الانشقاقات تفكك «إخوان مصر»

بعد 6 سنوات على «اعتصام رابعة»

جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
TT

الانشقاقات تفكك «إخوان مصر»

جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)

«انشقاقات، وتفكك، وصراعات بين الشباب والقيادات»، هذا هو المشهد السائد الآن بعد 6 سنوات على اعتصام «إخوان مصر» في ميدان «رابعة» شرق القاهرة. وحسب خبراء في الحركات الأصولية والشؤون الأمنية فإن «(رابعة) كان هو الحدث المحوري لبداية الانشقاقات بين الشباب والقيادات بعدما فقد شباب التنظيم الثقة بهم لتخليهم عنهم».

يقول خبراء الشأن الأصولي لـ«الشرق الأوسط» إن «95% من قطاعات الشباب كانت مؤيدة لفكرة العنف في التنظيم عقب أحداث (رابعة) عام 2013، وهذا ما ظهر جلياً في الاعتصامات التي حدثت في عامي 2014 و2015»، مؤكدين أن «شباب (الإخوان) ما زالوا يرون أن القيادات في الخارج لم تثأر لما حدث في (رابعة)؛ بل هم يعيشون في تركيا وقطر، وتخلوا عن الشباب؛ بل وأصبح لديهم فساد إداري يتعلق بالأموال التي تصل إلى التنظيم». وأشار الخبراء إلى أن «قيادات الخارج تعاملت مع الشباب حسب (هو تابع لمن، أو محسوب على من) منهم، فأوضاع الشباب في الخارج الآن مأساوية، وهناك تخلٍّ عنهم بشكل كبير وواضح». يأتي هذا المشهد العام للتنظيم في الخارج، وسط خفوت تام للدعوات الإخوانية للتظاهر في الميادين المصرية في ذكرى الاعتصام، والتحريض على العنف.

صراع عزت وكمال

في صبيحة يوم 14 أغسطس (آب) عام 2013 فضّت السلطات المصرية اعتصام مؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسي بميداني «رابعة» بالقاهرة، و«النهضة» بالجيزة. وأصدر مجلس الوزراء المصري بياناً حينها أكد فيه أن «الإجراءات كانت حتمية لمواجهة التخريب»... وشدد على «الالتزام بضمان حق التعبير السلمي ما دام كان ذلك في إطار الحفاظ على سلامة وأمن المجتمع».
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «شباب (الإخوان) ما زالوا غاضبين من قيادات التنظيم، لأنهم كانوا يريدون رد فعل مناسباً على فض (رابعة والنهضة)؛ لكنهم وجدوا تراخياً من القيادات، التي كانت ممثلة للتنظيم في ذلك الوقت، وفي مقدمتهم محمود عزت، القائم بأعمال مرشد (الإخوان)، والذي كان يوافق على العمل النوعي؛ لكن من دون إراقة دماء، بمعنى إجهاد النظام الحاكم بمصر في عمليات تخريب دون الوصول إلى مواجهات مسلحة، تلا ذلك انسحاب محمود عزت من المشهد، واستمرار محمد كمال (مؤسس الجناح المسلح لـ«الإخوان» ولجانها النوعية) في المواجهة المسلحة»، مضيفاً أن «95% من قطاعات الشباب كانت مؤيدة لفكرة العنف في التنظيم عقب أحداث (رابعة) عام 2013، وهذا ما ظهر جلياً في الاعتصامات التي حدثت في عامي 2014 و2015».
المشهد الذي لا يزال يتذكره المصريون عندما تحل ذكرى «رابعة»، هو ما قام به أنصار مرسي، عقب فض «اعتصام رابعة»، من إحراق الكنائس، واقتحام وإحراق أقسام الشرطة، وتهريب المتهمين المحتجزين على ذمة قضايا، وقتل للأبرياء في الشوارع.
وأكد زغلول، أن «شباب (الإخوان) ما زالوا يرون أن القيادات في الخارج لم تثأر لما حدث في (رابعة)؛ بل هم يعيشون في تركيا وقطر وتخلوا عن الشباب؛ بل أصبح لديهم فساد إداري يتعلق بالأموال التي تصل إلى التنظيم»، لافتاً إلى أن «الشباب يرون أنه لا حل للأزمة مع قيادات الخارج، دون الإجابة عن التساؤل الذي لم تجب عنه القيادات منذ عام 2013 وهو (ماذا فعلت القيادات لمن كانوا في رابعة؟)، وعندما لم يجدوا الإجابة، لجأ الشباب عقب رحيل مرسي عن السلطة في 3 يوليو (تموز) عام 2013 إلى الانضمام للتنظيمات التكفيرية، لأن قطاعات عديدة من الشباب كانت تُعلق آمالها على العمل النوعي للتنظيم؛ لكن خفوت التنظيم، جعل الشباب (يكفر) –على حد قوله– بمشروع (الإخوان)، وقدرة التنظيم على التغيير، وانضم بعضهم إلى تنظيم (القاعدة)، أو (ولاية سيناء الموالي لداعش)، وبعضهم سافر إلى سوريا وانضم لـ(داعش)».

