توقعات باستمرار استهداف الطائرات المجهولة لمواقع «الحشد»

رغم استجابة التحالف الدولي لقرار رئيس الوزراء العراقي

TT

توقعات باستمرار استهداف الطائرات المجهولة لمواقع «الحشد»

على الرغم من الاستجابة التي أبداها التحالف الدولي لقرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، المتمثل بمنع تسيير أي طائرة في أجواء العراق، إلا بإذنٍ منه، توقع خبراء أمنيون استمرار الهجمات الجوية التي تشنها طائرات مجهولة، يعتقد أنها إسرائيلية، على مواقع ومعسكرات لـ«الحشد الشعبي»، نظراً للعلاقات الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل، من جهة، ولكون التحالف الدولي غير مسؤول بشكل مباشر عن حماية الأجواء العراقية من الطيران المعادي، من جهة أخرى.
وأعلن التحالف الدولي، أول من أمس، أن قادة كباراً منه التقوا مسؤولين من وزارة الدفاع العراقية لمناقشة توجيهات عبد المهدي. وأوضح التحالف أنه «يمتثل لجميع القوانين والتوجيهات من حكومة العراق، وسيمتثل على الفور لجميع التوجيهات الواردة من شركائنا العراقيين أثناء قيامهم بتنفيذ أمر رئيس الوزراء».
وألغى عبد المهدي، الخميس الماضي، كافة الموافقات الخاصة بالطيران في الأجواء العراقية، بما في ذلك موافقات تحليق طائرات الاستطلاع والطائرات المقاتلة والمسيرة، سواء العراقية أو الأجنبية، ووجه بحصر إصدار الموافقات في القائد العام للقوات المسلحة أو من يخوله. وجاء قرار عبد المهدي في أعقاب انفجار بمعسكر «الصقر» ببغداد، التابع لـ«الحشد الشعبي»، بعد تعرضه لقصف من جهة مجهولة.
ويرى المحلل العسكري والاستراتيجي أحمد الشريفي، أن «استجابة التحالف مسألة عادية، والتنسيق بينه وبين العراق موجود أصلاً. إنها ليست استجابة بمعنى من المعاني، لكنها أتت لرفع الحرج عن رئيس الوزراء، بعد تعرضه لضغوط من أجل إيقاف السيادة الأميركية على الأجواء العراقية».
ويعتقد الشريفي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الاستجابة بالقياس العام غير ممكنة، لأن التحالف والولايات المتحدة يملكان تفويضاً أممياً بممارسة نشاطاتهما في العراق بوصفه بؤرة للتهديد الإقليمي والدولي، والعلوية في هذه الاتجاه هي لسيادة القوانين الدولية وليس المحلية».
ويتبنى الشريفي وجهة النظر التي تذهب إلى أن «إسرائيل هي التي تستهدف معسكرات (الحشد)، وقد قامت بنشاطاتها في العراق بعد إدراج (الحرس الثوري الإيراني) على لائحة المنظمات الإرهابية، بمعنى أن الولايات المتحدة أو إسرائيل أخذتا بنظر الاعتبار الإدراج الأممي لـ(الحرس الثوري)، وطبيعة عمليات الاستهداف التي تطال المنظمات والجهات المصنفة خارج الحدود مدعومة بقرارات أممية، ولا تحتاج موافقة الدول المعنية».
ويشير الشريفي إلى أن «المسألة شائكة ومعقدة، وربما لا تتيح الحق للعراق في الاعتراض على عمليات القصف، سواء من قبل أميركا أو إسرائيل، على مواقع في أراضيه يعتقد أنها مرتبطة بـ(الحرس الإيراني)، بعد تصنيفه أممياً كجهة مهددة للسلم والاستقرار الدوليين».
ويخشى الشريفي من «تعرض منظومات السيطرة والدفاع الجوية العراقية إلى ضربات مماثلة في وقت لاحق، في حال فشل رئيس الوزراء العراقي في الاستجابة للمطالبات الأميركية باستيعاب ودمج فصائل (الحشد) ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، علماً بأن العراق ليست لديه منظومة دفاع فعالة لصد أي تعرض لطيران خارجي». وتوقع الشريفي «استمرار عمليات استهداف بعض المعسكرات التابعة لفصائل (الحشد)، في الأيام المقبلة، حتى مع استجابة التحالف الدولي لقرار عادل عبد المهدي».
في غضون ذلك، حذر الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، أمس، مما سمّاه «مخططاً قريباً يراد تنفيذه في العراق». وقال الخزعلي في تغريدة عبر «تويتر»، إن «استمرار ظاهرة تفجير مخازن (الحشد الشعبي) من دون التأكد من الأسباب الحقيقة ظاهرة خطيرة للغاية، وهذا يعني استنزاف إمكانيات (الحشد)». وأشار إلى أن «السيادة الوطنية لن تحفظ إلا بإجراءات كاملة في خزن الأسلحة، وكذلك امتلاك العراق القدرة على الدفاع عن أرضه وسمائه».
من جانبه، يتفق الخبير الأمني هشام الهاشمي، على أن «الاستجابة الأخيرة من قوات التحالف لقرار عبد المهدي طبيعية وعادية، وكان هذا التزاماً أبرم بين العراق والتحالف الدولي في سبتمبر (أيلول) 2014، ثم جدد عام 2016، ويقضي بموافقة قيادة العمليات والقائد العام على الطلعات الجوية والعمل داخل الأجواء العراقية». ويرى الهاشمي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «عبد المهدي ربما حصل على قرائن لاستهداف خارجي طال معسكر (الصقر) مؤخراً، وبناءً على تلك القرائن اتخذ قراره».
وحول ما يتردد عن تطور إسرائيل في عمليات القصف التي طالت معسكرات لـ«الحشد»، يقول الهاشمي: «بغض النظر عن دقة هذه المعلومات، أو عدمها، لكن المؤكد أن نظرة الولايات المتحدة والتحالف الدولي لا تنسجم مع النظرة العراقية حيال إسرائيل، إذ إنهما يريان أن الفعل الإسرائيلي في حال صحته مبرر تماماً، نظراً لأن العراق يمثل لإسرائيل، عمقاً استراتيجياً بالنسبة للأسلحة التي تهدد أمنها».
ويرى الهاشمي أن «التحالف الدولي غير ملزم على ما يبدو بحماية (الحشد الشعبي) أو العراق من الهجمات الخارجية التي تخرق أجواءه». ويشير إلى أن «العراق غير قادر على حماية أجوائه حتى لو امتلك منظومة الدفاع الجوية (إس 400) الروسية، لأنها لم تثبت فاعلية أمام الضربات الإسرائيلية لمواقع إيرانية في سوريا، ولا ننسى أن الروس أصدقاء لإسرائيل».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.