان الابن يبدو كبيرا في السن أيضا ويشبه والده.. وفوجئت بالأخ معمر يستدعيني، وكان في لقاء خاص في الغرفة، بينما كنت في قاعة الاجتماعات، وقال لي: ها هو صاحبك باباندريو، فسلمت عليه وقلت لمعمر: ليس هذا هو صاحبي بل أبوه.. وهنا أدركت أن معمر كان يعتقد أن علاقتي بابن باباندريو، وقلت له إن صديقي هو والده.. فاستغرب، وقال كيف هذا؟ بينما ابتسم باباندريو الابن، وقال: نعم، أتذكر أن الأخ أحمد كان يزور والدي في اليونان (أي حين كان قذاف الدم في العشرينيات من العمر)».
أما في القمة العربية في سرت في عام 2010، فقد جرت ملابسات كثيرة، أهمها تلك التي تخص الاتصالات التي أجراها بشار الأسد من أجل زيارة الرئيس مبارك في ذلك الوقت، أي حين عاد مبارك للقاهرة بعد إجراء عملية جراحية في ألمانيا.. وكانت العلاقات بين مصر وسوريا ليست على ما يرام. ويقول: «أشار الأخ معمر على الرئيس بشار أن يمر على الرئيس مبارك.. وليستغل هذه الفرصة. وقال له: لماذا لا تمر على القاهرة وتقوم بزيارة الرئيس مبارك.. أنت تعلم أنه رجع من عملية جراحية، زيارتك ستكسر الجليد بين مصر وسوريا».
ويبدو أن الرئيس بشار اقتنع، فطلب أن يمر على القاهرة، وهو في طريقه من سرت إلى دمشق، وبدأت الرئاسة السورية تجري الاتصالات مع المراسم المصرية، ونظرا للحالة الصحية للرئيس مبارك جرى إخطار بشار، عن طريق المراسم المصرية، بأن يكون مروره في يوم معين على الساعة الـ11 صباحا، وأن يقوم بكذا وكذا، أي تعليمات بخصوص ترتيب الزيارة، وذلك لمراعاة الظروف الصحية للرئيس.. ويقول قذاف الدم إنه يبدو أن هذا الأسلوب استفز الرئيس بشار، ويبدو أنه قال لنفسه إنه يريد أن يأتي لزيارة مريض، فكيف يقولون له الساعة كذا واليوم كذا؟!
ويضيف أن بشار الأسد بدا عليه الاستياء، وهو ما زال في سرت، ويظهر أنه فسر الأمر في حينه بأنه عدم رغبة من جانب المصريين في زيارته، وبعد أن سافر إلى دمشق، دون أن يمر على القاهرة، تدخل القذافي مرة أخرى، وقال إن «المراسم المصرية ربما قامت بهذا، لأنها كانت تعمل وفقا لتعليمات من الطبيب الخاص بمبارك، وأن بشار عليه أن يتفهم الأمر، لأن الرئيس المصري مريض.. لكن للأسف، هذا الأمر ضاعف المشكلة، بدلا من أن يحلها، رغم أن الرئيس مبارك يكن احتراما كبير لسوريا لوقوفها مع مصر في حرب 1973، وما كان ينبغي أن يكون هناك خلافات بين البلدين».
على أي حال سافر الرئيس السوري إلى بلاده، ويقول قذاف الدم: «بعد ذلك سافرت إلى سوريا والتقيت بالرئيس بشار.. وكان ما زال مقتنعا بتفسيره الخاص لرد المراسم المصرية، وهو أن (الجانب المصري لا يريدنا أن نزور مبارك في القاهرة، ولا يريدون استقبالنا)».
ويضيف قذاف الدم: «أنا قلت له: لا.. بالعكس. حتى نحن حدث معنا الموقف نفسه، حين طلبنا زيارة مبارك، وقالوا لنا إن موعد الزيارة الساعة الـ11 صباحا، والتزمنا بالموعد.. وقلت له (لبشار) إن صحة الرئيس مبارك ما كانت تسمح، وانتهى الموضع على ذلك.. على أي حال، أحيانا تحدث خلافات بين العرب، وهي لا تستحق، علاوة على الفتن بين الدول العربية والتسريبات وعمل المخابرات والمعلومات التي تأتي من هنا وهناك».
وتعامل قذاف الدم كثيرا مع بشار الأسد، وتدخل في فترات كثيرة لإصلاح الأمور التي تضطرب أحيانا بين سوريا والأردن، أو سوريا والفلسطينيين، كما يظهر تفصيل بعضها في هذه الحلقات. ويصف قذاف الدم بشار الأسد بأنه «شاب ثوري، فاجأنا كلنا بقدرته على ممارسة العمل، وبقدرته على الإمساك بزمام الأمور.. سوريا بلد ليس نفطيا، يصدر القمح والدواء، والشعب يعيش، لكن بطبيعة الحال ليس بالشكل الذي كان يطمح إليه، لأنه كان مقيدا بأشياء كثيرة؛ تركة والده، وتراكم سنين، وحروب وصراعات، ومع ذلك، استقبل في بلاده 4 ملايين لاجئ عراقي.. استضافوهم وتقاسموا معهم رغيف الخبز. وفي لبنان، عندما طلب اللبنانيون سحب قواته من لبنان قام بسحبها.. ولديه علاقات بكل الأطراف اللبنانية».
ويزيد قائلا إن بشار الأسد «حاول أن يصحح الأخطاء التي وقعت في عهد أبيه، أو يمتص هذه الاحتقانات.. كانت لديه رغبة في التطوير وتحقيق طموحات الجيل الجديد، لكن لم تكن لديه إمكانية لتوفير ما يريده الناس، وأنت تعرف أن سقف الجماهير مرتفع دائما. وكل الناس لا تعرف كثيرا من الحقائق التي تدور في هذا البلد أو ذاك».
لكن قيل إن القذافي تواصل بالهاتف مع أطراف خارجية منها في سوريا، أثناء محاصرته في سرت وقبيل مقتله هناك في خريف 2011. هل لديك أي معلومات بهذا الشأن؟ يجيب قذاف الدم قائلا: «لا.. لا، هذا غير صحيح بالمرة.. بالتأكيد كانت هناك طرق مختلفة للتواصل، لكن مثل هذه القصص التي كنا نسمعها ما هي إلا محاولات في ذلك الوقت للتمويه، حتى لا يصل العدو لمكانه.. والغرب عجز طيلة 8 أشهر عن تحديد مقر إقامته، ولولا كل تلك الاحتياطات لما استطاع أن يبقى كل ذلك الوقت».
ويضيف: «الحقيقة أن القذافي أجرى في أواخر أيامه في حصار سرت مداخلات هاتفية مع بعض الإذاعات المحلية هناك، خاصة إذاعة سرت، ومع بعض القيادات، داخل ليبيا، لكن بالتأكيد ليس من المكان نفسه ولا بالوسيلة نفسها.. معمر رجل عسكري، وكان معه في سرت قيادات عسكرية، وهو ليس بتلك السذاجة أو البساطة، لكي يتصل من مكان محدد من هاتف الثريا مثلا، بينما كان يعلم أنه مرصود، وأن ليبيا كلها تحت المجهر».

