القصر الكبير في باريس يستقبل راقصات سان فال

النحاتة المتمردة التي سخر منها النقاد قبل أن يعترفوا بموهبتها

الفنانة في شبابها
الفنانة في شبابها
TT

القصر الكبير في باريس يستقبل راقصات سان فال

الفنانة في شبابها
الفنانة في شبابها

في عام 1972، فاجأت نيكي دو سان فال (1930 - 2002) الوسط الثقافي الفرنسي بفيلم تبدو فيه وهي تحمل بندقية تصوبها نحو الكاميرا، أي نحو المشاهدين. لقد كانت تستعمل البندقية مثل رشاش تطلق منه الألوان على لوحاتها، في بادرة من العنف غير المسبوق من فنانة. لكنه العنف الذي لفت الأنظار إلى موهبتها بعد أن كانت مجرد امرأة جميلة تحوم حول مخرجي الموجة الجديدة في الأدب والفن.
من كان مستعدا، يومذاك، للاعتراف بجدارة شابة حسناء ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب، لأب مصرفي فرنسي من أصحاب الألقاب النبيلة ولأم أميركية ورثت ثروة طائلة؟ والبنت التي كانت في صورها الأولى تبدو مثل أميرة تضع على رأسها تاجا من الألماس، سرعان ما تمردت على طبقتها وسعت لأن تصبح مخرجة سينمائية بالقوة ورغم أنف النقاد، وكانت المرأة الوحيدة بين رواد «الموجة الجديدة»، في ستينات القرن الماضي، وقد آمنت بأن «التدمير هو البرهان على أنني أعيش رغم وضد كل شيء».
مع هذا، فإن البنت المدللة التي بدأت حياتها مغنية وعارضة ترتاد المناسبات الاجتماعية وتظهر صورها على غلاف مجلة «فوغ»، راحت ترسم وتنحت وتصور الأفلام وتعرف كيف تنظر إلى العالم أبعد من أنفها، وناصرت ثوار الجزائر ونشطت ضد الفاشية وحاربت العنصرية وسخرت فنها للتعبير عن تلك الأفكار. لقد كانت متعددة الاهتمامات، تغني وتخرج الأفلام وترسم وتنحت دون أن تتلقى أي تعليم فني. كانت تتأمل ما صنعه كبار الرسامين والمخرجين وتبتدع لوحات تحاور فيها أعمالهم وكأنها تعيد إنتاجها بعين جديدة. لقد انتمت إلى جماعة الواقعية الجديدة في الفن، مع جيرار ديشان وسيزار وميمو روتيلا وكريستو وإيف كلاين. وكانت ثائرة ضد الحروب والقتل، ترسم خوذا وأسلحة وتضع عليها إشارات غامضة ومفزعة. أما معركتها الخاصة فقد كانت، بالأساس، من أجل إيجاد موضع قدم للمرأة في أوساط المثقفين المنتفخين بذواتهم. ومن هنا جاءت منحوتاتها الملونة الشهيرة لعماليق من النساء الممتلئات السعيدات بأجسادهن، الراقصات الرافعات الأذرع نحو السماء.
من كان يصدق أن يخصص القصر الكبير في باريس معرضا تكريميا للنحاتة الخارجة على كل السياقات؟ إن هذه الصالة التي تبلغ مساحتها 13 ألف متر مربع وتعلوها قبة زجاجية بارتفاع 60 مترا، هي خير حاضنة لأعمال كبيرة الحجم من نوع منحوتات نيكي دو سان فال، فيها من الجرأة والحداثة ما يرتفع بها عن خانة الفنون التزيينية ليضعها في مصاف الإبداع الحقيقي. والمعرض الذي فتح أبوابه، هذا الأسبوع، يستمر حتى الثاني من فبراير (شباط) المقبل، عابرا شتاء باريس ومضيفا شعاعا ملونا على أنوارها. لكن الزائر الذي يقف أمام راقصات سان فال قد يتصور أنها عاشت سعيدة بفضل الرفاهية التي وفرتها لها عائلتها. لكن الفنانة شرحت تلك الصورة الجميلة يوم نشرت مذكراتها قبل رحيلها بثماني سنوات ومنحتها عنوان «سري». ماذا كان سرها؟ لقد سخر منها الطبيب حين اشتكت له، وهي في سن الحادية عشرة، من تحرشات أبيها ورفض تصديقها. وفي سن التاسعة عشرة هربت منه لتتزوج من كاتب وتتطلق منه وتتفرغ لـ«العناية بعقلها». لكن التركة النفسية كانت ثقيلة بحيث إنها عانت من انفصام الشخصية وأدخلوها مصحا للأمراض العقلية، وهي في الثانية والعشرين، لكي تتعالج بالصدمات الكهربائية. وهو الكتاب الذي تعترف فيه بأنها كانت، في شبابها الأول، مسكونة بغضب داخلي كبير بحيث كان في مقدورها أن تعبر عن احتجاجها بقتل أي كان والتحول إلى خبر في نشرة المساء، لولا أن الفن ظهر في الوقت المناسب وألقى لها طوق النجاة.
حين انتصبت، عام 1983، واحدة من منحوتاتها العملاقة الراقصة وسط مياه «نافورة سترافينسكي» في باريس، صار الموقع المقابل لمركز «بومبيدو» النزهة المفضلة للعشاق. فهذه النافورة كانت عملا فنيا مشتركا بين سان فال وبين الفنان السويسري جان تنغلي، زوجها الثاني وحبها الأكبر. وطبعا فقد كانت الفكرة عبقرية نظرا للتماثل اللوني والروحي والمعماري الحداثي بين المنحوتة ومبنى المركز الثقافي المطل عليها. وبعد ذلك تكاثرت راقصاتها في ساحات العاصمة ودخلت منحوتاتها المتاحف العالمية وخصصت لها حديقة كاملة في توسكانيا بإيطاليا، واحتفوا بها في هانوفر بألمانيا. لكنها لم تتخصص في النساء السعيدات فحسب، بل صنعت سلسلة من المنحوتات بعنوان «الأمهات الملتهمات»، وكأنها تتنبأ بما ستكون عليه يوميات بطلات المسلسل الأميركي «ربات بيوت يائسات».
في معرض القصر الكبير يرى الزائر نحوا من 200 قطعة تتعلق بالفنانة، منها الكثير من الأفلام والرسوم التي نفذتها برشاش الألوان. لكن راقصاتها الممشوقات بارتفاع 5 أمتار تستأثرن بالاهتمام الأكبر. إن اقتراب المتفرج منهن يجعله يكتشف الكثير من التفاصيل الصغيرة التي لا ترى في الصور أو من بعيد. أنها منحوتات مشغولة بالألوان ومطرزة بالنقوش والأزرار والتشققات التي تشبه الشرايين الدقيقة. ونقرأ في دليل المعرض أن هذه الأعمال ما زالت تثير قلق أوساط تتمسك بالفن الكلاسيكي الجدير بأن يأخذ مكانه في قصر فخم مثل هذا. وتقول كامي مورينو، المديرة المشرفة على المعرض إن النية كانت ترتيب المعروضات مثل سلسلة من المفاجآت، لأنها هي نفسها كانت تمضي من مفاجأة إلى أخرى أثناء تجميعها لتراث نيكي دو سان فال. وتدافع مورينو عن الفنانة نافية عنها تهمة السطحية. فهي كانت ترتدي القبعات الغريبة لأنها كانت تؤمن بحق المرأة في أن تكون أنثى. وليس صحيحا أنها كانت جاهلة فقد كانت تمضي وقتها في متحف «اللوفر» وتعرف تاريخ الفن بشكل جيد وتتفهم تيارات عصرها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.