التنظيمات السرية

وقال مراقبون إن «تنظيم (الإخوان) اعتمد منذ نشأته على التنظيمات السرية للتخلص من خصومه»، مؤكدين أن «حركات مثل (حسم) و(لواء الثورة) أحد إفرازات (الإخوان)، وأنه عقب رحيل (الإخوان) عن السلطة في مصر، كانت هناك أجنحة لم تقبل بهذا الرحيل، وبدأ ظهور مجموعة (العمليات النوعية) بقيادة محمد كمال (الذي قُتل في مواجهات مع الأمن المصري)».
وعن تزايد الانشقاقات بين الشباب وقيادات الخارج الآن، قال زغلول: «في البداية كانت قيادات الخارج حريصة على الشباب الذين يصلون إلى تركيا مثلاً، ثم بدأ هذا الاهتمام يقل شيئاً فشيئاً، ونتج عنه أزمات، خصوصاً مع ترحيل بعض الشباب، ووجود أزمات في جوازات السفر، لا سيما لمن ينتهي جوازه، فقيادات الخارج تعاملت مع الشباب حسب (هو تابع لمن، أو محسوب على من) منهم، فأوضاع الشباب في الخارج الآن مأساوية، وهناك تخلٍّ عنهم بشكل كبير وواضح».
وأكد المراقبون: «سبق أن أعلنت ماليزيا تسليم 5 من شباب (الإخوان) لمصر، بعدما تبين للحكومة الماليزية أنهم صادر بحقهم أحكام بالمؤبد غيابياً في قضايا إرهابية، وأسماؤهم مُدرجة على قوائم الإنتربول... كما رحّلت تركيا الشاب الإخواني محمد عبد الحفيظ الصادر بحقه حكم غيابي بالإعدام في قضية استهداف النائب العام المصري السابق المستشار هشام بركات، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها سلطات تركيا بترحيل أحد عناصر التنظيم الهاربين... وهو ما دفع الشباب إلى اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي، للتحريض ضد القيادات والدول التي تحاول طردهم».

أحكام «رابعة»

يأتي هذا في وقت، ما زالت القضية المعروفة إعلامياً بـ«فض اعتصام رابعة» متداولة في المحاكم المصرية، إذ يترقب أن تحدد محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية في البلاد) خلال الفترة المقبلة موعداً، لنظر طعون المتهمين على الأحكام الصادرة ضدهم من محكمة الجنايات.
وفى سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، قضت محكمة جنايات القاهرة وبإجماع الآراء بإعدام 75 من قيادات «الإخوان» لإدانتهم في قضية اعتصام «رابعة» المسلح، وذلك عقب استطلاع رأي مفتي الديار المصرية.
وشمل الحكم 44 متهماً حضورياً محبوسين، ومنهم قيادات التنظيم: عصام العريان، ومحمد البلتاجي، وصفوت حجازي، وعبد الرحمن البر (المُلقب بمفتي الإخوان)، وغيابياً 31 متهماً هاربين، ومنهم طارق الزمر (المدرج 3 مرات على قوائم الإرهاب، آخرها في يناير «كانون الثاني» الماضي، وقبلها أُدرج مع 164 متهماً، ومدرج أيضاً ضمن قائمة ضمت 59 إرهابياً أعلنت عنها 4 دول هي «المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين» على خلفية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر لتمويل الجماعات الإرهابية)، فضلاً عن وجدي غنيم (المدرج على قوائم الإرهاب، والمحكوم عليه بالسجن 3 سنوات في «إهانة القضاء»، والسجن المؤبد في قضية «خلية وجدي غنيم» بمصر).
كانت تحقيقات النيابة العامة في القضية قد انتهت إلى اتهام 739 من عناصر «الإخوان» بأنهم خلال الفترة من 21 يونيو (حزيران) حتى 14 أغسطس 2013، ارتكبوا جرائم تدبير تجمهر مسلح، والاشتراك فيه بميدان «رابعة» وقطع الطرق، وتقييد حرية الناس في التنقل، والقتل العمد مع سبق الإصرار للمواطنين وقوات الشرطة المكلفة بفض تجمهرهم، والشروع في القتل العمد، وتعمد تعطيل سير وسائل النقل، فضلاً عن تقييد حركة المواطنين وحرمانهم من حرية التنقل، والتأثير على السلطات العامة في أعمالها بهدف مناهضة ثورة «30 يونيو» التي أطاحت بحكم «الإخوان»، وتغيير خريطة الطريق التي أجمع الشعب المصري عليها.