الحلقة (2) قذاف الدم يتذكر: الحسن الثاني وضع مبارك والقذافي في غرفة وأغلق عليهما الباب لتسوية خلافاتهما
لحلقة (1): قذاف الدم يروي لـ«الشرق الأوسط» بداية التوتر بين السادات والقذافي.. واجتماع ميت أبو الكوم


الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)

فيما تواصل الجماعة الحوثية تجاهل الدعوات الدولية المطالِبة بوقف ملاحقة موظفي المنظمات الدولية والإغاثية، كشفت مصادر قضائية عن استعداد الجماعة لإحالة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة والعاملين لدى منظمات إغاثية دولية ومحلية، إضافة إلى أفراد من بعثات دبلوماسية، إلى المحاكمة أمام محكمة متخصصة بقضايا «الإرهاب».

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان محامٍ يمني بارز، تولّى منذ سنوات الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقاله ووضعه في زنزانة انفرادية منذ 3 أشهر، وفق ما أفاد به أفراد من أسرته.

وقالت المصادر القضائية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة بدأت فعلياً بمحاكمة 3 دفعات من المعتقلين، أُصدرت بحقهم حتى الآن أحكام إعدام بحق 17 شخصاً، في قضايا تتعلق باتهامات «التجسس» والتعاون مع أطراف خارجية. وأوضحت أن التحضيرات جارية لإحالة دفعة رابعة، تضم موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني، إلى المحاكمة خلال الفترة المقبلة.

العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية مهددون بأوامر الإعدام الحوثية (إعلام محلي)

وبحسب المصادر نفسها، فإن الحوثيين نقلوا العشرات من المعلمين والنشطاء في محافظة إب إلى العاصمة صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لمحاكمتهم، بعد أشهر من اعتقالهم. وأكدت أن جهاز مخابرات الشرطة، الذي يقوده علي الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بدأ بنقل أكثر من 100 معتقل من إب إلى صنعاء، عقب فترات تحقيق مطوّلة داخل سجن المخابرات في المحافظة.

وأشارت إلى أن المعتقلين حُرموا من توكيل محامين للدفاع عنهم، كما مُنعت أسرهم من زيارتهم أو التواصل معهم، رغم مرور أكثر من 6 أشهر على اعتقال بعضهم، في مخالفة صريحة لأبسط ضمانات العدالة والإجراءات القانونية.

دور أمني إيراني

وفق ما أفادت به المصادر في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، فإن خبراء أمن إيرانيين تولّوا الإشراف على حملات الاعتقال الواسعة، التي انطلقت بذريعة منع الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، التي أطاحت بحكم أسلاف الحوثيين في شمال اليمن. وانتهت تلك الحملات باعتقال العشرات بتهم «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأضافت أن إحكام القبضة الإيرانية على ملف المخابرات لدى الحوثيين، جاء في إطار احتواء الصراعات بين الأجهزة الأمنية المتعددة التابعة للجماعة، إلى جانب الإشراف على خطط تأمين قياداتها السياسية والعسكرية.

غير أن هذا الترتيب، بحسب المصادر، أدى إلى إغلاق معظم قنوات الوساطة القبلية التي كانت تُستخدم سابقاً للإفراج عن بعض المعتقلين، مقابل دفع فِدى مالية كبيرة وتقديم ضمانات اجتماعية بحسن السيرة.

إضراب محامي المعتقلين

في سياق هذه التطورات القمعية الحوثية، أعلن المحامي اليمني المعروف عبد المجيد صبرة، الذي تولّى الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، إضراباً عاماً عن الطعام، احتجاجاً على استمرار احتجازه منذ نهاية سبتمبر الماضي. ونقل شقيقه وليد صبرة، في نداء استغاثة، أنه تلقى اتصالاً مقتضباً من شقيقه أبلغه فيه ببدء الإضراب، وبأن إدارة سجن المخابرات أعادته إلى الزنزانة الانفرادية.

دفاع صبرة عن المعتقلين أغضب الحوثيين فاعتقلوه (إعلام محلي)

وأوضح وليد صبرة أن سبب اعتقال شقيقه يعود إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي احتفى فيه بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر، مؤكداً أن الأسرة لا تعلم شيئاً عن وضعه الصحي، وأن طلباتهم المتكررة لزيارته قوبلت بالرفض. وتساءل عن مصير الفريق القانوني الذي كلفته نقابة المحامين بمتابعة القضية، وما إذا كان قد تمكّن من معرفة مكان احتجازه أو الجهة المسؤولة عنه.

وأثار إعلان الإضراب موجة تضامن واسعة، حيث عبّر عشرات الكتّاب والنشطاء عن دعمهم للمحامي صبرة، مطالبين بالإفراج الفوري عنه، وضمان حقه في الزيارة والرعاية الطبية.

كما ناشدوا نقابة المحامين، واتحاد المحامين اليمنيين والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، التدخل العاجل لحماية حياته، باعتباره أحد أبرز المدافعين عن الحريات والحقوق، وعن الصحافة والصحافيين، وعن المعتقلين والمختفين قسرياً، والمحكوم عليهم بالإعدام في مناطق سيطرة الحوثيين.


العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
TT

العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على أن الاستقرار السياسي يُعد شرطاً أساسياً لنجاح أي إصلاحات اقتصادية، في ظل تداعيات قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، مشيداً في الوقت ذاته بجهود تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظات شرق البلاد.

جاءت تصريحات العليمي، الأحد، خلال اتصال أجراه بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، للاطلاع على المستجدات الاقتصادية والنقدية، والتداعيات المحتملة لقرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، على خلفية الإجراءات الأحادية التي شهدتها المحافظات الشرقية في الأيام الماضية.

