على وقع السلام... نساء أفغانستان يتخوفن من عودة الزمن إلى الوراء

تبلغ نسبة تمثيلهن في البرلمان 28 %

طفلات أفغانيات يدرسن في أحد المخيمات بعد تهدم مدرستهن بفعل الحرب مع «طالبان» (نيويورك تايمز) - (في الإطار) السفيرة الأفغانية رويا رحماني (نيويورك تايمز)
طفلات أفغانيات يدرسن في أحد المخيمات بعد تهدم مدرستهن بفعل الحرب مع «طالبان» (نيويورك تايمز) - (في الإطار) السفيرة الأفغانية رويا رحماني (نيويورك تايمز)
TT

على وقع السلام... نساء أفغانستان يتخوفن من عودة الزمن إلى الوراء

طفلات أفغانيات يدرسن في أحد المخيمات بعد تهدم مدرستهن بفعل الحرب مع «طالبان» (نيويورك تايمز) - (في الإطار) السفيرة الأفغانية رويا رحماني (نيويورك تايمز)
طفلات أفغانيات يدرسن في أحد المخيمات بعد تهدم مدرستهن بفعل الحرب مع «طالبان» (نيويورك تايمز) - (في الإطار) السفيرة الأفغانية رويا رحماني (نيويورك تايمز)

