حساسية المطاعم تجاه حساسيات الطعام

ازداد الوعي البريطاني بقضايا الحساسية ضد بعض أنواع الطعام بعد حادث مأساوي توفيت على أثره فتاة عمرها 15 عاما على متن طائرة الخطوط البريطانية بعد تناول ساندويتش من محل في مطار هيثرو احتوى على السمسم الذي كانت تعاني من حساسية ضده. وأظهرت التحقيقات أن السمسم لم يكن ضمن المكونات المكتوبة على الساندويتش وأن الفتاة، ناتاشا عدنان - لابروس، استغاثت بوالدها الجالس بجوارها لإنقاذها لعدم قدرتها على التنفس. وتوفيت الفتاة في المستشفى عقب وصول الطائرة إلى مقصد الرحلة وهي مدينة نيس الفرنسية.
في أميركا وحدها، هناك نحو 15 مليون شخص يعانون من الحساسية الغذائية ضد أنواع معينة من الأطعمة تشمل الحليب والبيض والفول السوداني والأسماك والأحياء البحرية والقمح وفول الصويا. وهذه هي الأطعمة الرئيسية التي تسبب الحساسية وتمثل 90 في المائة من حالات المعاناة، في حين هناك أنواع أخرى من الأطعمة تدخل في نطاق الحساسية التي يمكن أن يسببها أي نوع من الطعام. الغريب في حالات الحساسية أن مجرد وجود نسب ضئيلة منها في الطعام يمكن أن يسبب رد فعل يتسم بالخطورة لدى المصاب بالحساسية.
وتتسبب هذه الحساسيات بنقل 30 ألف أميركي سنويا إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات، ووفاة ما بين 150 إلى 200 حالة كل سنة. ولا يوجد حتى الآن أي علاج لحالات الحساسية والأسلوب الوحيد للتعامل معها هو تجنب الإصابة بها.
قضية الحساسية تعد حيوية لبعض المطاعم لأنها يمكن أن تؤدي إلى الإفلاس في حالات التعويض الكبير جزاء للإهمال في مراعاة حوادث الحساسية. وفي أميركا تتكلف المطاعم سنويا 25 مليون دولار تدفع تعويضات لضحايا حالات الحساسية، أو في صيغة غرامات مالية. والأخطر من الغرامات والتعويضات هي سمعة المطعم نفسه الذي يمكن أن يفقد زبائنه مع تكرار حوادث الإصابة بحساسيات الطعام.
وفي بريطانيا، نتج عن حادث الفتاة ناتاشا تغيير في القانون بحيث يجب الآن عرض كل محتويات الأطعمة المبيعة للجمهور حتى تلك التي يتم تحضيرها داخل المطعم أو المقهى نفسه. والجانب الأهم في القضية أن وعي المطاعم وأصحابها زاد حول تداعيات إغفال جانب الحساسية، خصوصا بعد ملاحظة أن نسبة مبيعات الأطعمة الخالية من الغلوتين زاد في العام الماضي بنسبة 140 في المائة.
وفي الماضي كان المصابون بحساسيات من أي نوع يتجنبون تناول الأطعمة خارج المنازل لعدم الثقة في خلو وجبات المطاعم من مكونات قد تكون ضارة بحالات الحساسية التي يعانون منها. ولكن هذا الوضع تغير الآن بعد توجيه المطاعم عناية خاصة لقضية الحساسية.
وفي المطاعم الكبرى، تنال قضية الحساسية أهمية خاصة، حيث توجد إدارة خاصة تشرف على طريقة تحضير الطعام وإعداد قوائم منفصلة للأطعمة الملائمة لذوي الحساسيات الخاصة. كما تشرف الإدارة على الفصل التام في المطابخ بين الأطعمة الخالية من الغلوتين وبين أي أطعمة أخرى قد ينتقل منها الغلوتين أثناء الإعداد.
من المهم أيضا التواصل مع الزبائن بعرض كل المكونات وتقديم قوائم طعام خاصة بالحساسية، مثل الأطعمة الخالية من الغلوتين. ويجب على كل مطعم أن تكون له خططه الخاصة بإعداد هذه الأطعمة. ومن الأفضل أن يكون ضمن طاقم الإعداد خبير في كيفية إعداد الأطعمة لذوي الحساسيات الغذائية.
من مهام هذا الخبير أن يستشيره طاقم الخدمة عن كيفية مراعاة الزبائن الذين يطلبون وجبات خاصة وأساليب إعداد هذه الوجبات. ومن الإعدادات المتعارف عليها أن يتم تطهير أسطح المطبخ التي يتم عليها إعداد الوجبات الخالية من الغلوتين مع ارتداء الطهاة لقفازات تمنع لمس الأطعمة باليد. ويتم وضع علامات واضحة على تذكرة طلب الطعام من المطبخ حول الوجبات الخاصة ونوع الحساسية.
ومن الأفضل تعيين نادل خاص بطلبات زبائن يعانون من الحساسية ليكون نقطة الوصل الوحيدة بين هؤلاء الزبائن وبين فريق إعداد الوجبات في المطبخ. ويمنع مثل هذا الأسلوب اختلاط الأمور وانقطاع التواصل بين المطبخ وبين طلب الزبائن الخاص. والصراحة مطلوبة في كل الأحوال من فريق العاملين في المطعم. فإذا كان النادل لا يعرف مكونات وجبة معينة فعليه أن يعترف بذلك ولا يجتهد في أمور هو غير متأكد منها. ويمكن تحقيق ذلك برسم سياسة خاصة للمطعم للتعامل مع حالات الحساسية، يلتزم بها الجميع. ويجب التعامل بجدية واحترام مع الزبائن من ذوي الحساسيات الغذائية. فإذا كانت الحساسية مثلا ضد البيض، فلا يجب أن يحتوي الطعام على أي أثر للبيض أو يتم استخدام أدوات مطبخ سبق استخدامها في إعداد البيض لزبائن آخرين، ويجب تطهير سطح المطبخ الذي يتم عليه إعداد الوجبة الخالية من البيض.
