البشير «داخل القفص» في أولى جلسات محاكمته بالخرطوم

اعترف بتبديد أموال من دون مستندات... وقضايا أخرى أكبر تنتظره

البشير أثناء مثوله في أولى جلسات محاكمته بالخرطوم أمس (رويترز)
البشير أثناء مثوله في أولى جلسات محاكمته بالخرطوم أمس (رويترز)
TT

البشير «داخل القفص» في أولى جلسات محاكمته بالخرطوم

البشير أثناء مثوله في أولى جلسات محاكمته بالخرطوم أمس (رويترز)
البشير أثناء مثوله في أولى جلسات محاكمته بالخرطوم أمس (رويترز)

وسط إجراءات أمنية مشددة، بدأت أمس محاكمة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، باتهامات تتعلق بالثراء الحرام والفساد وحيازة النقد الأجنبي، وهي تهم تزيد عقوبتها مجتمعة على 10 سنوات سجناً. وكان المجلس العسكري الانتقالي قد قال عقب عزل البشير إنه عثر على قرابة 7 ملايين يورو و351 ألف دولار و5 ملايين جنيه في المسكن الرئاسي (بيت الضيافة) الذي كان يقطنه البشير وأسرته داخل القيادة العامة للقوات المسلحة.
ورافقت البشير إلى قفص الاتهام في أولى جلسات محاكمته حراسة عسكرية برتب كبيرة، وعند دخوله إلى قاعة المحكمة كبّر عدد من أفراد أسرته وذويه قائلين «الله أكبر... الله أكبر»، ودخل الرئيس المعزول قفص الاتهام حليق اللحية مرتدياً جلباباً وعمامة ناصعين، مما أعاد إلى أذهان كثيرين مشاهد لمحاكم مثيلة للحكام الطغاة المعزولين.
وسأل القاضي الرئيس المعزول عن اسمه، فأجاب وهو في حالة وقوف متكئاً على عصاه: عمر حسن أحمد البشير. ثم أجاب على سؤال المهنة: «رئيس جمهورية سابق»، وإنه كان يسكن «بيت الضيافة»، والآن في السجن العمومي بكوبر.
واعترف البشير بأن المبلغ الذي تم العثور عليه هو عبارة عن باقي مبلغ قدرة 25 مليون دولار، وصفها بأنها أموال تلقاها على سبيل الهدية من دولة خليجية لاستخدامها للصرف خارج الميزانية، إضافة إلى مبالغ أخرى تصل جملتها إلى 90 مليون دولار، وشيك بمبلغ مليون دولار ذكر أنه لم يصرفه ولا يعرف مكانه.
وقال المتحري مع البشير، عميد الشرطة أحمد علي محمد، للمحكمة، برئاسة القاضي الصادق عبد الرحمن، إن البشير دوّن اعترافاً قضائياً بأنه دفع الجزء الأكبر من مبلغ الـ25 مليون دولار لمستشفى علياء التابع للسلاح الطبي، ومبالغ أخرى لعدد من ضباط القوات المسلحة، إضافة إلى التبرع لقناة «طيبة» المملوكة لرجل الدين عبد الحي يوسف.
وأوضح المتحري أن البشير دوّن اعترافاً قضائياً بصرف تلك الأموال من دون مستندات صرف، وأنه يوكل صرفها إلى مدير مكتبه حاتم حسن بخيت، وتوزيع المبالغ التي يقدمها في شكل هبات ومساعدات، وهو لم يطالبه بوثائق صرف.
وفي تفسيره لوجود المبلغ الكبير بالجنيه السوداني داخل منزله (5 ملايين جنيه)، ذكر البشير أن أحد المقربين منه، ويدعى طارق سر الختم، يدير مطاحن «سين للغلال»، حوّل له جزءاً من المبلغ إلى الجنيه السوداني، دون أن يفصح عن كيفية التحويل، وما إذا كان قد تم بيعها في السوق الموازية أو الرسمية.
ووفقاً للمتحري، فإن النيابة العامة فتحت بلاغين منفصلين ضد كل من حاتم حسن بخيبت، وطارق سر الختم، بيد أنها لم تفلح في استجوابهما لأنهما غادرا إلى خارج البلاد، ولا يعرف ما إذا كانا قد عادا أم لا. وأبلغ المتحري المحكمة بأن فريق تفتيش رسمي عثر على قرابة 7 ملايين يورو، وأكثر من 351 ألف دولار، و5 ملايين جنيه سوداني، داخل منزل البشير الرئاسي، بداخل القيادة العامة للقوات المسلحة، بعد إلقاء القبض عليه. وقال البشير إن ممتلكاته تنحصر في منزل بضاحية كافوري الثرية، إضافة إلى شقة في «أبراج النصر» الفخمة، ومنزلين مملوكين لزوجته بضاحية كافوري، اشترتهما بثمن بيع سيارتها.
