مَن يحكم تونس بعد استقالة الشاهد؟

فسيفساء سياسية وانقسامات جديدة عشية الانتخابات الرئاسية

مَن يحكم تونس بعد استقالة الشاهد؟
TT

مَن يحكم تونس بعد استقالة الشاهد؟

مَن يحكم تونس بعد استقالة الشاهد؟

أربك تخلّي رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد عن منصبه، وإعلانه التفرغ لحملته الانتخابية الرئاسية، السباق نحو قصر قرطاج، والمتابعين لتطوّرات المشهد السياسي في تونس. وما زاد الإرباك أن هذا القرار تزامن مع الجدل حول توظيف بعض الأطراف السياسية والحزبية لمؤسسات الدولة «التي يفترض أن تلتزم الحياد الكامل بين المرشحين».
ومن ناحية ثانية، أحدث خبر الانسحاب، و«تفويض» صلاحيات رئيس الحكومة إلى كمال مرجان، وزير الوظيفة العمومية الحالي ووزير الدفاع والخارجية السابق، مفاجأة لأن الشاهد والمقربين منه - في الدولة وفي حزبه «تحيا تونس» - نفَوا مراراً خلال الأيام الماضية حدوثه، ورفضوا مطالب المعارضة بالتنحي «حتى لا يوظف مؤسسات الدولة لصالح مشروعه الانتخابي والسياسي». ومن ثم، أصبح السؤال الكبير اليوم: مَن يحكم تونس بعد مغادرة الشاهد قصر الحكومة الذي كان قد رفض مغادرته طوال العامين الماضيين، رغم ضغوط الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي؟ ومن سيقود الفريق الوزاري بعد هذا التغيير على رأس رئاسة الحكومة التي يعطيها الدستور صلاحيات تفوق بكثير تلك التي منحها لرئاسة الجمهورية؟
وهل سيستفيد الشاهد من قرار الانسحاب «المؤقت» لفائدة مرجان... أم يحصل العكس وتتزايد حظوظ منافسيه الرئيسيين في الانتخابات وزير الدفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي ورئيس البرلمان بالنيابة عبد الفتاح مورو والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي ورجل الأعمال والإعلام المثير للجدل نبيل القروي؟

برّر يوسف الشاهد قراره التنحي «المؤقت» عن رئاسة الحكومة التونسية، في كلمة توجه بها إلى الشعب، بفقرة في الفصل 92 من الدستور التونسي تسمح له بذلك، من دون اللجوء إلى البرلمان أو إلى إقالة الحكومة كاملة «عند الضرورة» التي تعني شغوراً مؤقتاً في المنصب، أو تفرغاً لإجازة أو ظروف طارئة.

ضغط من المعارضة
ولقد أسال الجدل حول هذا الفصل حبراً كثيراً خلال الأسابيع والأشهر الماضية، بين المطالبين بتطبيقه والمعارضين له، وبالأخص بعدما انخرط فيه نجل الرئيس السابق الأمين العام لحزب «نداء تونس» حافظ قائد السبسي، والمقرّبون منه، كالوزير رضا بالحاج، وحذّروا من توظيف الشاهد ووزرائه لمواقعهم في الدولة في الحملة الانتخابية. وكان الشاهد، والوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني، والأمين العام لحزب «تحيا تونس» سليم العزابي، وعدد من الخبراء الدستوريين الكبار، قد عارضوا فكرة الاستقالة، وإن كانت مؤقتة.
ورغم ضغوط المعارضة، أدلى الشاهد وأنصاره بتصريحات كثيرة تواصلت حتى الأيام الماضية، أكدوا فيها أن التنحي غير وارد. وبرّروا موقفهم بكون تغيير رئيس الحكومة الآن قد يؤدي إلى «أزمة سياسية جديدة»، وإلى مطالبات بإقالة كل أعضائها. وحذّر الوزير الدهماني قبل أيام من «إحداث فراغ سياسي لا تسمح به الظروف الانتقالية للبلاد»، في مرحلة يرأس فيها الدولة والبرلمان رئيسان بالنيابة بسبب وفاة الرئيس قائد السبسي.
أيضاً، عارض هيكل محفوظ، الخبير الأكاديمي في الدراسات الدستورية والقانونية رئيس وحدة الأبحاث العلمية في كلية الحقوق السياسية بتونس، المطالبات باستقالة رئيس الحكومة اعتماداً على الفصل 92 من الدستور. واستدل محفوظ بالتجارب السابقة في تونس وفي العالم التي تسمح لرئيسي الجمهورية والحكومة المباشرين بالترشح، وتنظيم حملتهما الانتخابية «دون توظيف مؤسسات الدولة لصالحهما». وكان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي قد ترشح للانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 في دورتيها من دون أن يستقيل من منصبه. وتنافس مع زعيم المعارضة وقتها الباجي قائد السبسي، ولم يفز إلا بـ45 في المائة من الأصوات، ولم يتهمه أحد بتوظيف مؤسسات الحكم في السباق الانتخابي.

