معرض «شواهد نابضة»... ذاكرة الدبلوماسية السعودية ـ اللبنانية في صور

يتبعه كتاب يؤرخ العلاقة بين المملكة والبطريركية المارونية

الملك سلمان بن عبد العزيز وكان أمير الرياض وقتها خلال زيارة لبيروت عام 1997 وبجانبه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري
الملك سلمان بن عبد العزيز وكان أمير الرياض وقتها خلال زيارة لبيروت عام 1997 وبجانبه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري
TT

معرض «شواهد نابضة»... ذاكرة الدبلوماسية السعودية ـ اللبنانية في صور

الملك سلمان بن عبد العزيز وكان أمير الرياض وقتها خلال زيارة لبيروت عام 1997 وبجانبه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري
الملك سلمان بن عبد العزيز وكان أمير الرياض وقتها خلال زيارة لبيروت عام 1997 وبجانبه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري

في نحو 135 صورة فوتوغرافية توثق العلاقة الدبلوماسية التاريخية بين لبنان والسعودية، انطلق صباح أمس، معرض «شواهد نابضة» في مركز «بيت بيروت» في منطقة السوديكو.
ويأتي هذا الحدث الثقافي الفني الذي تنظمه السفارة السعودية في لبنان ضمن الاحتفال بـ«اليوم العالمي للتصوير الفوتوغرافي» الذي يصادف 19 أغسطس (آب) من كل عام. وقد حضر حفل الافتتاح حشد من أهل السياسة يتقدمهم وزير الإعلام جمال الجراح ممثلا رئيس الحكومة سعد الحريري، إضافة إلى كل من وزيري الصناعة والسياحة وائل بو فاعور وأفيديس كيدانيان، وعدد من الرؤساء السابقين ميشال سليمان وفؤاد السنيورة وغيرهم.
ويتوزع المعرض على سبع غرف من «بيت بيروت» تحتضن مجموعة ذكريات سبعة ملوك سعوديين مع رؤساء جمهورية ورؤساء حكومة ورجال سياسة لبنانيين. وجُمعت هذه الصور من الشخصيات المذكورة نفسها أو من أبنائها، وكذلك من أرشيف غني للسفارة السعودية في لبنان. ويأخذك هذا المعرض في رحلة ذكريات طويلة لتنقلك إلى صفحات مضيئة من تاريخ العلاقة الدبلوماسية المميزة بين البلدين. ويغطي هذا الحدث حقبة علاقات تاريخية طويلة نشأت بين البلدين منذ الثلاثينات وحتى اليوم.
«يكمن جمال هذا المعرض بأن لكل حقبة ينقلها ضمن هذه الصور تنبض بمعطياتها وبكل متغيرات الفترة التي شهدتها تلك المراحل». يقول السفير السعودي في لبنان وليد البخاري. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وأجمل ما فيها هو التأكيد على علاقات الأخوة والمحبة التي يفخر بها كل عربي وكل لبناني وكل سعودي». ويضيف: «إن المقولة الرائعة للملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود التي استشهدت بها في كلمتي اليوم (لُبْنانُ قِطْعَة مِنَّا، وَأنا أَحْمي استقلالَهُ بنفسي وَلا أَسمحُ لِأي يَدٍ أن تمتدَّ إليه بسوءٍ) هي أفضل دليل على عمق هذه العلاقة».
ويشير السفير البخاري إلى أنّ عملية التوثيق لإقامة هذا المعرض استغرقت نحو سنة ونصف السنة من خلال 5000 صورة وأكثر من 200 وثيقة مكتوبة.
وما حُقّق بلغ نحو 3000 صورة وأن هناك نحو 2000 صورة في إطار المعالجة بالمرحلة المقبلة. ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نطمح إلى تقديم كتاب يوثّق كل هذه المراحل، كما ستحمل الأيام المقبلة مفاجأة من خلال كتاب تاريخي آخر يشكل قيمة مضافة للمكتبات الإسلامية والمسيحية برعاية البطريرك بشارة بطرس الراعي. وسيُعلن عنه قريباً ليكون بمثابة كتاب يؤرخ للعلاقات السعودية مع البطريركية المارونية».
صور بالأبيض والأسود وأخرى ملونة إضافة إلى مقاطع من أغنيات وطنية استقبل بها نجوم من لبنان أمثال سعاد محمد، ملوكاً سعوديين خلال زيارتهم إلى لبنان يتضمنها المعرض. وكذلك تحتوي غرفه على تعليقات وأخبار بالصّوت حول الأحداث في لبنان ووثيقة الطائف، إضافة إلى عروض بصرية حول وقائع عن زيارات لملوك السعودية إلى لبنان.
وفي ممر طويل يوصل زائر المعرض إلى الغرف السبع تطالعك صور رؤساء جمهورية لبنانيين بدءا من بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وصولاً إلى إميل لحود وميشال سليمان والرئيس الحالي ميشال عون. ويقابلها صور الملوك السبعة بدءا من عبد العزيز عبد الرحمن آل سعود، وسعود بن عبد العزيز آل سعود، وفيصل بن عبد العزيز وغيرهم، وصولاً إلى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
وبين وثيقة تعيين أول قنصل سعودي لسوريا في لبنان (محمد عيد رواف) في عام 1930، في عهد الملك عبد العزيز عبد الرحمن آل سعود، وأخرى تعلن معاهدة صداقة بين البلدين موقعة من قبل المفوض الفرنسي يومها في في عام 1931، تبدأ جولتك في هذا المعرض الفني الذي جرى بالتعاون مع منظمة اليونيسكو.
ويخصص المعرض غرفة تتناول العلاقة الوطيدة بين البلدين أيام الرئيس الراحل كميل شمعون في الخمسينات ضمن صور فوتوغرافية تجمعه بالملك سعود بن عبد العزيز. واحدة منها التقطت لهما في المطار وثانية في مضمار سباق الخيل في بيروت. وكذلك خلال استراحات قصيرة للملك سعود في قلعة بعلبك وفي منطقة الأرز وفي مؤتمر القمة. ولنشاهد في غرفة أخرى صوراً تجمع الملك فيصل بن عبد العزيز مع الرئيس سليمان فرنجية وصائب سلام وبيار الجميل ورشيد كرامي وصبري حمادة وكامل الأسعد في السبعينات. فيما نشاهد في غرفة غيرها صوراً تظهر العلاقة المميزة التي كانت تربط الرئيس الراحل رفيق الحريري مع السعودية والملك سلمان بن عبد العزيز في لقطات تظهرهما معاً في أسواق بيروت وخلال استقباله له في مطار بيروت في عام 2001. فيما تصدرت صورة فوتوغرافية كبيرة وملونة حائط إحدى الغرف الرئيسية التي يظهر فيها وليد جنبلاط يسلّم على الملك سلمان بن عبد العزيز في عام 2015.
وتتضمن الغرفة الأخيرة صوراً لأحدث اللقاءات الدبلوماسية لرجال سياسة لبنانيين مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ويأتي في مقدمها واحدة تجمعه مع الرئيس الحالي ميشال عون خلال زيارته إلى السعودية في عام 2017 وأخرى معه للرئيس سعد الحريري خلال زيارته للمملكة في عام 2018.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».