مصر: طوابع بريد ملكية نادرة تتحدّى التطور التكنولوجي

«بطاقة الكشافة» يصل سعرها إلى 25 ألف جنيه

الحاج جلال يشير إلى مجموعة طوابع الخديو إسماعيل النادرة
الحاج جلال يشير إلى مجموعة طوابع الخديو إسماعيل النادرة
TT

مصر: طوابع بريد ملكية نادرة تتحدّى التطور التكنولوجي

الحاج جلال يشير إلى مجموعة طوابع الخديو إسماعيل النادرة
الحاج جلال يشير إلى مجموعة طوابع الخديو إسماعيل النادرة

احتل مقهى «المختلط» مكانة خاصة في ميدان العتبة (وسط القاهرة)، منذ الأربعينات من القرن الماضي وحتى إزالته هو ومقهى «متتايا» الشهير خلال التسعينات من نفس القرن، حيث شهد «المختلط» بداية أول تاجر مصري متخصّص في جمع الطوابع المصرية وبيعها، وهو «الحاج مدبولي»، الذي توافد عليه فنّانون وسياسيون ونبلاء، في وقت كانت هواية جمع الطّوابع تمثل ترفاً ورفاهية ووجاهة.
تفاصيل بداية تجارة مدبولي، التي تحوّلت فيما بعد إلى أوّل جمعية لهواة جمع الطّوابع، يرويها العم جلال رجب، ابنه الذي ورث عنه المهنة والشّغف، فيما نقل مقر عمله إلى شارع عبد الخالق ثروت في منطقة وسط البلد بداية من عام 1998.
يقول الحاج جلال إنّ والده كان من أوائل المصريين الذين عملوا في مجال تجارة الطوابع، المهنة التي كان يحتكرها الأجانب، وكان على الرّغم من أمّيّته يستطيع تقييم الطوابع جيداً وتقدير تلك التي سيرتفع ثمنها بعد سنوات.
يتذكّر الحاج جلال مئات الطّوابع النادرة التي مرّت عليه خلال عمله مع والده وبعد ذلك، وكم كانت تمثل قيمة فنية وتاريخية عالية، وبعضها لا يمكن تداوله بغير شهادة بيع وملكية خاصة تماماً كالمجوهرات الملكية.
ومن أهم تلك المجموعات: المجموعة الأولى للبريد المصري التي طُبعت عام 1866، وكانت تسمى الدمغات، وكذلك مجموعة طوابع الخديو إسماعيل النادرة التي تعود إلى عام 1934. إضافة إلى الطوابع الخاصة بالعائلة الملكية بشكل عام، كطوابع فؤاد العربي -مكتوبة باللغة العربية- وفؤاد الفرنساوي، وزفاف الملك فاروق على كلٍّ من الملكة فريدة والملكة ناريمان، وطوابع تمثل فاروق خلال فترة المراهقة.
هناك أيضاً بطاقات الكشافة المصرية التي يعود تاريخ طباعتها إلى عام 1956، والتي رغم حداثتها فإنّ الواحدة منها يصل سعرها إلى 25 ألف جنية نظراً إلى ندرتها، إضافة إلى طوابع المناسبات الخاصة، حيث حرصت هيئة البريد منذ نشأتها على تسجيل جميع الأحداث والمناسبات المصرية على هيئة طوابع بريد.
وتتحدد قيمة الطّابع بعدد من العوامل يذكرها الحاج جلال الذي يعدها بمعزّة أولاده وأحفاده، مثل تاريخ طباعة الطابع، ومحتواه، والأخطاء المطبعية، إضافة إلى الختم الموجود عليه، فمن الممكن أن يرتفع سعر طابع لوجود ختم «بريد طواف»، ويعني أنّ البريد نُقل بواسطة حمار.
هناك أختام مهمة أخرى مثل: «بريد سيارة» و«سيارة وبالعكس» التي تزيد من قيمة الطابع أيضاً، إذ تدلّ على كونها طوابع لخطابات لم يُستدلّ على عنوانها. الأخطاء المطبعية أيضاً تزيد من قيمة الطّابع، كما هو الحال بالنسبة إلى التجارب الأولية التي تسبق إصدار الطابع في شكله النهائي.
يقول جلال إنّ الملك فاروق بوجه عام كان مولعاً بجمع الطوابع التي ورثها عن أبيه الملك فؤاد، وكان كلاهما يتفقد مطابع البريد باستمرار ويجمع التجارب الأولية لها والأخطاء، التي ارتفعت قيمتها الآن وأصبحت من أندر الطوابع.
فترة الستينات كانت زاخرة أيضاً بالطوابع القيمة، حيث يحتفظ الحاج جلال بمجموعة ستينية تُعرض للبيع، تحتوي على مجموعة إنقاذ آثار النوبة والملابس الفرعونية.
هناك أيضاً مجموعة التراث المصري، ومجموعة الفنانين والأعلام العربية، وحرب أكتوبر (تشرين الأول)، وثورة يناير (كانون الثاني) وغيرها، ويتراوح سعر إصدارها بين 3 مليم و3 جنيهات.
يقول جلال إنّ الإقبال على تلك الهواية لا يقتصر على المصريين فقط، بل إنّ هناك سيّاحاً عرباً وأجانب يأتون طلباً لمجموعات بعينها مرتبطة بالأحداث.
وهناك من لا يتّخذ جمع الطوابع هواية فقط، بل كاستثمار أيضاً، وقد بدأ الحاج جلال نفسه بالحفاظ على عدد من مجموعات الطوابع وعدم عرضها للبيع لأولاده.
أمّا ما ينقص من سعر الطوابع فهي الرّطوبة التي تجعل الحوافّ بنّيّة كأنّ الصدئ أصابها، ما يقلّل من سعرها بنسبة 90%، لذا يجب حفظ الجيد منها برشّه ببودرة خاصة تحفظها من التآكل بفعل الزمن. كما لا يعني قِدم عمر الطّابع ارتفاع قيمته، فهناك طوابع يزيد عمرها على 70 سنة، لا قيمة لها، بسبب انتشارها وتكرّرها. كما أن الهواية لم تتأثر بالتطور التكنولوجي، وخفوت دور البريد كوسيلة لنقل الرّسائل، كما يؤكد الحاج جلال، وعلى ما يبدو فإنّ شغف جمع الطوابع أمر يقاوم كل ذلك.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».