التنافس مع وزير الدفاع
بعض المراقبين، مثل مُنية العرفاوي، المحلّلة السياسية في صحيفة «الصباح» اليومية، فسّروا توقيت مبادرة الشاهد بحرصه على «التشويش» على منافسه الرئيسي في السباق نحو قصر قرطاج، وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، وذلك عندما خاطب الشعب قبل أقل من ساعة من أول حوار تلفزيوني للزبيدي مبرمج معه قبل مدة. كما فسّروا اختيار كمال مرجان، رئيس المجلس الوطني لحزب الشاهد ووزير الدفاع والخارجية السابق، رئيساً للحكومة بالنيابة بأنه محاولة من الشاهد لإضعاف منافسه الزبيدي، من خلال الإيحاء بأنه من بين المقرّبين منه رموز المؤسسة العسكرية والسياسية، ومنهم مرجان الذي كان وزيراً للدفاع قبل الزبيدي، وفي رصيده نحو 30 سنة من المسؤوليات السياسية والدبلوماسية الأخرى، الوطنية والأممية.
ورغم الصبغة المؤقتة لرئيس الحكومة الجديد، فإن وراء اختيار كمرجان - وهو من أصهار عائلة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي - رسالة سياسية إيجابية لرموز الدولة والحزب الحاكم قبل ثورة 2011، تعني استعداداً للمصالحة معهم دون استثناء، أو طي صفحة الماضي. وجاءت هذه الخطوة بعد انتقادات شديدة اللهجة وُجِّهت إلى الشاهد من قبل منظمات المتقاعدين وعدد من كبار الموظفين السابقين بسبب تصريحات أدلى بها أخيراً، أعلن فيها أنه يريد «القطيعة مع المنظومة القديمة» و«العجائز والشيوخ»، وأن يعتمد أكثر على الشباب. وعد الإعلامي محمد البرقاوي أن نحو مليون متقاعد ومتقاعدة سيصوتون ضد الشاهد وحزبه «بسبب تدهور أوضاعهم المادية، واضطراب مواعيد حصولهم على رواتبهم في عهد حكومته».

معركة إعلامية واتصالية
الأكاديمي المحلل السياسي الدولي عماد عبد الجواد يعد أن انسحاب الشاهد من رئاسة الحكومة لصالح مرجان «سلاحاً ذا حدين قد يستفيد منه لأنه يفند من خلاله تهمة توظيف موقعه في الحكومة في حملته الانتخابية، وقد يضعفه لأن غالبية كوادر حزبه وأنصاره في عالم المال والأعمال قد يتخلون عنه بسبب خروجه من الحكم».
لكن الوزير محمد الغرياني، الأمين العام لحزب «المبادرة الدستورية» وللحزب الحاكم في عهد بن علي، رحّب بمبادرة الشاهد، ورأى أنها ستزيد شعبيته، وتضاعف حظوظه الانتخابية، وتؤكد نزاهته «لأنه انسحب من تلقاء نفسه، ولم يُعزَل من قبل البرلمان».
ووصف الغرياني، في تصريح لـ«لشرق الأوسط»، ما يجري في كواليس السباق نحو قصر قرطاج بـ«المعركة الاتصالية والإعلامية»، وعد أن الشاهد سجل نقاطاً مهمة في هذا السياق، خلال مداخلاته التلفزيونية بمناسبة إعلانه «المفاجئ» الانسحاب من رئاسة الحكومة، و«تفويض» الوزير، وتنازله على جنسيته الفرنسية، مع مطالبة بقية المرشحين حاملي جنسيات مزدوجة بأن ينحو نحوه.