وحتى يتاح الاختيار الواضح لذوي الحساسيات الخاصة يجب طباعة قوائم طعام منفصلة. وفي تكساس هناك مطعم اسمه «أولد دك» (البطة العجوز) يطبع يوميا سبع قوائم طعام مختلفة للتعامل مع الحساسيات المختلفة التي تمنع مكونات مثل الغلوتين والأحياء البحرية وتقديم الأطعمة النباتية لمن يرغبها. وهناك تقنيات تستخدم في بعض المطاعم لتنبيه المطبخ بالصوت واللون إلى وجود زبون من ذوي الحساسيات الخاصة.
ويجب أن تكون المعلومات حول الحساسيات مكتوبة بلغة واضحة يفهمها الجميع، خصوصا إذا كان أفراد طاقم الخدمة من جنسيات مختلفة ولا يعرفون اللغة الرئيسية التي يتعامل بها الزبائن. كما يجب التعلم من الأخطاء إذا وقعت وتغيير سياسة المطعم لكي يتم تلافي هذه الأخطاء في المستقبل.
من المهم أيضا أن يتم تدريب فريق السقاة على التعامل مع مطالب الزبائن من ذوي الحساسيات وأن يكون هذا التعامل بجدية لخطورة تداعيات الإهمال. كما يجب أن يكون لدى كل مطعم خطة طوارئ معروفة لجميع العاملين لاستدعاء فرق الإسعاف لأي حالة رد فعل سيئ من الحساسية. وتوفر بعض المطاعم دورات تدريب للعاملين فيها على الإنترنت تتضمن أحدث القواعد والممارسات المتعلقة بالتعامل مع الحساسيات.
في بحث ميداني من معهد أميركي متخصص في الحساسيات الغذائية اسمه «إليوت آند روزالين جاف» تبين أن نسبة الربع من كل المطاعم التي شملها البحث تعتقد أن كميات صغيرة من المكونات التي تثير الحساسية ليست خطيرة على الزبائن. وهذا بالطبع خطأ خطير، فأي كميات، مهما كانت ضئيلة يمكنها أن تثير رد فعل يتسم بالخطورة في الأشخاص المصابين بالحساسية.
وعبرت نسبة 35 في المائة من المطاعم عن اعتقادها بأن حرارة المقلاة تقضي على المكونات المثيرة للحساسية. وهو اعتقاد خاطئ لأن هذه المكونات تبقى آثارها في المقلاة وتظهر في مكونات الوجبة التالية التي يتم إعدادها في المقلاة نفسها.
وذكرت نسبة 25 من المطاعم أنه يكفي إزالة المكونات المتسببة في الحساسية مثل الفول السوداني أو الأحياء البحرية من الوجبات قبل تقديمها من أجل تجنب الحساسية. وهذا أيضا اعتقاد خاطئ فحتى آثار هذه المكونات يمكنها أن تثير رد فعل يتسم بالشدة وهو ناجم عن الحساسية.
وتفرض القوانين الأميركية وضوح مكونات الوجبات الغذائية في المطاعم بحيث تدعم وعي المستهلك بالحساسيات المتوقعة. وبدلا من كتابة «كعكة تفاح» يجب الإشارة في القائمة إلى «كعكة تفاح بالجوز»، كما يجب أن تتحول وجبة «دجاج مقلي بطريقة ستير فراي» إلى «دجاج مقلي وكاشو ستير فراي». كما يجب توضيح أن النوادل يحتوي على زبد الفول السوداني وأن صلصة بيستو تحتوي على المكسرات، وهكذا.
- التواصل والصراحة من وسائل الحماية
> هناك بعض القواعد التي يجب أن يلتزم بها الشخص المصاب بالحساسية ضد أنواع معينة من الغذاء. وهي تبدأ بعدم التردد في تحديد أنواع الأطعمة التي تسبب الحساسية والتي يجب تجنبها. وفي المطاعم أو حفلات العشاء الخاصة يجب التواصل بصراحة مع المسؤول عن إعداد الطعام.
ويعمد البعض إلى طباعة بطاقة صغيرة عليها المكونات غير المرغوب فيها بسبب الحساسية. وتوفر بعض مواقع حساسية الطعام على الإنترنت هذه البطاقات بأكثر من لغة. وهي تحذر المطاعم بلغة بسيطة من تقديم بعض أنواع الطعام التي قد تسبب الوفاة.
ويمكن تناول قضية الحساسية عند الحجز في المطاعم أو طلب توصيل الطعام للمنزل. وتوفر بعض المواقع فرصة ذكر أنواع الحساسية التي يجب مراعاتها. ولا يجب الاعتماد على قراءة مكونات الوجبات فهناك إضافات قد تكون غير مذكورة، وقد يتعرض الطعام إلى الاختلاط أثناء الإعداد بمواد تسبب الحساسية.
وتوفر بعض المطاعم إمكانية التواصل مع الشيف لإعداد وجبة خاصة خالية من أي مواد تسبب الحساسية. وفي كل الأحوال يجب إبلاغ النادل بالحساسية وسؤاله عما إذا كان المطعم يوفر قوائم طعام أو وجبات خاصة لمنع الحساسية. ولا بد من حمل أي أدوية يمكن استخدامها في حالات الطوارئ مع بطاقة عليها أنواع الحساسية حتى يمكن الاطلاع عليها في حالات الإسعاف السريع.