الانشقاقات تفكك «إخوان مصر»

بعد 6 سنوات على «اعتصام رابعة»

جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
TT

الانشقاقات تفكك «إخوان مصر»

جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في «رابعة» عام 2013 (الشرق الأوسط)

«انشقاقات، وتفكك، وصراعات بين الشباب والقيادات»، هذا هو المشهد السائد الآن بعد 6 سنوات على اعتصام «إخوان مصر» في ميدان «رابعة» شرق القاهرة. وحسب خبراء في الحركات الأصولية والشؤون الأمنية فإن «(رابعة) كان هو الحدث المحوري لبداية الانشقاقات بين الشباب والقيادات بعدما فقد شباب التنظيم الثقة بهم لتخليهم عنهم».

يقول خبراء الشأن الأصولي لـ«الشرق الأوسط» إن «95% من قطاعات الشباب كانت مؤيدة لفكرة العنف في التنظيم عقب أحداث (رابعة) عام 2013، وهذا ما ظهر جلياً في الاعتصامات التي حدثت في عامي 2014 و2015»، مؤكدين أن «شباب (الإخوان) ما زالوا يرون أن القيادات في الخارج لم تثأر لما حدث في (رابعة)؛ بل هم يعيشون في تركيا وقطر، وتخلوا عن الشباب؛ بل وأصبح لديهم فساد إداري يتعلق بالأموال التي تصل إلى التنظيم». وأشار الخبراء إلى أن «قيادات الخارج تعاملت مع الشباب حسب (هو تابع لمن، أو محسوب على من) منهم، فأوضاع الشباب في الخارج الآن مأساوية، وهناك تخلٍّ عنهم بشكل كبير وواضح». يأتي هذا المشهد العام للتنظيم في الخارج، وسط خفوت تام للدعوات الإخوانية للتظاهر في الميادين المصرية في ذكرى الاعتصام، والتحريض على العنف.

صراع عزت وكمال

في صبيحة يوم 14 أغسطس (آب) عام 2013 فضّت السلطات المصرية اعتصام مؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسي بميداني «رابعة» بالقاهرة، و«النهضة» بالجيزة. وأصدر مجلس الوزراء المصري بياناً حينها أكد فيه أن «الإجراءات كانت حتمية لمواجهة التخريب»... وشدد على «الالتزام بضمان حق التعبير السلمي ما دام كان ذلك في إطار الحفاظ على سلامة وأمن المجتمع».
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «شباب (الإخوان) ما زالوا غاضبين من قيادات التنظيم، لأنهم كانوا يريدون رد فعل مناسباً على فض (رابعة والنهضة)؛ لكنهم وجدوا تراخياً من القيادات، التي كانت ممثلة للتنظيم في ذلك الوقت، وفي مقدمتهم محمود عزت، القائم بأعمال مرشد (الإخوان)، والذي كان يوافق على العمل النوعي؛ لكن من دون إراقة دماء، بمعنى إجهاد النظام الحاكم بمصر في عمليات تخريب دون الوصول إلى مواجهات مسلحة، تلا ذلك انسحاب محمود عزت من المشهد، واستمرار محمد كمال (مؤسس الجناح المسلح لـ«الإخوان» ولجانها النوعية) في المواجهة المسلحة»، مضيفاً أن «95% من قطاعات الشباب كانت مؤيدة لفكرة العنف في التنظيم عقب أحداث (رابعة) عام 2013، وهذا ما ظهر جلياً في الاعتصامات التي حدثت في عامي 2014 و2015».
المشهد الذي لا يزال يتذكره المصريون عندما تحل ذكرى «رابعة»، هو ما قام به أنصار مرسي، عقب فض «اعتصام رابعة»، من إحراق الكنائس، واقتحام وإحراق أقسام الشرطة، وتهريب المتهمين المحتجزين على ذمة قضايا، وقتل للأبرياء في الشوارع.
وأكد زغلول، أن «شباب (الإخوان) ما زالوا يرون أن القيادات في الخارج لم تثأر لما حدث في (رابعة)؛ بل هم يعيشون في تركيا وقطر وتخلوا عن الشباب؛ بل أصبح لديهم فساد إداري يتعلق بالأموال التي تصل إلى التنظيم»، لافتاً إلى أن «الشباب يرون أنه لا حل للأزمة مع قيادات الخارج، دون الإجابة عن التساؤل الذي لم تجب عنه القيادات منذ عام 2013 وهو (ماذا فعلت القيادات لمن كانوا في رابعة؟)، وعندما لم يجدوا الإجابة، لجأ الشباب عقب رحيل مرسي عن السلطة في 3 يوليو (تموز) عام 2013 إلى الانضمام للتنظيمات التكفيرية، لأن قطاعات عديدة من الشباب كانت تُعلق آمالها على العمل النوعي للتنظيم؛ لكن خفوت التنظيم، جعل الشباب (يكفر) –على حد قوله– بمشروع (الإخوان)، وقدرة التنظيم على التغيير، وانضم بعضهم إلى تنظيم (القاعدة)، أو (ولاية سيناء الموالي لداعش)، وبعضهم سافر إلى سوريا وانضم لـ(داعش)».