المنافسون الكبار
من جهة أخرى، وفي انتظار غلق باب الانسحابات من قائمة المرشحين للرئاسة يوم 31 أغسطس (آب) الحالي، تتضاعف حظوظ 4 أو 5 مرشحين، يتقدّمهم يوسف الشاهد وعبد الكريم الزبيدي وعبد الفتاح مورو، ثم المنصف المرزوقي أو محمد عبو، حسب تصريحات الوزير السابق المحامي العروبي مبروك كورشيد لـ«الشرق الأوسط».
كورشيد الذي يترأس القائمة الانتخابية لحزب «تحيا تونس» في محافظة مدنين، بالجنوب الشرقي التونسي، يعد أن الغالبية الساحقة من الكوادر السابقة في حزب الرئيس الراحل قائد السبسي «نداء تونس» انحازت للشاهد، ما يضاعف حظوظه الانتخابية، بينما يفتقر عدد من منافسيه، وبينهم وزير الدفاع الزبيدي، إلى حزب قوي لديه فروع في كل المدن والقرى لمساندته.
إلا أن أنصار الزبيدي يرفضون هذا التقييم، ويرجّحون فوز مرشحهم بفارق كبير «لأنه يجمع بين الخبرة في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والنزاهة ونظافة اليدين». ويستدلون بالفريق الذي عيّنه للإشراف على حملته الانتخابية، برئاسة وزير التشغيل السابق القيادي في حزب «آفاق تونس» الحقوقي فوزي عبد الرحمن، والنقابي الوزير السابق للطاقة خالد بن قدور.

مرشح المعارضة؟
وفي هذه الأثناء، يتنافس عدد آخر من المرشحين، بينهم الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وزعيم حزب «التيار الديمقراطي» الوزير السابق محمد عبو، ورجل الأعمال والإعلام رئيس حزب «قلب تونس» نبيل القروي، ورئيسة الحزب الدستوري عبير موسي، على الفوز بأصوات المعارضين للمنظومة الحاكمة الحالية، وللساسة الذين سيطروا على المشهد السياسي طوال السنوات الخمس الماضية ورموزها، بمن فيهم الشاهد والزبيدي ومورو. ونوّه الناشط السياسي والحقوقي زهير مخلوف باستطلاعات الرأي التي رجّحت أن يفوز نبيل القروي بأصوات «غالبية المتمردين على الأحزاب التقليدية»، وأن يستفيد من انتقاداته لكل مرشّحيها، ومن الشعبية التي اكتسبها طوال العامين الماضيين بفضل المشاريع الاجتماعية والخيرية التي نظّمها لفائدة آلاف العائلات الفقيرة في كل جهات البلاد. وللعلم، تسببت تلك المشاريع الخيرية في حملات شنتها ضده «الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري»، والغالبية البرلمانية الحالية التي استصدرت في يونيو (حزيران) الماضي قانوناً لمنعه من الترشّح، بتهمة توظيف الأموال المهرّبة من الضرائب في مشاريع «دعائية»، لكن وفاة الرئيس قائد السبسي قبل التوقيع على القانون أجّل تنفيذه إلى الدورة البرلمانية المقبلة.
في المقابل، يشكّك الكاتب المحلّل السياسي علي بن عبد اللطيف في قدرة مرشّحي الأحزاب الوسطية والصغيرة على منافسة مرشحي الأحزاب الكبرى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بمن فيهم المرزوقي وعبو ومرشح حزب «التكتل الديمقراطي للحرّيات والعمل» وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ.

