خبراء: اعتزال الفنانين المفاجئ «بالونة اختبار» لدرجة نجوميتهم

خبراء: اعتزال الفنانين المفاجئ «بالونة اختبار» لدرجة نجوميتهم
TT

خبراء: اعتزال الفنانين المفاجئ «بالونة اختبار» لدرجة نجوميتهم

خبراء: اعتزال الفنانين المفاجئ «بالونة اختبار» لدرجة نجوميتهم

تصدم إعلانات اعتزال الفنانين والمطربين العرب المفاجئة الجمهور، وتتسبب في حدوث جدل واسع على مدار أيام طويلة، وتنتهي حالة الجدل بابتعاد «معلن الاعتزال» عن الأضواء تماماً، أو عدوله عن قراره ومواصلة عمله الفني في مجال الطرب أو التمثيل. ويؤكد نقاد موسيقيون أن اتجاه بعض المطربين إلى إعلان اعتزالهم الغناء بشكل مفاجئ يعود إلى أمرين، الأول هو اختبار درجة نجوميتهم وشعبيتهم وقياس مدى حب الجمهور لهم، والأمر الآخر للضغط على شركات التوزيع والإنتاج.
وفجّرت المطربة اللبنانية إليسا أخيراً مفاجأة كبيرة بعد إعلانها اعتزال الغناء عقب طرح آخر ألبوماتها، واصفة الوسط الغنائي بأنه «أصبح مشابهاً لعالم المافيا».
وأعاد قرار اعتزال إليسا للأذهان، القرارات المفاجئة السابقة التي أصدرها مطربون مصريون خلال السنوات الماضية على غرار المطربة شيرين، والملحن عمرو مصطفى، ومن قبلهما محمد الحلو، وهاني شاكر، وغيرهم، ورغم اختلاف ظروف وملابسات قرار اعتزالهم، فإنهم تراجعوا جميعاً عن الاعتزال وعادوا للغناء والتلحين، بعد حدوث زخم إعلامي كبير حولهم.
ويقول الناقد الموسيقي مصطفى حمدي لـ«الشرق الأوسط»، إن «قرار اعتزال إليسا قد يرجع لسببين؛ الأول، أنه من الممكن أن يكون مجرد بالونة اختبار لقياس مدى حب جمهورها لها، والآخر أنها تتعرض لضغوط قوية، والأخير أميَل للصواب».
ويرجح حمدي، تأثر إليسا بضغوط شركات الإنتاج الفني، وتنافسها فيما بينها على حقوق الرعاية. مشيراً إلى إمكانية حدوث انفراجة خلال الأيام المقبلة لتعود إليسا إلى الغناء مجدداً.
وبعيداً عن قصة اعتزال إليسا، فإن بعض الفنانين والمطربين يحرصون على الإعلان عن اعتزالهم لاستعادة الأضواء مُجدداً، أو للتواجد في «الترند»، بحسب تعبير مصطفى حمدي، الذي أوضح قائلاً، إن «بعض المطربين يلجأون أحياناً إلى تلك الطريقة للترويج لأعمالهم الجديدة بعد استحواذ مطربين آخرين على الترند»
وفي عام 2011 ذكرت وسائل إعلام مصرية أن الفنان المصري هاني شاكر أعلن اعتزاله الغناء عقب وفاة ابنته، لكنه عاد مرة أخرى للغناء «وفاءً لابنته» و«استجابة للجمهور»، وفق تعبيره. ثم أصبح نقيباً للموسيقيين لدورتين متتاليتين، وهو ما كرره أيضاً الفنان محمد الحلو، الذي اعتزل أياماً عدة، وتراجع عن قراره للسبب نفسه، وهو «حب الجمهور».
وتعد المطربة شيرين عبد الوهاب، أشهر مطربة أعلنت اعتزالها الفن، وخصوصاً بعد تراجعها عن قرارها بعد 48 ساعة فقط، وقالت خلال تسجيل صوتي: «احتراماً لمن أحبوني ولجمهوري العاشق، ولزملائي الفنانين الذين أحاطوني بحب وود، تراجعت عن قرار الاعتزال، وسأعود لفني وعملي».
إعلان الاعتزال بشكل مفاجئ ليس أمراً جديداً في الوسط الفني، لكن التراجع بذريعة «حب الجمهور» هو الأمر الجديد، وفق الناقد الفني أحمد السماحي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «في عصر كبار المطربين لم تحدث مثل هذه التصريحات الغريبة، التي تدل على عدم احترام الجمهور؛ لأنهم كانوا عاشقين لفنهم، ويقدرون الجمهور الذي ينتظر أغنياتهم».
قائمة أسماء الممثلين والمطربين الذين أعلنوا اعتزالهم كثيرة ومتعددة، ولعل أبرزها الفنانة الكبيرة نجاة، التي لم يحدث حول قراراها أي ضجيج يُذكر، كذلك المطربة شريفة فاضل، وماهر العطار، وحسني شريف، ومن بعدهم إيمان الطوخي، وسوزان عطية.
ويرى السماحي أن «الجمهور هو الكارت الرابح في هذه المعادلة دائماً؛ لأنه بعدول الفنان عن قرار اعتزاله يستمتع بصوت المطرب فترة أطول». لافتاً إلى أن «المستمع مغلوب على أمره، ودائماً يسامح، ويغفر للمطرب الناجح الذي لديه رصيد كبير في قلبه، والسبب في ذلك، حالة العِشرة بين المطرب والمستمع، لكن لو تكرر الأمر كثيراً، يرفع المتلقي شعار... لقد نفد رصيدكم، فتصريحات الاعتزال لو أصدرها مطرب غير ناجح، أو ليس لديه الرصيد الكافي الذي يشفع له عن الجمهور، فلن يلتفت أحد إليه من الأساس».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».