التنظيمات السرية

وقال مراقبون إن «تنظيم (الإخوان) اعتمد منذ نشأته على التنظيمات السرية للتخلص من خصومه»، مؤكدين أن «حركات مثل (حسم) و(لواء الثورة) أحد إفرازات (الإخوان)، وأنه عقب رحيل (الإخوان) عن السلطة في مصر، كانت هناك أجنحة لم تقبل بهذا الرحيل، وبدأ ظهور مجموعة (العمليات النوعية) بقيادة محمد كمال (الذي قُتل في مواجهات مع الأمن المصري)».
وعن تزايد الانشقاقات بين الشباب وقيادات الخارج الآن، قال زغلول: «في البداية كانت قيادات الخارج حريصة على الشباب الذين يصلون إلى تركيا مثلاً، ثم بدأ هذا الاهتمام يقل شيئاً فشيئاً، ونتج عنه أزمات، خصوصاً مع ترحيل بعض الشباب، ووجود أزمات في جوازات السفر، لا سيما لمن ينتهي جوازه، فقيادات الخارج تعاملت مع الشباب حسب (هو تابع لمن، أو محسوب على من) منهم، فأوضاع الشباب في الخارج الآن مأساوية، وهناك تخلٍّ عنهم بشكل كبير وواضح».
وأكد المراقبون: «سبق أن أعلنت ماليزيا تسليم 5 من شباب (الإخوان) لمصر، بعدما تبين للحكومة الماليزية أنهم صادر بحقهم أحكام بالمؤبد غيابياً في قضايا إرهابية، وأسماؤهم مُدرجة على قوائم الإنتربول... كما رحّلت تركيا الشاب الإخواني محمد عبد الحفيظ الصادر بحقه حكم غيابي بالإعدام في قضية استهداف النائب العام المصري السابق المستشار هشام بركات، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها سلطات تركيا بترحيل أحد عناصر التنظيم الهاربين... وهو ما دفع الشباب إلى اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي، للتحريض ضد القيادات والدول التي تحاول طردهم».

أحكام «رابعة»

يأتي هذا في وقت، ما زالت القضية المعروفة إعلامياً بـ«فض اعتصام رابعة» متداولة في المحاكم المصرية، إذ يترقب أن تحدد محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية في البلاد) خلال الفترة المقبلة موعداً، لنظر طعون المتهمين على الأحكام الصادرة ضدهم من محكمة الجنايات.
وفى سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، قضت محكمة جنايات القاهرة وبإجماع الآراء بإعدام 75 من قيادات «الإخوان» لإدانتهم في قضية اعتصام «رابعة» المسلح، وذلك عقب استطلاع رأي مفتي الديار المصرية.
وشمل الحكم 44 متهماً حضورياً محبوسين، ومنهم قيادات التنظيم: عصام العريان، ومحمد البلتاجي، وصفوت حجازي، وعبد الرحمن البر (المُلقب بمفتي الإخوان)، وغيابياً 31 متهماً هاربين، ومنهم طارق الزمر (المدرج 3 مرات على قوائم الإرهاب، آخرها في يناير «كانون الثاني» الماضي، وقبلها أُدرج مع 164 متهماً، ومدرج أيضاً ضمن قائمة ضمت 59 إرهابياً أعلنت عنها 4 دول هي «المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين» على خلفية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر لتمويل الجماعات الإرهابية)، فضلاً عن وجدي غنيم (المدرج على قوائم الإرهاب، والمحكوم عليه بالسجن 3 سنوات في «إهانة القضاء»، والسجن المؤبد في قضية «خلية وجدي غنيم» بمصر).
كانت تحقيقات النيابة العامة في القضية قد انتهت إلى اتهام 739 من عناصر «الإخوان» بأنهم خلال الفترة من 21 يونيو (حزيران) حتى 14 أغسطس 2013، ارتكبوا جرائم تدبير تجمهر مسلح، والاشتراك فيه بميدان «رابعة» وقطع الطرق، وتقييد حرية الناس في التنقل، والقتل العمد مع سبق الإصرار للمواطنين وقوات الشرطة المكلفة بفض تجمهرهم، والشروع في القتل العمد، وتعمد تعطيل سير وسائل النقل، فضلاً عن تقييد حركة المواطنين وحرمانهم من حرية التنقل، والتأثير على السلطات العامة في أعمالها بهدف مناهضة ثورة «30 يونيو» التي أطاحت بحكم «الإخوان»، وتغيير خريطة الطريق التي أجمع الشعب المصري عليها.