ونقل الإعلام الرسمي اليمني عن مصدر رئاسي أن العليمي استمع إلى إحاطة من محافظ البنك المركزي حول مستوى تنفيذ قرارات مجلس القيادة، وتوصياته الهادفة لمعالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، إضافة إلى عرض للمؤشرات المالية والنقدية، والجهود المطلوبة لاحتواء تداعيات القرار الدولي على استقرار سعر الصرف، وتدفق الوقود والسلع، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأضاف المصدر أن الاتصال تطرق إلى تقييم شامل للأوضاع الاقتصادية الراهنة، وما يفرضه تعليق أنشطة صندوق النقد من تحديات تتطلب تنسيقاً حكومياً عاجلاً للحفاظ على الاستقرار سواء المالي أو النقدي، وضمان استمرار التزامات الدولة تجاه المواطنين.

وكانت مصادر يمنية رسمية ذكرت أن صندوق النقد الدولي قد أعلن تعليق أنشطته في اليمن، عقب التوتر الأمني في حضرموت والمهرة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أثار مخاوف من انعكاسات اقتصادية محتملة، في وقت تعتمد فيه الحكومة اليمنية على الدعم الخارجي والمؤسسات الدولية في تنفيذ برامج الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.

إشادة بمساعي التهدئة

أفاد المصدر الرئاسي اليمني - حسب ما نقلته وكالة «سبأ» بأن العليمي أشاد بالمساعي التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة، مثمناً دعم الرياض للموازنة العامة، وتعزيز صمود مؤسسات الدولة، واستمرار الوفاء بالالتزامات الحتمية تجاه المواطنين.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن يحرسون مدخل القصر الرئاسي (رويترز)

وأشار المصدر إلى أن العليمي عدّ إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن بمثابة «جرس إنذار»، يؤكد ارتباط الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار السياسي، ويبرز أهمية توحيد الجهود لتفادي انعكاسات سلبية على الوضعين المالي والمعيشي.

كما جدّد رئيس مجلس القيادة التأكيد على أن الانسحاب الفوري للقوات الوافدة كافة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة يُمثل الخيار الوحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، واستعادة مسار النمو والتعافي، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين والمؤسسات الدولية.

توحيد الجهود

يأتي اتصال العليمي بمحافظ البنك المركزي عقب لقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي (رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي) في العاصمة المؤقتة عدن بقيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية، برئاسة اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي.

وكان اللقاء ناقش - حسب الإعلام الرسمي اليمني - سُبل توحيد الجهود في مواجهة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة والإقليم، وتمس المصالح الدولية، وتهدد حرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لوقف تهريب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.

اجتماع وفد عسكري سعودي إماراتي في عدن مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (سبأ)

وأكد الزُّبيدي خلال اللقاء عمق ومتانة العلاقات الأخوية مع دول التحالف، مثمناً الدور الذي تقوم به في دعم القوات المسلحة، ومواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

وعقب هذا اللقاء كانت القيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي عقدت اجتماعها الدوري برئاسة الزبيدي، واستعرضت نتائج اللقاء مع قيادة القوات المشتركة للتحالف، وما خرج به من تفاهمات لتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط الملاحة وحماية الأمن البحري، إضافة إلى الأوضاع في وادي حضرموت والمهرة، والجهود المبذولة لتطبيع الأوضاع، وحفظ السكينة العامة.


«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

أغلقت الجماعة الحوثية خلال الشهر الماضي 98 منشأة ومتجراً متنوعاً في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في سياق تصعيدها لحملات الدهم والإغلاق وفرض الإتاوات التي تستهدف كبار التجار وأصحاب المتاجر الصغيرة على حد سواء، لإرغامهم على دفع جبايات مالية وعينية تحت مسميات متعددة، تُفاقم من هشاشة الاقتصاد المحلي، وتزيد من معاناة السكان.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن تنفيذ نحو 40 لجنة ميدانية تتبع ما يُسمى مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، عدة نزولات خلال 4 أسابيع، استهدفت بالدهم والإغلاق وفرض الإتاوات ما يقارب 683 منشأة تجارية في أحياء متفرقة من صنعاء، شملت أسواقاً مركزية، ومحال بيع بالتجزئة، ومطاعم ومخازن.