تقول السيدة رويا رحماني سفيرة أفغانستان لدى الولايات المتحدة: «لا بد لأفغانستان من التحرر من الخوف والإساءة، بموجب اتفاق السلام النهائي». يثير الاتفاق المزمع إبرامه بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» بشأن المحادثات الجديدة مع كابل، المخاوف حول فقدان المرأة الأفغانية حقوقها في الحكومات الأفغانية المستقبلية.
لم تكن السيدة رويا رحماني تنحدر من العائلات المالكة أو من الأسر السياسية القوية، ومن ثم كانت متفاجئة تماماً من نبأ تسميتها أول امرأة أفغانية تمثل بلادها كسفيرة أفغانية رسمية لدى الولايات المتحدة الأميركية. وهي تدرك السبب وراء ذلك الآن: تبعث الحكومة الأفغانية برسالة تفيد بالتزام كابل بضمان حقوق المرأة في الوقت الذي تعمل فيه إدارة الرئيس ترمب على مسار السلام مع حركة «طالبان».
تتذكر السيدة رحماني، الناشطة الحقوقية المخضرمة، الأوضاع التي كانت تعانيها أفغانستان خلال عقد التسعينات إبان سنوات حكم حركة «طالبان»، عندما كانت النساء يتعرض للضرب والمهانة بسبب مغادرة المنازل، مع الحرمان الكامل من التعليم أو العمل. وتقول في مقابلة أُجريت معها الأسبوع الجاري: «نتخوف من عودة الزمن إلى الوراء، لقد استنزفوا الأمل من قلوب الناس، كانوا كمثل الموتى الأحياء آنذاك»، وهي تلاحظ الآن أن المرأة الأفغانية تمثل 28% من الجمعية الوطنية الأفغانية (البرلمان الأفغاني)، وهي نسبة تفوق تمثيل المرأة في كونغرس الولايات المتحدة الأميركية.
لكن، مع تحرك حركة «طالبان» والولايات المتحدة الأميركية على مسار اتفاق السلام المبدئي –الذي يُتوقع الإعلان عنه في غضون أيام– تتزايد المخاوف الداخلية في أفغانستان بشأن فقدان المرأة الأفغانية المكاسب التي تمكنت من تحقيقها خلال العقدين الماضيين من الزمان.
ومن المتوقع للاتفاق المشار إليه، الذي استمرت محادثاته عبر الشهور الأخيرة بين المسؤولين من الإدارة الأميركية وممثلين عن حركة «طالبان» الأفغانية، أن يضع الخطوط العريضة المعنية بانسحاب 14 ألف جندي أميركي من البلاد في نهاية المطاف ثم تمهيد الطريق لإجراء محادثات أخرى بين الحركة والحكومة الأفغانية في المستقبل. وأشار المسؤولون إلى أنه من غير المنتظر أن يشتمل الاتفاق المبدئي على بنود محددة تضمن حصول المرأة الأفغانية على نصيبها من الفرص المتساوية في التعليم، والتوظيف، والحكومة.
ومن المفترض مناقشة حقوق المرأة الأفغانية في المباحثات المستقبلية، مما قد يسفر عن اتفاقية لتقاسم السلطة بين الحكومة الأفغانية وحركة «طالبان». رغم تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين والأفغان أن حركة «طالبان» تبدو أكثر قبولاً لمسألة حقوق المرأة هذه المرة مقارنةً بالماضي. إلا أن بعض المسؤولين تساورهم المخاوف بشأن حصول المرأة الأفغانية على حقوق «شفهية مجردة» ضمن بنود الاتفاق النهائي، أو تجاهلهن دونه بالكامل.
تقول السيناتورة الأميركية جيان شاهين، الديمقراطية من نيوهامشير، وهي السيدة الوحيدة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في الكونغرس: «أعربت المرأة الأفغانية عن موقفها بكل صراحة ووضوح أنهن يرغبن في السلام من دون اضطهاد».
وأضافت أن الإدارة الأميركية الحالية في حاجة إلى الإدراك التام أن النساء الأفغانيات يمثلن أعظم ما تملكه أفغانستان من أصول لتعزيز قضية الحرية في تلك البلاد التي مزقتها الحروب، وأنه لا يجب لحقوقهن ومستقبلهن أن يضيعا ضمن طيات المداولات والمفاوضات الجارية.
بعد إطاحة الجيش الأميركي بحكم حركة «طالبان» من السلطة في أفغانستان عام 2001 بهدف ملاحقة تنظيم «القاعدة» وزعيمه أسامة بن لادن، تمكنت المرأة الأفغانية من مغادرة المنازل بحثاً عن التعليم والعمل. وهناك اليوم أكثر من 3.5 مليون فتاة مسجلة في المدارس بمختلف مراحلها، وأكثر من 100 ألف امرأة أفغانية ملتحقة بالجامعات وفقاً لتقديرات وزارة الخارجية. ويقدر المحللون الأميركيون أن ما يقرب من 85 ألفاً من النساء الأفغانيات يعملن في مهن التدريس، والمحاماة، والشرطة، والرعاية الصحية. وهناك أكثر من 400 امرأة أفغانية دخلت المضمار السياسي في الانتخابات العامة التي أُجريت الخريف الماضي.
بيد أن أكثر ما حققته المرأة الأفغانية من مكاسب موزع بين العاصمة كابل وكبريات المدن الأفغانية الأخرى. وفي السنوات الأخيرة، تمكنت حركة «طالبان» من بسط المزيد من السيطرة والنفوذ على المناطق الريفية من البلاد. وتسيطر الحركة على نحو 10% من سكان البلاد –أي ما يمثل 59 مقاطعة من مقاطعات البلاد البالغ عددها 407 مقاطعات، وذلك وفقاً لمكتب المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان. وهناك نزاع قائم ومستمر على 119 مقاطعة أفغانية أخرى.
يحاول المسؤولون الأميركيون والأفغان، في المرحلة الثانية من محادثات السلام، الإصرار على الوقف الدائم لإطلاق النار. غير أن هذا الإجراء لن يضمن للمرأة الأفغانية السلام التام كما قالت السفيرة رويا رحماني.
وأضافت السفيرة رحماني: «عندما نتحدث عن السلام، والبيئة السلمية لجميع المواطنين، فإننا لا نتحدث فقط عن اختفاء الأسلحة والرصاص والقنابل، وإنما نتحدث عن بيئة يتوافر فيها الأمن الإنساني، حيث يعيش المواطنون في غياب تام لكل أشكال العنف، ولا أقصد العنف البدني فقط، وإنما العنف المعنوي كذلك. لا بد لأفغانستان كي تتحرر تماماً أن تكون خالية من جميع أشكال الخوف والإساءة».
ونشأت السيدة رويا رحماني في العاصمة الأفغانية كابل، وهي تبلغ من العمر الآن 41 عاماً، ولكنها انتقلت إلى الحياة في مدينة بيشاور الباكستانية المجاورة للحدود الأفغانية، وذلك بعد اندلاع الحرب الأهلية الأفغانية في عام 1992 تلك التي سارعت من صعود حركة «طالبان» داخل البلاد. وفي رحلة زيارة إلى كابل رفقة عائلتها في عام 1998، كما تتذكر، أصيبت بصدمة مروعة لما شاهدته من خراب ودمار تحولت بسببه العاصمة إلى شبه مدينة أشباح، بلا بنية تحتية أو موارد أو مرافق، وحيث يضع الناس الأغطية الثقيلة على النوافذ للحيلولة دون تلصص شرطة «طالبان» الدينية على المنازل ورؤية ما بداخلها، الذي مهما بدا عادياً أو حميداً فإنه يستحق العقاب.
ومن المتوقع للنقاش حول قضية حقوق المرأة الأفغانية في الاتفاق النهائي أن يثير انقسامات واسعة النطاق على طول طيف التفسيرات المختلفة لدور المرأة في الإسلام بين مختلف الأطراف المعنية.
ووفق الدستور الأفغاني، المعتمد رسمياً في البلاد اعتباراً من عام 2004، يتمتع الرجال والنساء في المجتمع الأفغاني بحقوق وواجبات قانونية متساوية، ويحظر الدستور تماماً التمييز بينهم، وينص على توفير فرص التعليم المتوازن للمرأة الأفغانية. كما ينص كذلك على أن جميع القوانين والأحكام والبنود تلتزم بالأحكام والعقيدة.
وفي بيان صادر في فبراير (شباط) الماضي، قالت حركة «طالبان» إنها تدرك تماماً أن للمرأة حقوقاً محددة في الإسلام، بما في ذلك حق التعليم وحق العمل، وحقوق الميراث، والملكية، وحرية اختيار الأزواج. وتابعت الحركة تقول في البيان الذي صدر في منتدى موسكو: «تقوم سياسة الحركة على حماية حقوق المرأة بطريقة لا تعد انتهاكاً لحقوقها المشروعة، ولا تتعدى على كرامتها الإنسانية، ولا تهدر القيم الأفغانية العريقة». غير أن البيان ذاته عاد فوصف التأثيرات غير الأخلاقية وغير اللائقة من جانب الغرب والتي شجعت المرأة الأفغانية على انتهاك العادات والتقاليد الأفغانية المحترمة تحت شعار حماية حقوق المرأة، وأشار البيان كذلك إلى نشر المسلسلات الدرامية الغربية التي لا تحترم التقاليد الإسلامية ولا تعتد بالعادات الأفغانية مما يؤدي إلى إفساد النساء الأفغانيات.
• «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