تخلي قيادات الخارج

من جهته، أكد اللواء كمال المغربي، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن «نغمة الاستقواء بالخارج التي يرددها (الإخوان) أصبحت بلا قيمة الآن»، مضيفاً أن «ما دفع شباب (الإخوان) الهاربين للتحريض ضد قيادات التنظيم عبر صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، هي حالة الذعر التي يعيشون فيها بعد تخلي القيادات عنهم».
وعن شباب الإخوان في مصر الآن، قال أحمد زغلول: إن «شباب (الإخوان) يواجهون أعباء نفسية واجتماعية، سواء مَن خرجوا من السجون، أو مَن هم بداخلها، لعدم قدرتهم على الانخراط في المجتمع المصري، والتخلي عن أفكار التنظيم، خصوصاً التي تدعو للعنف والتحريض... لذا ترى شريحة من شباب التنظيم أن العنف هو السبيل الآن عبر القيام بعمليات عشوائية، والتي تُعد هي الأخطر الآن من وجهة نظري».
ودلل زغلول على ذلك بأنه «عقب وفاة مرسي (الطبيعية) كان هناك عدد من شباب (الإخوان) يُفكر في القيام بأعمال عنف وشغب، خصوصاً بعدما تزايد التحريض من بعض الدول ضد مصر في واقعة وفاة محمد مرسي؛ لكنهم تراجعوا عن القيام بتلك الخطوة، لعدم وجود ظهير لهم في الشارع، وللفظ المصريين للتنظيم، الذي تعده السلطات المصرية إرهابياً».
واتهمت وزارة الداخلية في مصر، حركة «حسم» أخيراً بضلوعها في «انفجار معهد الأورام». وقالت وقتها، إنه «ناجم عن سيارة تم تجهيزها بالمتفجرات استعداداً لتنفيذ (عمل إرهابي)؛ لكنها انفجرت عندما كانت تسير في الاتجاه المعاكس على كورنيش النيل أمام المعهد». كما اعترف المتهم حسام عادل، واسمه الحركي «معاذ»، الذي أعلنت «الداخلية» توقيفه، أنه «عمل في مجال الدعم اللوجيستي والرصد، وكان يتلقى التكليفات من مسؤولي تنظيم (الإخوان) في تركيا والسودان».
وخلت ذكرى «رابعة» السادسة من أي دعوات للتظاهر في مصر. واكتفت الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة «المنحل»، ذراع «الإخوان» السياسية، على «فيسبوك»، بنشر صور لـ«اعتصام رابعة»، من دون أي دعوات للتظاهر.


مقالات ذات صلة

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

أوروبا العلم الألماني في العاصمة برلين (أ.ب)

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

صادرت الشرطة الألمانية أجهزة كومبيوتر محمولة وأموالاً، خلال عمليات مداهمة استهدفت جمعية إسلامية تم حظرها حديثاً، ويقع مقرّها خارج برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي في مطار أنقرة في إسطنبول (من البث المباشر لوصول الرئيس المصري) play-circle 00:39

السيسي وصل إلى أنقرة في أول زيارة لتركيا

وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، الأربعاء، في أول زيارة يقوم بها لتركيا منذ توليه الرئاسة في مصر عام 2014

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)

مصر: توقيف المتهم بـ«فيديو فيصل» وحملة مضادة تستعرض «جرائم الإخوان»

أعلنت «الداخلية المصرية»، الثلاثاء، القبض على المتهم ببث «فيديو فيصل» الذي شغل الرأي العام، مؤكدة «اعترافه» بارتكاب الواقعة، بـ«تحريض» من عناصر «الإخوان».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الإعلامي بقناة «الشرق» الإخوانية عماد البحيري تم توقيفه بسبب التهرب الضريبي (من حسابه على  «فيسبوك»)

تركيا توقف إعلامياً في قناة إخوانية لتهربه من الضرائب

أحالت السلطات التركية، (الخميس)، المذيع بقناة «الشرق» المحسوبة على «الإخوان المسلمين»، عماد البحيري، إلى أحد مراكز التوقيف بدائرة الهجرة في إسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون (د.ب.أ)

الجزائر: فصيل «الإخوان» يرشح الرئيس تبون لعهدة ثانية

أعلنت حركة البناء الوطني (فصيل الإخوان في الجزائر)، الجمعة، عن ترشيحها الرئيس عبد المجيد تبون للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 7 سبتمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».