قمة ماكرون ـ بوتين اليوم وسقف التوقعات متواضع

باريس تأمل أن تستخدم موسكو نفوذها في الملفين الإيراني والسوري من غير أن تهمل أوكرانيا

TT

قمة ماكرون ـ بوتين اليوم وسقف التوقعات متواضع

مع انتهاء العطلة الصيفية، عادت الحياة لتدب في شرايين الدبلوماسية الفرنسية التي تتهيأ لاستحقاقات مهمة في الأيام المقبلة، أولها اليوم (الاثنين)، بمناسبة «زيارة العمل» التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى «حصن بريغونسون»، المنتجع الصيفي للرئيس إيمانويل ماكرون المطل على مياه المتوسط. وثمة لقاءات مرتقبة لماكرون في قصر الإليزيه، مع رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون أولاً، ثم مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومسؤولين آخرين، قبل أن ينتقل إلى منتجع بياريتز، حيث ستعقد قمة مجموعة السبع.
ومن بين اللقاءات الرئيسية التي سيجريها ماكرون على هامش القمة، يبرز اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وسيجري اللقاء على خلفية توتر مستجد بين الطرفين بسبب الملف النووي الإيراني، والغيظ الذي عبر عنه الرئيس الأميركي في تغريدتين، حذر في إحداهما كل من يرغب في التوسط بين واشنطن وطهران «وعلى رأسهم الرئيس ماكرون» من التحدث باسم الولايات المتحدة الأميركية التي لم تخول أحداً القيام بهذه المهمة.
ورغم التحذيرات الأميركية، لا يبدو أن باريس تنوي التخلي عن التعاطي مع الملف الإيراني. من هنا، تأتي أهمية اللقاءين المنتظرين مع بوتين وترمب. ووفق مصادر فرنسية، فإن باريس تريد من الرئيس الروسي أن يكون عوناً لـماكرون من أجل الضغط على طهران لإبقائها داخل الاتفاق النووي الذي هي أحد الموقعين عليه. ويمر ذلك، بحسب القراءة الفرنسية - الأوروبية، من خلال تخلي طهران عن الخروج التدريجي المبرمج من الاتفاق النووي. وسبق لها أن هددت بأنها تنوي التخلي عن بنود إضافية من الاتفاق بداية الشهر المقبل، على غرار ما فعلت في الشهرين الأخيرين، بعد أن ضربت عرض الحائط بالبند الخاص بمخزونها المتاح من اليورانيوم المخصب، كذلك البند الخاص بمستوى التخصيب. وهدد مسؤولون إيرانيون بالرجوع إلى التخصيب بنسبة 20 في المائة، وبتشغيل مزيد من الطاردات المركزية، بل نصب طاردات من الجيل الجديد. وإزاء هذه التطورات، يريد ماكرون من نظيره الروسي أن يستخدم نفوذه على طهران، إن لجهة خفض التوتر في مياه الخليج، أو الامتناع عن أي إجراء يمكن أن ينظر إليه على أنه «استفزازي»، فضلاً عن مطالبتها بالعودة عن انتهاكاتها السابقة.
لكن باريس تعي أن أمراً كهذا لن يحدث ما لم تحصل طهران على «مقابل» من الجانب الأميركي، لجهة تجميد بعض العقوبات، ومنها تمكينها من تصدير نفطها. وثمة معلومات متواترة تتحدث عن طلب إيراني بتصدير مليون برميل في اليوم، وهو الحد الأدنى الذي يمكنها من تعويم اقتصادها، بانتظار «تطورات أميركية ما»، إضافة إلى مطلب تفعيل الآلية المالية الأوروبية التي لم تنطلق حتى الآن. ولذا، فإن الدعم الذي يمكن أن يحصل عليه ماكرون من الرئيس الروسي من شأنه أن يقوي موقفه بوجه ترمب من جهة، ويزيد من الضغوط على طهران من جهة أخرى. بالمقابل، فإن التصعيد في مياه الخليج «يشوش» على الجهود الفرنسية - الأوروبية، فيما التوجهات السياسية الجديدة لبريطانيا بعد وصول بوريس جونسون إلى رئاسة الحكومة يضعف الموقف الفرنسي - الأوروبي، ويزيد من مصاعب الوساطة الفرنسية.
