الانشقاقات تفكك «إخوان مصر»

بعد 6 سنوات على «اعتصام رابعة»

جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
TT

الانشقاقات تفكك «إخوان مصر»

جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)

«انشقاقات، وتفكك، وصراعات بين الشباب والقيادات»، هذا هو المشهد السائد الآن بعد 6 سنوات على اعتصام «إخوان مصر» في ميدان «رابعة» شرق القاهرة. وحسب خبراء في الحركات الأصولية والشؤون الأمنية فإن «(رابعة) كان هو الحدث المحوري لبداية الانشقاقات بين الشباب والقيادات بعدما فقد شباب التنظيم الثقة بهم لتخليهم عنهم».

يقول خبراء الشأن الأصولي لـ«الشرق الأوسط» إن «95% من قطاعات الشباب كانت مؤيدة لفكرة العنف في التنظيم عقب أحداث (رابعة) عام 2013، وهذا ما ظهر جلياً في الاعتصامات التي حدثت في عامي 2014 و2015»، مؤكدين أن «شباب (الإخوان) ما زالوا يرون أن القيادات في الخارج لم تثأر لما حدث في (رابعة)؛ بل هم يعيشون في تركيا وقطر، وتخلوا عن الشباب؛ بل وأصبح لديهم فساد إداري يتعلق بالأموال التي تصل إلى التنظيم». وأشار الخبراء إلى أن «قيادات الخارج تعاملت مع الشباب حسب (هو تابع لمن، أو محسوب على من) منهم، فأوضاع الشباب في الخارج الآن مأساوية، وهناك تخلٍّ عنهم بشكل كبير وواضح». يأتي هذا المشهد العام للتنظيم في الخارج، وسط خفوت تام للدعوات الإخوانية للتظاهر في الميادين المصرية في ذكرى الاعتصام، والتحريض على العنف.

صراع عزت وكمال

في صبيحة يوم 14 أغسطس (آب) عام 2013 فضّت السلطات المصرية اعتصام مؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسي بميداني «رابعة» بالقاهرة، و«النهضة» بالجيزة. وأصدر مجلس الوزراء المصري بياناً حينها أكد فيه أن «الإجراءات كانت حتمية لمواجهة التخريب»... وشدد على «الالتزام بضمان حق التعبير السلمي ما دام كان ذلك في إطار الحفاظ على سلامة وأمن المجتمع».
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «شباب (الإخوان) ما زالوا غاضبين من قيادات التنظيم، لأنهم كانوا يريدون رد فعل مناسباً على فض (رابعة والنهضة)؛ لكنهم وجدوا تراخياً من القيادات، التي كانت ممثلة للتنظيم في ذلك الوقت، وفي مقدمتهم محمود عزت، القائم بأعمال مرشد (الإخوان)، والذي كان يوافق على العمل النوعي؛ لكن من دون إراقة دماء، بمعنى إجهاد النظام الحاكم بمصر في عمليات تخريب دون الوصول إلى مواجهات مسلحة، تلا ذلك انسحاب محمود عزت من المشهد، واستمرار محمد كمال (مؤسس الجناح المسلح لـ«الإخوان» ولجانها النوعية) في المواجهة المسلحة»، مضيفاً أن «95% من قطاعات الشباب كانت مؤيدة لفكرة العنف في التنظيم عقب أحداث (رابعة) عام 2013، وهذا ما ظهر جلياً في الاعتصامات التي حدثت في عامي 2014 و2015».
المشهد الذي لا يزال يتذكره المصريون عندما تحل ذكرى «رابعة»، هو ما قام به أنصار مرسي، عقب فض «اعتصام رابعة»، من إحراق الكنائس، واقتحام وإحراق أقسام الشرطة، وتهريب المتهمين المحتجزين على ذمة قضايا، وقتل للأبرياء في الشوارع.
وأكد زغلول، أن «شباب (الإخوان) ما زالوا يرون أن القيادات في الخارج لم تثأر لما حدث في (رابعة)؛ بل هم يعيشون في تركيا وقطر وتخلوا عن الشباب؛ بل أصبح لديهم فساد إداري يتعلق بالأموال التي تصل إلى التنظيم»، لافتاً إلى أن «الشباب يرون أنه لا حل للأزمة مع قيادات الخارج، دون الإجابة عن التساؤل الذي لم تجب عنه القيادات منذ عام 2013 وهو (ماذا فعلت القيادات لمن كانوا في رابعة؟)، وعندما لم يجدوا الإجابة، لجأ الشباب عقب رحيل مرسي عن السلطة في 3 يوليو (تموز) عام 2013 إلى الانضمام للتنظيمات التكفيرية، لأن قطاعات عديدة من الشباب كانت تُعلق آمالها على العمل النوعي للتنظيم؛ لكن خفوت التنظيم، جعل الشباب (يكفر) –على حد قوله– بمشروع (الإخوان)، وقدرة التنظيم على التغيير، وانضم بعضهم إلى تنظيم (القاعدة)، أو (ولاية سيناء الموالي لداعش)، وبعضهم سافر إلى سوريا وانضم لـ(داعش)».