فسيفساء حزبية وانقسامات
ولعل أكبر تحدٍّ، حسب علي عبد اللطيف، أن التحضيرات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية كشفت استفحال التناقضات داخل الطبقة السياسية، وغياب زعامات قادرة على استقطاب غالبية المواطنين، خلافاً لما حصل عام 2014، عندما تجمّع أكثر من نصف الناخبين حول الباجي قائد السبسي وحزبه، بينما احتشدت البقية حول المرزوقي وحزب «حركة النهضة» وحلفائهما.
وهكذا، فالسؤال الذي يفرض نفسه على الجميع اليوم، وفق المحامي سمير بن عمر: هل ستكون هذه الحملة فرصة لبناء تحالفات قوية تساهم في إعادة توزيع الأوراق بين المرشحين الذين يرفعون شعار تغيير كامل المنظومة الحالية... ومنافسيهم الذين يدافعون عن خيار الاستقرار والبراغماتية، أم يحصل العكس؟
الوزير السابق سليم بن حميدان القيادي في حزب «الحراك» (بزعامة المرزوقي)، عد أن «المرشحين الأوفياء لمبادئ ثورة 2011 يمكن أن ينتصروا على مرشحي النظام القديم، في حال توحيدهم جهودهم، وانسحابهم لصالح مرشح وحيد، لكن المشكلة أن جلّ هؤلاء يرفضون الانسحاب من السباق ضمن الآجال القانونية، أي قبل آخر يوم في الشهر الحالي، مثل غالبية المرشحين المحسوبين على المنظومة القديمة».

تنافس العاصمة والساحل والجنوب
وفي أي حال، فإن من بين مُستجدّات الانتخابات الحالية، حسب الأكاديمي الحقوقي جوهر بن مبارك، أن الترشحات للانتخابات السابقة لأوانها «تشهد عودة التنافس بين ممثلي تونس العاصمة ومحافظات الساحل»، التي انحدر منها الرئيسان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وحكما البلاد ما بين 1955 و2011، اعتماداً على غالبية من كوادرها ورجال أعمالها. وفي المقابل، يسعى عدد من المرشحين، بينهم وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ، والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، وزعيم حزب «التيار الديمقراطي» محمد عبو، إلى كسب أصوات الجهات المُهمّشة في الشمال والوسط والجنوب.
وينتقد بن مبارك ترشح «ساسة شعبويين متهمين من قبل القضاء بالفساد والتهرّب من الضرائب»، لكنه يسجل أنه بعد نحو 9 سنوات من تحكمّ ساسة بارزين من «أصيلي العاصمة» تونس، بزعامة الرئيس الراحل قائد السبسي، في اللعبة السياسية داخل مؤسسات الحكم والمعارضة، انخرط في السباق بقوة ممثلون عن جهة «الساحل»، بينهم وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ورئيس الحكومة الأسبق رئيس حزب «البديل» المهدي جمعة. وفي المقابل، يبدو يوسف الشاهد وعبد الفتاح مورو من بين أبرز مرشحي «لوبيات» السياسة والمال في العاصمة تونس. ويتنافس الشاهد ومورو على كسب أصوات العائلات المحافظة وأبناء الطبقات الوسطى.

المقاطعة والتصويت العقابي
وفي انتظار اليوم المقرّر للاقتراع العام، 15 سبتمبر (أيلول) المقبل، حذّر نشطاء من المجتمع المدني، مثل معز بولوحية، رئيس جمعية «عتيد» لمراقبة الانتخابات، من «سيناريو» مقاطعة عالية في صفوف الناخبين للتصويت بسبب تعمّق أزمة الثقة بمعظم السياسيين، على اختلاف ألوانهم، وتدهور الأوضاع المعيشية للطبقات الشعبية والوسطى.
كذلك، يرجّح الناشط السياسي الحقوقي زهير مخلوف، والكاتب الصحافي اليساري توفيق بن بريك، أن تشهد الانتخابات المقبلة «تصويتاً عقابياً» ضد الطبقة السياسية الحالية، ولا سيما ضد مرشحي الأحزاب الحاكمة التي شاركت في الحكومات الائتلافية خلال السنوات الخمس الماضية، برئاسة الحبيب الصيد والشاهد، وبالأخص أحزاب «نداء تونس» و«تحيا تونس» و«حركة النهضة» و«مشروع تونس» و«المسار». وفي هذه الحالة، يتوقع أن تختلط الأمور أكثر، وقد يجد التونسيون أنفسهم يوم الاقتراع العام مُخيَّرين بين حلّين أحلاهما مُرّ: إما الانحياز إلى المرشحين «الشعبويين»، وفي ذلك مغامرة... أو اختيار «مرشح جدّي» من المنظومة القديمة، مع ما قد يعنيه ذلك من دوران في حلقة مُفرّغة.