وواضح أن ماكرون، الراغب في تعزيز علاقاته مع الرئيس الروسي، يريد أن يعطي الدبلوماسية الفرنسية، وفق ما تقوله مصادرها، فسحة للتحرك، لا تتبع بالضرورة الخط الأميركي حرفياً. وترى مصادر رسمية أن الاقتراب من موسكو يحكمه رهان بأن باريس ستكون قادرة على التأثير على السياسات الروسية، سواء في سوريا أو أوكرانيا. ففي الملف السوري، تبدو باريس، كما حال أوروبا، مهمشة تماماً. وتقول المصادر الفرنسية إن الأطراف المؤثرة في الملف المذكور هي تلك التي لها حضور ميداني، والحال أن الأوروبيين غائبون. وسبق لـماكرون أن اقترح على بوتين الجمع بين ما تقوم به مجموعة آستانة وجهود «المجموعة المصغرة» التي اختفت في الأشهر الأخيرة عن الساحة. ولذا، فإن مصادر الإليزيه خفضت سقف توقعاتها، إذ شددت على أن ما سيطلبه ماكرون هو أن تستخدم موسكو نفوذها لوضع حد للعمليات العسكرية التي يقوم بها النظام في الشمال الغربي (إدلب ومنطقتها)، لما لها من ثمن «إنساني» ثقيل، والدفع باتجاه تشكيل اللجنة الدستورية التي يمكن أن تفتح الباب للعودة إلى المفاوضات بين الحكومة والمعارضة. وتتخوف باريس من أن تفضي العمليات العسكرية من جهة إلى نزوح مكثف للمدنيين باتجاه تركيا، وبعدها نحو أوروبا، ومن جهة أخرى أن يكون من نتائجها «تبعثر» المتطرفين، وبالتالي ازدياد مخاطر الأعمال الإرهابية. ولا يمتلك الأوروبيون من أوراق ضغط على روسيا سوى ورقة أساسية، هي قبول المشاركة في عملية إعادة الإعمار، يقيناً منهم بأن تحقيق الانتصار الميداني «يعني ربح الحرب، لكنه لا يعني أبداً ربح السلام».
وتمثل أوكرانيا الملف الرئيسي الثالث لمحادثات ماكرون - بوتين التي ستبدأ بلقاء مغلق، يعقبه عشاء عمل موسع. وللتذكير، فإن خروج روسيا من «مجموعة الثمانية» التي تحولت مجدداً إلى «مجموعة السبع»، يعود لضم موسكو لشبه جزيرة القرم. وفي السنتين اللتين انقضتا من عهد ماكرون، حصل تقارب فرنسي - روسي، وهمت باريس أن تدفع موسكو إلى تطبيق «اتفاق مينسك» الذي وقعت عليه 4 أطراف، هي، إلى جانب فرنسا، ألمانيا وروسيا وأوكرانيا.
وتريد باريس تشجيع الرئيس بوتين على الاستجابة ليد الرئيس الأوكراني الجديد زيلنسكي الممدودة باتجاهه لخفض التوتر في الشرق الأوكراني، بل لوضع حد لما يسمى «حرب الدومباس». لكن السؤال المطروح يتناول الثمن الذي يطلبه بوتين للسير في تخفيض التوتر، وما إذا كانت خطوة كهذه سوف تعني بدء رفع العقوبات التي فرضت على بلاده بسبب شبه جزيرة القرم.
ملفات معقدة كثيرة تنتظر الرئيسين في حصن بريغونسون، لكن التوقعات تبقى متدنية، وهو ما أشارت إليه المصادر الرئاسية في معرض تقديمها للقاء. غير أن اللقاء في حد ذاته مهم جداً لأنه يأتي قبل 5 أيام من قمة السبع، ولأنه يعني، بسبب الملفات التي يتناولها والتي سيبحث بها في القمة المذكورة، إعادة بوتين من النافذة إلى القمة التي أخرج منها من الباب.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».