التنظيمات السرية

وقال مراقبون إن «تنظيم (الإخوان) اعتمد منذ نشأته على التنظيمات السرية للتخلص من خصومه»، مؤكدين أن «حركات مثل (حسم) و(لواء الثورة) أحد إفرازات (الإخوان)، وأنه عقب رحيل (الإخوان) عن السلطة في مصر، كانت هناك أجنحة لم تقبل بهذا الرحيل، وبدأ ظهور مجموعة (العمليات النوعية) بقيادة محمد كمال (الذي قُتل في مواجهات مع الأمن المصري)».
وعن تزايد الانشقاقات بين الشباب وقيادات الخارج الآن، قال زغلول: «في البداية كانت قيادات الخارج حريصة على الشباب الذين يصلون إلى تركيا مثلاً، ثم بدأ هذا الاهتمام يقل شيئاً فشيئاً، ونتج عنه أزمات، خصوصاً مع ترحيل بعض الشباب، ووجود أزمات في جوازات السفر، لا سيما لمن ينتهي جوازه، فقيادات الخارج تعاملت مع الشباب حسب (هو تابع لمن، أو محسوب على من) منهم، فأوضاع الشباب في الخارج الآن مأساوية، وهناك تخلٍّ عنهم بشكل كبير وواضح».
وأكد المراقبون: «سبق أن أعلنت ماليزيا تسليم 5 من شباب (الإخوان) لمصر، بعدما تبين للحكومة الماليزية أنهم صادر بحقهم أحكام بالمؤبد غيابياً في قضايا إرهابية، وأسماؤهم مُدرجة على قوائم الإنتربول... كما رحّلت تركيا الشاب الإخواني محمد عبد الحفيظ الصادر بحقه حكم غيابي بالإعدام في قضية استهداف النائب العام المصري السابق المستشار هشام بركات، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها سلطات تركيا بترحيل أحد عناصر التنظيم الهاربين... وهو ما دفع الشباب إلى اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي، للتحريض ضد القيادات والدول التي تحاول طردهم».

أحكام «رابعة»

يأتي هذا في وقت، ما زالت القضية المعروفة إعلامياً بـ«فض اعتصام رابعة» متداولة في المحاكم المصرية، إذ يترقب أن تحدد محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية في البلاد) خلال الفترة المقبلة موعداً، لنظر طعون المتهمين على الأحكام الصادرة ضدهم من محكمة الجنايات.
وفى سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، قضت محكمة جنايات القاهرة وبإجماع الآراء بإعدام 75 من قيادات «الإخوان» لإدانتهم في قضية اعتصام «رابعة» المسلح، وذلك عقب استطلاع رأي مفتي الديار المصرية.
وشمل الحكم 44 متهماً حضورياً محبوسين، ومنهم قيادات التنظيم: عصام العريان، ومحمد البلتاجي، وصفوت حجازي، وعبد الرحمن البر (المُلقب بمفتي الإخوان)، وغيابياً 31 متهماً هاربين، ومنهم طارق الزمر (المدرج 3 مرات على قوائم الإرهاب، آخرها في يناير «كانون الثاني» الماضي، وقبلها أُدرج مع 164 متهماً، ومدرج أيضاً ضمن قائمة ضمت 59 إرهابياً أعلنت عنها 4 دول هي «المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين» على خلفية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر لتمويل الجماعات الإرهابية)، فضلاً عن وجدي غنيم (المدرج على قوائم الإرهاب، والمحكوم عليه بالسجن 3 سنوات في «إهانة القضاء»، والسجن المؤبد في قضية «خلية وجدي غنيم» بمصر).
كانت تحقيقات النيابة العامة في القضية قد انتهت إلى اتهام 739 من عناصر «الإخوان» بأنهم خلال الفترة من 21 يونيو (حزيران) حتى 14 أغسطس 2013، ارتكبوا جرائم تدبير تجمهر مسلح، والاشتراك فيه بميدان «رابعة» وقطع الطرق، وتقييد حرية الناس في التنقل، والقتل العمد مع سبق الإصرار للمواطنين وقوات الشرطة المكلفة بفض تجمهرهم، والشروع في القتل العمد، وتعمد تعطيل سير وسائل النقل، فضلاً عن تقييد حركة المواطنين وحرمانهم من حرية التنقل، والتأثير على السلطات العامة في أعمالها بهدف مناهضة ثورة «30 يونيو» التي أطاحت بحكم «الإخوان»، وتغيير خريطة الطريق التي أجمع الشعب المصري عليها.

