«سوق عكاظ»... حاضنة ثقافية تستشرف مستقبلاً أوسع مع ثراء المكان

خالد الفيصل يشهد افتتاح السوق اليوم

استحضار كامل لأدوات السوق في موسم الطائف (واس)
استحضار كامل لأدوات السوق في موسم الطائف (واس)
TT

«سوق عكاظ»... حاضنة ثقافية تستشرف مستقبلاً أوسع مع ثراء المكان

استحضار كامل لأدوات السوق في موسم الطائف (واس)
استحضار كامل لأدوات السوق في موسم الطائف (واس)

يشهد «سوق عكاظ» الذي ينعقد في عامه الثالث عشر، حضوراً لافتاً على صعيد جاذبية الحضور وكذلك الفعاليات المقامة التي تندرج ضمن سياق «موسم الطائف» الذي ينسجم مع تاريخ المصيف الأول للسعودية في عقود ماضية.
ويشهد الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة غداً، حفل سوق عكاظ، الذي يحضره نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
ويُعد «موسم الطائف» أحد مواسم السعودية التي أعلنت عنها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ومن المقرر أن يتضمن الحفل أوبريتاً غنائياً يستحضر خلاله بدايات نشأة سوق عكاظ قبل 1500 عام، مروراً بالتحولات التي شهدها السوق منذ نشأته، والنقلات الحضارية التي شهدها العرب بعد بزوغ الإسلام، وانتهاء بما شهدته اللغة العربية وظهور المزيد من اللهجات، وتعدد الثقافات والفنون في مختلف الشعوب العربية.
وأوضح أحمد الخطيب، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أن سوق عكاظ شهد هذا العام نقلة كبيرة، إذ تضاعف استيعاب السوق للزوار، كما شهد السوق مزيداً من الفعاليات التي تثري التجربة السّياحية للزائر، وتقدم له مزيداً من المعلومات والمتعة والسعادة، وتقوم الفعاليات بالتجسير بين ثقافة العرب وتراثهم وصناعاتهم ومأكولاتهم وفنونهم الشعبية في الماضي والحاضر. وأشار إلى أنّ سوق عكاظ يحتوي في حلته الجديدة هذا العام «حي العرب» الذي يضمّ 11 دولة عربية، والسوق التاريخي، وفتيان عكاظ، وفرسان عكاظ، وساحة اللغة والثقافة، وساحة الموسيقى، مع تطوير جادة عكاظ، إضافة إلى إثراء المنطقة المخصّصة للأسر المنتجة والمطاعم والمقاهي، إلى جانب المسرح الرئيسي الذي يستوعب 2800 مشاهد.
وقال الخطيب: «إن الطائف يليق بها أن تحمل لقب (مصيف العرب)، فهي تتمتع بكل مقومات السياحة الطبيعية التي تؤهلها أن تحتل مكاناً بارزاً في السياحة، وهذا الأمر حاضر عندما بدأه التخطيط لموسم الطائف بوصفه أحد مواسم السعودية».
ويشهد «سوق عكاظ» تميزاً لهذا العام مع انفتاح كبير على الثّقافات العربية، بدوره قال الدكتور عائض الزهراني رئيس مركز تاريخ الطائف لـ«الشرق الأوسط» إنّ عكاظ أضحى مظاهرة ثقافية وأدبية تضافر على صنعها التاريخ والجغرافيا مؤكداً أنّ سبعين فعالية صُممت بعناية فائقة تقود الحالة الثقافية إلى بساتين الورد الفكري والفاكهة الشعرية.
وأوضح الزهراني أنّ عكاظ هذا العام توثب نحو الحضارة العربية بشكل أكثر تفاعلية وبات العرب من المحيط إلى الخليج بانتظار هذا الزخم الثقافي والمعرفي وأضحت الطائف كما كانت حاضرة للفكر والثقافة والأدب.
وأشار الزهراني إلى أنّ الطائف أعادت الواجهة للمشعل الثقافي والفعل الأدبي ووثقت ببصمة مميزة صناعة الأجندة الثقافية المعرفية، لتوثق تاريخاً ناصعاً في الذاكرة الذهنية لسوق عكاظ ليضيء ويشرق في جبين الزمن.
أمّا الأكاديمي رئيس جماعة فرقد الإبداعية في نادي الطّائف الأدبي الدكتور أحمد الهلالي فأوضح أنّ إعادة عكاظ إلى واجهته الثقافية والعربية من جديد حتى بلغ النسخة الـ13 كان كأي مشروع ثقافي بدأ بفكرة صغيرة ثم نما وتطور بالرعاية والإشراف وإعادة النظر حتى نضج كما نشاهده اليوم ولن يتوقف عند هذه المرحلة.
وقال الهلالي لـ«الشرق الأوسط» إنّ المرحلة الحالية التي يعيشها عكاظ هي مرحلة مزج الإبداع الأدبي والثّقافي وفك قيود النخبوية إلى آفاق واسعة تعمّ جميع شرائح المجتمع وأطيافه المتعدّدة وتلامس الوهج الثّقافي العربي بشقيها النّخبوي والعامي.
بدورها، قالت الكاتبة المهتمة بالمسرح تركية الثبيتي إنّ «لعكاظ أهمية في تراثنا العربي والدور الذي كان يقوم به في تلك الحقبة»، وأضافت أنّ الآراء التي تستشعر ما يجب أن يكون عليه سوق عكاظ وكيف يلبّي حاجة الزّمن كانت حاضرة، فجاء سوق عكاظ هذا العام ليتجاوز كل السنين الماضية، وليظهر بصورة مشرفة سرقت الأضواء ولفتت أنظار العامة قبل الخاصة، وليكون أيضاً بوابة لنشر ثقافات الدّول، وما نرجوه حقاً هو التوسع في استضافة الدّول وأن تكون الدّول مسؤولة عن حضورها، وبالتالي لها الحق في تحصيل إيراداتها بطريقة تتوافق مع مصروفاتها على مشاركتها في السوق.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».