تخلي قيادات الخارج

من جهته، أكد اللواء كمال المغربي، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن «نغمة الاستقواء بالخارج التي يرددها (الإخوان) أصبحت بلا قيمة الآن»، مضيفاً أن «ما دفع شباب (الإخوان) الهاربين للتحريض ضد قيادات التنظيم عبر صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، هي حالة الذعر التي يعيشون فيها بعد تخلي القيادات عنهم».
وعن شباب الإخوان في مصر الآن، قال أحمد زغلول: إن «شباب (الإخوان) يواجهون أعباء نفسية واجتماعية، سواء مَن خرجوا من السجون، أو مَن هم بداخلها، لعدم قدرتهم على الانخراط في المجتمع المصري، والتخلي عن أفكار التنظيم، خصوصاً التي تدعو للعنف والتحريض... لذا ترى شريحة من شباب التنظيم أن العنف هو السبيل الآن عبر القيام بعمليات عشوائية، والتي تُعد هي الأخطر الآن من وجهة نظري».
ودلل زغلول على ذلك بأنه «عقب وفاة مرسي (الطبيعية) كان هناك عدد من شباب (الإخوان) يُفكر في القيام بأعمال عنف وشغب، خصوصاً بعدما تزايد التحريض من بعض الدول ضد مصر في واقعة وفاة محمد مرسي؛ لكنهم تراجعوا عن القيام بتلك الخطوة، لعدم وجود ظهير لهم في الشارع، وللفظ المصريين للتنظيم، الذي تعده السلطات المصرية إرهابياً».
واتهمت وزارة الداخلية في مصر، حركة «حسم» أخيراً بضلوعها في «انفجار معهد الأورام». وقالت وقتها، إنه «ناجم عن سيارة تم تجهيزها بالمتفجرات استعداداً لتنفيذ (عمل إرهابي)؛ لكنها انفجرت عندما كانت تسير في الاتجاه المعاكس على كورنيش النيل أمام المعهد». كما اعترف المتهم حسام عادل، واسمه الحركي «معاذ»، الذي أعلنت «الداخلية» توقيفه، أنه «عمل في مجال الدعم اللوجيستي والرصد، وكان يتلقى التكليفات من مسؤولي تنظيم (الإخوان) في تركيا والسودان».
وخلت ذكرى «رابعة» السادسة من أي دعوات للتظاهر في مصر. واكتفت الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة «المنحل»، ذراع «الإخوان» السياسية، على «فيسبوك»، بنشر صور لـ«اعتصام رابعة»، من دون أي دعوات للتظاهر.


مقالات ذات صلة

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

أوروبا العلم الألماني في العاصمة برلين (أ.ب)

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

صادرت الشرطة الألمانية أجهزة كومبيوتر محمولة وأموالاً، خلال عمليات مداهمة استهدفت جمعية إسلامية تم حظرها حديثاً، ويقع مقرّها خارج برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي في مطار أنقرة في إسطنبول (من البث المباشر لوصول الرئيس المصري) play-circle 00:39

السيسي وصل إلى أنقرة في أول زيارة لتركيا

وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، الأربعاء، في أول زيارة يقوم بها لتركيا منذ توليه الرئاسة في مصر عام 2014

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)

مصر: توقيف المتهم بـ«فيديو فيصل» وحملة مضادة تستعرض «جرائم الإخوان»

أعلنت «الداخلية المصرية»، الثلاثاء، القبض على المتهم ببث «فيديو فيصل» الذي شغل الرأي العام، مؤكدة «اعترافه» بارتكاب الواقعة، بـ«تحريض» من عناصر «الإخوان».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الإعلامي بقناة «الشرق» الإخوانية عماد البحيري تم توقيفه بسبب التهرب الضريبي (من حسابه على  «فيسبوك»)

تركيا توقف إعلامياً في قناة إخوانية لتهربه من الضرائب

أحالت السلطات التركية، (الخميس)، المذيع بقناة «الشرق» المحسوبة على «الإخوان المسلمين»، عماد البحيري، إلى أحد مراكز التوقيف بدائرة الهجرة في إسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون (د.ب.أ)

الجزائر: فصيل «الإخوان» يرشح الرئيس تبون لعهدة ثانية

أعلنت حركة البناء الوطني (فصيل الإخوان في الجزائر)، الجمعة، عن ترشيحها الرئيس عبد المجيد تبون للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 7 سبتمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».