وبحسب تقرير التحري، فإن البشير كشف عن تلقيه هدايا إضافية بقيمة 65 مليون جنيه ليست ضمن البلاغ، كلها صُرفت في عهد مديري مكتبه طه الحسين وهاشم عثمان، بيد أنه أنكر معرفته بأوجه صرفها.
ويواجه البشير، البالغ من العمر 75 عاماً، اتهامات تصل عقوبتها مجتمعة إلى السجن أكثر من 10 سنوات، وتتعلق بالفساد وحيازة النقد الأجنبي والفساد واستغلال النفوذ. وتدافع عن البشير هيئة دفاع مكونة من أكثر من مائة محام، برئاسة رئيس البرلمان الأسبق المحامي أحمد إبراهيم الطاهر، ومن أبرز المشاركين فيها المحامي هاشم أبو بكر الجعلي الناطق الرسمي باسم الدفاع، والبرلماني المثير للجدل محمد الحسن الأمين.
واستجوبت كل من هيئة الدفاع والنيابة العامة الشاكي العقيد موسى عبد الرحمن من القوات المسلحة، والمتحري في البلاغ العميد أحمد علي، وحددت المحكمة جلسة يوم السبت المقبل لمتابعة القضية، وسماع شهود الاتهام.
وألقي القبض على البشير الذي حكم السودان ثلاثين عاماً في 11 أبريل (نيسان) الماضي، عقب ثورة واحتجاجات شعبية تطالب بتنحيته ونظامه، استمرت طوال الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 2018 حتى لحظة عزله بواسطة قيادات الجيش التي كوّنت مجلساً عسكرياً انتقالياً تولى زمام السلطة منذ ذلك الوقت.
ولا تعد القضية التي يمثل البشير في المحكمة بشأنها من القضايا الكبرى التي ينتظر أن يواجهها، وهو ما أشارت إليه «منظمة العفو الدولية» بالقول إن محاكمته بتهم فساد «يجب ألاّ تصرف الانتباه عن التهم الموجهة إليه من المحكمة الجنائية الدولية».
وتنتظر البشير مذكرتي قبض صادرتين من المحكمة الجنائية الدولية، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والتصفية العرقية، على خلفية النزاع المسلح الذي اندلع في إقليم دارفور عام 2003، وقتل جراءه أكثر من 300 ألف مدني، ونزوح ولجوء الملايين من السكان، بحسب إحصائيات دولية، اعترف البشير منها في مخاطبة تلفزيونية بأن العدد لا يتجاوز 10 آلاف قتيل.
ويدور جدل بين أطراف الحكم الانتقالي حول محاكمة البشير في داخل البلاد، أو تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية. ففي الوقت الذي تطالب فيه قيادة الثورة بتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، يصر المجلس العسكري الانتقالي على محاكمته داخل البلاد.
ولا يعتبر معارضو حكم البشير المحاكمة الجارية الآن بأهمية المحاكمات التي تنتظره، وتتعلق بقتل المحتجين السلميين، وإصدار أوامره لقوات الأمن والجيش بإطلاق الرصاص على المحتجين والمتظاهرين لتفريقهم، وإن اقتضى الأمر قتل ثلث السكان.
كما تنتظر البشير ومعاونيه محاكمة أخرى، على خلفية دعوى وجهها محامون معارضون، بينهم الراحل علي محمود حسنين، والسر الحبر، وكمال الجزولي، وآخرون، ضد «الجبهة القومية الإسلامية» التي أتت به للحكم، لتدبيرهم انقلاباً برئاسته في 30 يونيو (حزيران) 1989. وبحسب أوامر طوارئ أصدرها البشير في فبراير (شباط) 2019، لقمع الاحتجاجات، فإن حيازة النقد الأجنبي جريمة عقوبتها السجن مدة لا تزيد على 10 سنوات، والغرامة، ومصادرة الوسيلة والمال المستخدم في الجريمة.



انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)
الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)
الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق عائلات وأقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان في مناطق سيطرتها، بمن فيهم أسر المغتربين في الولايات المتحدة.

وبحسب مصادر حقوقية يمنية، واصلت الجماعة الحوثية تنفيذ سلسلة من الانتهاكات والاعتداءات على ممتلكات وأراضي المغتربين وأسرهم في مديريات الشعر والنادرة وبعدان في محافظة إب، وكذلك في مديريتي جبن ودمت بمحافظة الضالع. وتأتي هذه الانتهاكات ضمن مخططات حوثية تستهدف الاستيلاء على أراضي وعقارات المغتربين.

مدينة إب اليمنية تعيش في فوضى أمنية برعاية حوثية (فيسبوك)

وأفادت تقارير حقوقية يمنية بأن الجماعة صادرت أخيراً أراضي تعود لعائلة «شهبين» في إحدى قرى مديرية الشعر جنوب شرقي إب، كما فرضت حصاراً على منازل الأهالي هناك، وقامت باعتقال عدد منهم. ويُذكر أن كثيراً من أبناء المنطقة منخرطون في الجالية اليمنية بأميركا.

وندّد مغتربون يمنيون في الولايات المتحدة من أبناء مديرية «الشعر» بما وصفوه بالممارسات «غير المبررة» من قِبل مسلحي الحوثيين تجاه أقاربهم وأراضيهم وممتلكاتهم، وأصدروا بياناً يشير إلى تعرُّض أسرهم في محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) لاعتداءات تشمل الحصار والاعتقال، والإجبار على دفع إتاوات.

ودعا البيان جميع المغتربين اليمنيين في الولايات المتحدة إلى حضور اجتماع تضامني في نيويورك لمناقشة سبل دعم ذويهم المتضررين من الانتهاكات الحوثية. وحذّر من أن استمرار صمت الأهالي قد يؤدي إلى تصاعد الاعتداءات عليهم.

ابتزاز واسع

خلال الأيام الأخيرة، شنت الجماعة الحوثية حملات ابتزاز جديدة ضد عائلات مغتربين في أميركا ينتمون إلى مديريات شرق إب، حيث أرغمت كثيراً منهم على دفع مبالغ مالية لدعم ما تُسمّيه «المجهود الحربي»، مهددةً بمصادرة ممتلكاتهم واعتقال ذويهم في حال عدم الدفع.

وفي محافظة الضالع المجاورة، أجبرت الجماعة عائلات مغتربين على تقديم مبالغ مالية، بدعوى دعم مشاريع تنموية تشمل الطرق والجسور وشبكات المياه والصرف الصحي، غير أن ناشطين حقوقيين يرون أن هذه الأموال تُوجَّه لتمويل أنشطة الجماعة، وسط ضغوط كبيرة تمارسها على أقارب المغتربين.

منظر عام لمديرية جبن في محافظة الضالع اليمنية (فيسبوك)

وأشارت مصادر مطَّلعة إلى أن مليارات الريالات اليمنية التي يجمعها الحوثيون من عائدات الدولة والإتاوات تُخصَّص لدعم أتباعهم وتمويل فعاليات ذات طابع طائفي؛ ما يزيد الأعباء على السكان في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وطالبت أسر المغتربين المتضررة المنظمات الحقوقية الدولية بالتدخل لوقف ممارسات الحوثيين بحقهم، مشيرة إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في اليمن تجعلهم يعتمدون بشكل أساسي على الدعم المادي من أبنائهم المغتربين.

وخلال السنوات الأخيرة، أطلقت الجماعة الحوثية حملات نهب ومصادرة ممتلكات المغتربين في صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرتها تحت مسمى «دعم المجهود الحربي»؛ ما يعمّق معاناة هذه الفئة المستهدفة بشكل متكرر من قِبل الجماعة.