فئات المرشحين لانتخابات سبتمبر المقبل

> يقُدَّر عدد الناخبين التونسيين بنحو 8 ملايين ناخب، بينهم أكثر من مليون وربع المليون من المُرسَّمين (الناخبين المسجلين) الجدد - غالبيتهم من الشباب - لكن الأطراف السياسية ترجح ألا تتجاوز نسب الإقبال على التصويت في الانتخابات الرئاسية ثلث الناخبين.
وحسب المؤشرات الحالية، سيكون التنافس الفعلي في هذه الانتخابات بين 5 أو 6 مرشحين يتنافسون جدّياً على منصب رئيس الجمهورية، ويسعون للفوز به. ومع هؤلاء، هناك نحو 20 مرشحاً أعلنوا أن حظوظهم ضعيفة جداً، لكنهم شاركوا في اللعبة الانتخابية كي يدخلوا أو ليكونوا في المشهد السياسي، إيماناً منهم بكون المشاركة في الرئاسيات تؤثر لاحقاً في الانتخابات البرلمانية.
وعموما ثمة 3 فئات من المرشحين للانتخابات التونسية المقررة في الشهر المقبل:
1- مرشحون تدعمهم الأحزاب الكبرى: وهنا حزب «تحيا تونس» يدعم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وحزب «حركة النهضة» يدعم رئيس البرلمان بالنيابة النائب الأول لرئيس الحركة عبد الفتاح مورو، وحزب «قلب تونس» بزعامة نبيل القروي يدعم رئيسه.
2- مرشحون مستقلون تدعمهم شخصيات مستقلة أو أحزاب أخرى: من بين أبرز هؤلاء المرشحين عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الذي يحظى بدعم حزب «نداء تونس» (وهو حزب نجل الرئيس السابق قائد السبسي)، وحزب «آفاق» بزعامة الوزير السابق رجل الأعمال ياسين إبراهيم، وكان الزبيدي قد اختار قياديين منه في هيئة حملته الانتخابية. كذلك حصل الزبيدي على دعم شخصيات يسارية، وأخرى ليبرالية مستقلة، بينها رئيس الحكومة الأسبق رشيد صفر، وعدد من كبار المسؤولين في الدولة والحزب الحاكم قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، مثل الوزير أحمد عياض الودرني مستشار الرئيس الأسبق بن علي ومدير مكتبه طوال 20 سنة. ويتردّد أن عدداً من كبار الضباط العسكريين والأمنيين المتقاعدين وكوادر الدولة أكدوا دعمهم للزبيدي، وانخرط بعضهم في هيئة حملته الانتخابية، مباشرة وغير مباشرة، لكن عامل الوقت قد لا يسمح له بتشكيل لجان مساندة محلية، ومراقبين ينتشرون في آلاف القرى والأحياء الشعبية في كل المدن.
3- مرشحون مستقلون أو زعماء لأحزاب سياسية صغيرة: ترجح استطلاعات الرأي أن هؤلاء لن يفوزوا بأكثر من 1 في المائة من الأصوات، لكنهم ترشحوا للرئاسة ليستفيدوا من التمويلات التي توفرها الدولة للمترشحين، ومن فرص البروز في وسائل الإعلام للتعريف بأحزابهم ومشاريعهم السياسية، وبمرشحيهم في الانتخابات البرلمانية.



خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.