وأقرّ تقرير أولي صادر عن مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين بأن القائمين على الحملة أغلقوا خلال 30 يوماً نحو 98 منشأة ومتجراً، وأصدروا 227 تعميماً، ونحو 110 إشعارات حضور، وأحالوا 55 مخالفة إلى النيابة التابعة للجماعة، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية وغرامات مالية بحق 190 منشأة بزعم ارتكاب مخالفات.

عناصر حوثيون خلال دهم أحد المتاجر في صنعاء (فيسبوك)

ويزعم الحوثيون أن حملاتهم تهدف إلى ضبط الأسعار، ومكافحة الغش التجاري والاحتكار، والتصدي لمواد مخالفة للمواصفات أو منتهية الصلاحية، ونقص الأوزان، ورفض التفتيش، وغيرها من المبررات التي يرى التجار أنها تُستخدم غطاءً لابتزازهم وجباية الأموال بالقوة.

مضايقات متكررة

واشتكى تجار في صنعاء، تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من تكرار المضايقات الحوثية بحقهم، مؤكدين أن الجماعة تواصل شن حملات واسعة لجمع إتاوات نقدية وعينية تحت تسميات عدة، أبرزها تمويل ما تُسمى الوقفات المسلحة، وحملات التعبئة والتجنيد الإجباري، ودورات «طوفان الأقصى» العسكرية، تحت مزاعم الاستعداد لما تصفه بمعارك مرتقبة مع إسرائيل وأميركا.

وأكد تجار أن فرض مزيد من الجبايات يتزامن مع تراجع حاد في النشاط التجاري وكساد البضائع وارتفاع النفقات التشغيلية، ما يجعل كثيراً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة مهددة بالإفلاس أو الإغلاق القسري، في ظل غياب أي حماية قانونية أو بيئة أعمال مستقرة.

جرافة حوثية تعتدي على باعة أرصفة بالقرب من متاجر في صنعاء (إعلام حوثي)

ويقول «خالد» (اسم مستعار)، وهو تاجر مواد غذائية في حي السنينة بمديرية معين، إن عناصر حوثية مسنودة بعربات أمنية اقتحمت متجره، وأرغمته على دفع 10 آلاف ريال يمني (الدولار نحو 535 ريالاً) بحجة الإسهام في تمويل أنشطة الجماعة الحالية لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جدد. ويوضح أن المبالغ المفروضة تُحدد تقديرياً بناءً على حجم البضائع، دون أي معايير قانونية واضحة.

من جهته، يؤكد صاحب متجر صغير في حي شميلة بمديرية السبعين، لـ«الشرق الأوسط»، تكثيف مسلحي الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة من استهداف التجار وصغار الباعة في سوق شميلة المركزية، لإجبارهم على دفع إتاوات غير قانونية.

ويشير إلى أن متجره تعرّض للدهم منتصف الشهر الماضي، وأُجبر بالقوة على دفع مبلغ مالي بزعم وجود مخالفات سابقة، قبل أن يصادر المسلحون أصنافاً غذائية من متجره نتيجة عجزه عن السداد، بذريعة دعم المقاتلين في الجبهات.

تدهور اقتصادي

تأتي هذه التطورات في وقت كشف فيه تقرير دولي حديث عن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في ظل تصاعد حملات الجباية التي تستهدف الأنشطة التجارية، ما يُعمِّق أزمة انعدام الأمن الغذائي ويقلّص قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

ووفقاً لتقرير صادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة يواصل التراجع بوتيرة عالية، بفعل الحملات المتكررة التي تطول المطاعم والمتاجر والفنادق وبقية القطاعات، ولا تقتصر على فرض رسوم إضافية فحسب، بل تشمل تشديد القيود التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق عدد من المنشآت الصغيرة.

وحذّر التقرير من أن استمرار هذا النهج سيُضعف قدرة الأسر على الحصول على الغذاء حتى بالتقسيط، الذي شكّل خلال السنوات الماضية ملاذاً أخيراً لمواجهة الضائقة المعيشية، متوقعاً زيادة حدة انعدام الأمن الغذائي في ظل استمرار الجبايات وتراجع المساعدات الإنسانية أو توقفها.