تركيا: انقسام حول المشكلة الكردية... وإردوغان قد يختار الانتخابات المبكرة

شؤون إقليمية إردوغان وبهشلي خلال الاحتفال بذكرى تأسيس الجمهورية التركية في 29 أكتوبر الماضي (الرئاسة التركية)

تركيا: انقسام حول المشكلة الكردية... وإردوغان قد يختار الانتخابات المبكرة

تعمق الجدل والانقسام حول احتمالات انطلاق عملية جديدة لحل المشكلة الكردية في تركيا... وذهبت المعارضة إلى وجود أزمة داخل «تحالف الشعب» الحاكم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أحد لقاءات الأسد وإردوغان في عام 2010 (أرشيفية - الرئاسة التركية)

​إردوغان يُبقي على آماله بلقاء الأسد واحتمال شنّ عملية عسكرية شمال سوريا

جدّدت تركيا رغبتها في تطبيع العلاقات مع سوريا من دون تحقيق شرط الانسحاب العسكري لقواتها الموجودة في مناطق الشمال السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

مقديشو: مقتل 3 جنود صوماليين وأكثر من 20 إرهابياً من «حركة الشباب»

لقي ثلاثة جنود على الأقل مصرعهم، وأصيب ثلاثة آخرون من القوات الصومالية جراء انفجار لغم أرضي استهدف مركبة عسكرية في مديرية دينيلي بالعاصمة مقديشو.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
شؤون إقليمية يسود جدل واسع في تركيا حول خلافات غير معلنة بين إردوغان وحليفه دولت بهشلي (الرئاسة التركية)

بهشلي جدد دعوة أوجلان للبرلمان وأكد عدم وجود خلاف مع إردوغان

جدد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي تمسكه بدعوته لحضور زعيم حزب العمال الكردستاني السجين للحديث أمام البرلمان مشدداً على عدم وجود خلاف مع إردوغان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا استنفار أمني ألماني في شوارع برلين (أرشيفية - د.ب.أ)

توقيف فتى بألمانيا بتهمة التخطيط لتنفيذ هجوم في فترة الأعياد

تفيد السلطات الألمانية بأنها أحبطت هجمات عدة، لكن 3 أشخاص قُتلوا، وجُرح 8 في عملية طعن أثناء مهرجان في أحد شوارع مدينة زولينغن في أغسطس (آب) الماضي.

«الشرق الأوسط» (برلين)

روسيا: أميركا تسعى لتصعيد الوضع في الشرق الأوسط لخدمة مصالحها بمجال الطاقة

نيكولاي باتروشيف مساعد الرئيس فلاديمير بوتين (أرشيفية - رويترز)
نيكولاي باتروشيف مساعد الرئيس فلاديمير بوتين (أرشيفية - رويترز)
TT

روسيا: أميركا تسعى لتصعيد الوضع في الشرق الأوسط لخدمة مصالحها بمجال الطاقة

نيكولاي باتروشيف مساعد الرئيس فلاديمير بوتين (أرشيفية - رويترز)
نيكولاي باتروشيف مساعد الرئيس فلاديمير بوتين (أرشيفية - رويترز)

نقلت وكالة «تاس» الروسية للأنباء عن نيكولاي باتروشيف، مساعد الرئيس فلاديمير بوتين قوله، اليوم (الاثنين)، إن الولايات المتحدة تسعى لتصعيد الوضع في الشرق الأوسط لخدمة مصالحها بمجال الطاقة.

وأضاف باتروشيف أن واشنطن تسعى إلى اضطراب سوق الطاقة من خلال زعزعة استقرار الشحنات البحرية، مشيراً إلى أن أميركا تسعى للضغط على الصين والهند لتهيئة الظروف لإعادة تقسيم سوق الطاقة.

وتابع باتروشيف، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس المجلس البحري الروسي: «هناك تصعيد آخر يلوح في الأفق بالشرق الأوسط ومناطق أخرى ذات أهمية استراتيجية بتواطؤ من الأميركيين... إنهم يخفون خططاً لإثارة التوترات في المنطقة».