تخلي قيادات الخارج

من جهته، أكد اللواء كمال المغربي، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن «نغمة الاستقواء بالخارج التي يرددها (الإخوان) أصبحت بلا قيمة الآن»، مضيفاً أن «ما دفع شباب (الإخوان) الهاربين للتحريض ضد قيادات التنظيم عبر صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، هي حالة الذعر التي يعيشون فيها بعد تخلي القيادات عنهم».
وعن شباب الإخوان في مصر الآن، قال أحمد زغلول: إن «شباب (الإخوان) يواجهون أعباء نفسية واجتماعية، سواء مَن خرجوا من السجون، أو مَن هم بداخلها، لعدم قدرتهم على الانخراط في المجتمع المصري، والتخلي عن أفكار التنظيم، خصوصاً التي تدعو للعنف والتحريض... لذا ترى شريحة من شباب التنظيم أن العنف هو السبيل الآن عبر القيام بعمليات عشوائية، والتي تُعد هي الأخطر الآن من وجهة نظري».
ودلل زغلول على ذلك بأنه «عقب وفاة مرسي (الطبيعية) كان هناك عدد من شباب (الإخوان) يُفكر في القيام بأعمال عنف وشغب، خصوصاً بعدما تزايد التحريض من بعض الدول ضد مصر في واقعة وفاة محمد مرسي؛ لكنهم تراجعوا عن القيام بتلك الخطوة، لعدم وجود ظهير لهم في الشارع، وللفظ المصريين للتنظيم، الذي تعده السلطات المصرية إرهابياً».
واتهمت وزارة الداخلية في مصر، حركة «حسم» أخيراً بضلوعها في «انفجار معهد الأورام». وقالت وقتها، إنه «ناجم عن سيارة تم تجهيزها بالمتفجرات استعداداً لتنفيذ (عمل إرهابي)؛ لكنها انفجرت عندما كانت تسير في الاتجاه المعاكس على كورنيش النيل أمام المعهد». كما اعترف المتهم حسام عادل، واسمه الحركي «معاذ»، الذي أعلنت «الداخلية» توقيفه، أنه «عمل في مجال الدعم اللوجيستي والرصد، وكان يتلقى التكليفات من مسؤولي تنظيم (الإخوان) في تركيا والسودان».
وخلت ذكرى «رابعة» السادسة من أي دعوات للتظاهر في مصر. واكتفت الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة «المنحل»، ذراع «الإخوان» السياسية، على «فيسبوك»، بنشر صور لـ«اعتصام رابعة»، من دون أي دعوات للتظاهر.


مقالات ذات صلة

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

أوروبا العلم الألماني في العاصمة برلين (أ.ب)

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

صادرت الشرطة الألمانية أجهزة كومبيوتر محمولة وأموالاً، خلال عمليات مداهمة استهدفت جمعية إسلامية تم حظرها حديثاً، ويقع مقرّها خارج برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي في مطار أنقرة في إسطنبول (من البث المباشر لوصول الرئيس المصري) play-circle 00:39

السيسي وصل إلى أنقرة في أول زيارة لتركيا

وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، الأربعاء، في أول زيارة يقوم بها لتركيا منذ توليه الرئاسة في مصر عام 2014

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)

مصر: توقيف المتهم بـ«فيديو فيصل» وحملة مضادة تستعرض «جرائم الإخوان»

أعلنت «الداخلية المصرية»، الثلاثاء، القبض على المتهم ببث «فيديو فيصل» الذي شغل الرأي العام، مؤكدة «اعترافه» بارتكاب الواقعة، بـ«تحريض» من عناصر «الإخوان».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الإعلامي بقناة «الشرق» الإخوانية عماد البحيري تم توقيفه بسبب التهرب الضريبي (من حسابه على  «فيسبوك»)

تركيا توقف إعلامياً في قناة إخوانية لتهربه من الضرائب

أحالت السلطات التركية، (الخميس)، المذيع بقناة «الشرق» المحسوبة على «الإخوان المسلمين»، عماد البحيري، إلى أحد مراكز التوقيف بدائرة الهجرة في إسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون (د.ب.أ)

الجزائر: فصيل «الإخوان» يرشح الرئيس تبون لعهدة ثانية

أعلنت حركة البناء الوطني (فصيل الإخوان في الجزائر)، الجمعة، عن ترشيحها الرئيس عبد المجيد تبون للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 7 سبتمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».