اللبنانيون يمضون عطلاتهم بين الشمس والقمر والنجوم

يجدون في تأملها أسلوباً للتخلص من همومهم اليومية

مغيب الشّمس كما يبدو في منطقة أرز الشوف
مغيب الشّمس كما يبدو في منطقة أرز الشوف
TT

اللبنانيون يمضون عطلاتهم بين الشمس والقمر والنجوم

مغيب الشّمس كما يبدو في منطقة أرز الشوف
مغيب الشّمس كما يبدو في منطقة أرز الشوف

إذا تصفحت بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي؛ من «فيسبوك» و«إنستغرام» و«تويتر»، لا بد أن تلفتك الدعوات الكثيفة لجمعيات وقرى لبنانية للمشاركة في رحلات تتعلق بالكواكب، فتأمُّل مغيب الشمس واكتمال القمر وعناقيد النجوم يشكل أحدث صرخة في عالم العطلات لدى اللبناني اليوم. فهو يجد فيها أسلوباً للتخلص من همومه اليومية وفسحة تواصل افتراضية مع المجرات والأجسام الفلكية بعيداً عن رتابة إيقاع حياته اليومية وكذلك عن آفة إدمان «الجوال».
وجاءت هذه النشاطات التي تُنظم أسبوعياً بمثابة طاقة فرج لبعض اللبنانيين الذين يبحثون عن فكرة جديدة تسمح لهم بإمضاء عطلة الأعياد. فلقد امتدت إلى نحو سبعة أيام متتالية بفضل تزامن عيد الأضحى مع عيد انتقال السيدة العذراء. وشكلت هذه المشاريع وسيلة هروب مجانية أحياناً وذات تكلفة رمزية أحياناً أخرى وذلك حسب كل نشاط وطبيعته. وكما الفنادق والمقاهي الواقعة في بيروت قبالة شاطئ البحر، كذلك مناطق ريفية يزيد ارتفاعها على 1000 متر تروج لهذه الرحلات.
ويستقطب مشهد الغروب في الطابق الأخير من فندق «فور سيزونز» وعلى شرفة «سباين» في ضبية وسطيحة «أيريس» على الواجهة البحرية وغيرها، شريحة لا يُستهان بها من الشباب اللبناني. فيجتمعون هناك مع أصدقائهم ضمن جلسة لا تشبه غيرها، ويتأملون خلالها منظر مغيب الشمس وهي تغطس في البحر على مدى نحو 30 دقيقة، فيغسلون بدورهم أفكارهم المعلّبة بفعل أدوات الزمن الإلكتروني المحيطة بهم في أماكن العمل والمنزل. ومعها يجددون خلاياهم الفكرية مع مشهدية تتصل اتصالاً مباشراً بالطبيعة.
ومن على جبال لبنانية كصنين وفاريا وفالوغا وتنورين الفوقا وأرز الشوف وغيرها، تُنظم رحلات متنوعة في هذا الإطار لتشمل منظر اكتمال القمر الذي يحدث مرة في الشهر. وكذلك للتمتع بمشهدية النجوم المتلألئة في السماء عندما يكون القمر غائباً. وأيضاً لتأمل منظر طبيعي آخر يتمحور حول ساعة الغروب التي تحصل ما بين السابعة والنصف والثامنة مساء، حسب توقيت لبنان.
«إنها تُعد من الساعات الذروة التي يشهدها فندقنا في بيروت». تقول ماريا سابيلا مديرة التسويق في فندق «فور سيزونز». وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «منظر غياب الشمس وهي تغطس في بحر بيروت ومن الطابق 26 في الفندق، تحول إلى وجهة سياحية بحد ذاتها يقصدها اللبنانيون المقيمون والسياح العرب والأجانب للتمتع بمنظرها». ويزدحم طابق «روف توب» في الفندق المذكور بهواة هذا النوع من المشاهد الطبيعية بعد أن تم تجديده عمارة وديكوراً موقعين من قبل المهندس اللبناني الشهير برنار خوري، فيتابعونها وهم يرتشفون فنجان قهوة أو مشروبات باردة في مقهى الطابق الـ26 المطل على ناحية الغرب في ظل ديكورات يطغى عليها الأبيض، وتنعكس راحة على الجالس في أحضانها.
«إنها لحظات رائعة لا أحب تفويتها لا بل أعتبرها علاجاً طبيعياً أفرغ من خلاله همومي اليومية»، يعبّر مارك خوري أحد الذين التقيناهم على شرفة الفندق المذكور واصفاً مشهدية غروب الشمس.
ومن جرود بلدة كفردبيان وصولاً إلى بلدة فاريا يجري تنظيم رحلات مشي يقطع المشاركون فيها نحو 8 كيلومترات من أجل مشاهدة منظر غياب الشمس من على علوّ 1500 متر عن سطح البحر. «لقد بدأنا في تنظيم هذه الرحلات منذ نحو 8 أشهر مع بضعة أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين. واليوم أصبح يفوق عددهم الـ1000 وبينهم سياح أجانب ولبنانيون يهوون رياضة الهايكينغ (السير على الأقدام)». تقول باسكال أسمر التي تنظم هذه الرحلات في بلدة فاريا، وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وكما غياب الشمس فإننا ننظم رحلات لمشهدية اكتمال القمر ومجرات النجوم. فاللبناني اليوم يعيش تجربة جديدة مع الطبيعة بعد أن تحولت إلى نزعة ترافقنا طيلة موسم الصيف، وتضفي نوعاً من الاسترخاء والراحة على يومياته».
ومن بلدة تنورين الفوقا حيث بإمكان المشاركين في رحلة اكتشاف المنطقة، التمتع بموازاة ذلك بمنظر غياب الشمس، يقول إيلي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «جميع الجبال في لبنان تتلقف هذه المشهديات في طبيعتها، كونها تقع على ارتفاعات عالية تجذب الأشخاص من كل الأعمار». وعما يميز لحظات غياب الشمس في البلدة المذكورة يوضح: «إن منظر غيابها من فوق الغيوم وصولاً إلى البحر يشبه رقصة تعبيرية خيالية من النادر مشاهدتها في مواقع أخرى».
وفي منطقة أرز الشوف تتلألأ النجوم في سمائها الصافية، وضوء القمر المكتمل، وكذلك منظر غياب الشمس محاطة بأشجار الأرز، فتؤلف لوحة طبيعية خلابة. «لقد كنا السباقين في تنظيم هذه الرحلات واكتشاف مناظر طبيعية تخطف الأنفاس». يقول هادي عساف صاحب جمعية «سيدرز غراوند كامبسيت» المنظمة لهذا النوع من الرحلات في منطقة الشوف. ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هدفنا منها توطيد العلاقة ما بين اللبناني والطبيعة، وكذلك فرصة السماح له في التمتع بلحظات من الصمت والتأمل، في ظل مشهدية اكتمال القمر أو غياب الشمس، وحتى خلال مشاهدة مجرة نجوم (درب التبانة) التي تبدو بوضوح من هنا». أما جديد هذا النوع من الرحلات المرتكزة على رياضة المشي، فيتجلى في مشهدية «مون سيت» (moon set) ، أي لحظات غياب القمر. «إنها مشهدية جديدة نحاول تسليط الضوء عليها لاستقطاب أكبر شريحة ممكنة من اللبنانيين». يقول هادي عساف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ويتابع: «فبلحظات قصيرة عادة ما تحصل فجراً نرى القمر يتحول من الأزرق بفعل انعكاس لون السماء عليه ليتحول إلى أصفر، ومن ثم إلى أحمر تماماً، كالشمس قبيل أن تغرق في البحر».
بعض هذه الرحلات تُقام مجاناً من قبل فرق محلية صغيرة، فيما لا تزيد كلفة بعضها الآخر عن 20 دولاراً. وهي تغطي تكلفة وسائل النقل التي تنقل هواة المشي من بيروت إلى مناطق بعيدة، وكذلك ثمن وجبات خفيفة يتناولونها في استراحات متقطعة.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.