الولايات المتحدة تسعى لتعزيز قدرات المقاتلين السوريين

بهدف استخدامهم كقوات برية في المعركة الدولية ضد «داعش».. والمعارضة تتعامل مع الدعم الأميركي لمقاتلة التنظيم بحذر

القيادي توفيق شهاب الدين (يمين الصورة) من مقر سكنه بالريحانية  بتركيا أول من أمس (تصوير براين دنتن من «نيويورك تايمز»)
القيادي توفيق شهاب الدين (يمين الصورة) من مقر سكنه بالريحانية بتركيا أول من أمس (تصوير براين دنتن من «نيويورك تايمز»)
TT

الولايات المتحدة تسعى لتعزيز قدرات المقاتلين السوريين

القيادي توفيق شهاب الدين (يمين الصورة) من مقر سكنه بالريحانية  بتركيا أول من أمس (تصوير براين دنتن من «نيويورك تايمز»)
القيادي توفيق شهاب الدين (يمين الصورة) من مقر سكنه بالريحانية بتركيا أول من أمس (تصوير براين دنتن من «نيويورك تايمز»)

في مكتب سري يقع بالقرب من الحدود السورية التركية، وضع عملاء استخباراتيون من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها حجر الأساس لما يأملون أنه سوف يشكل قوة فعالة من المقاتلين السوريين لاستخدامهم كقوات برية في المعركة الدولية ضد تنظيم داعش المتطرف.
هذا المكتب المعني بقيادة العمليات العسكرية أبطأ من عمليات تمويل الجماعات الإسلامية، ودفع رواتب إلى الآلاف من الثوار «الذين دقق في خلفياتهم»، وزودهم بالذخيرة من أجل تعزيز حماستهم في أرض المعركة. ولكن حتى أكبر المستفيدين من البرنامج يعترفون بأن تحول هذه الجماعة الصغيرة نسبيا إلى قوة يكون بمقدورها مواجهة تنظيم داعش الممول والمسلح جيدا يشكل تحديا يحتاج إلى تقديم دعم هائل من مؤيديهم الأجانب.
وفي استراتيجية الرئيس أوباما لبناء تحالف دولي لمحاربة «داعش» دون الزج بالقوات الأميركية، يعتبر هؤلاء المقاتلون المعتدلون القوة الأفضل لمحاربة المتطرفين في سوريا. بينما وافق مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي على تقديم حزمة مساعدات للمتمردين، وأعقبه مجلس الشيوخ.
ويناضل الثوار السوريون - مع نقص الأسلحة - من أجل الصمود ضد كل من جيش الرئيس بشار الأسد والجهاديين التابعين لـ«داعش». كما أن محاولات الاغتيال تستهدف قادتهم. ويقر البعض بأن ضرورة الخوض في القتال وضعتهم في الخندق مع جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في سوريا)، وهي مسألة تثير قلق الولايات المتحدة بشكل واضح.
وبينما يتوقون للحصول على دعم دولي أكبر، وإثارة روح الكراهية ضد «داعش»، لا يزال يشكل هدف الإطاحة بالأسد هدفهم الرئيس، مما يضعهم في خلاف مع مؤيديهم الأميركيين.
ومن جانبه، قال حمزة الشمالي، رئيس حركة حزم، التي تلقت أسلحة ورواتب من قيادة العمليات العسكرية «مثلما كانت أولوية المجتمع الدولي هي محاربة (داعش)، أولويتنا تكمن في محاربة الأسد».
ويوم الثلاثاء الماضي، أخبر الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، وتشاك هيغل، وزير الدفاع الأميركي، لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، بأن القتال ضد المسلحين سيتضمن تدريب وتسليح 5 آلاف من المتمردين السوريين، وتطوعت السعودية لاستضافة برنامج التدريب على أراضيها. وسوف تشرف وزارة الدفاع الأميركية على هذا البرنامج التدريبي الموسع، على عكس البرنامج السري الحالي هنا وبرنامج مماثل في الأردن؛ حيث تشرف على كل منهما وكالة الاستخبارات المركزية.
وبينما لا تزال هناك الكثير من الأمور بشأن البرنامج الجديد غير واضحة، فإن عمل القيادة هنا منذ أن بدأت عملياتها هذا العام يوضح كيف تسعى الولايات المتحدة لبناء هذه القوة والتحديات التي سوف تواجهها في القيام بذلك.
وحتى الآن، ركز البرنامج على عدد صغير من الجماعات المقاتلة التي جرى التدقيق بشأنها من بين المئات الذين يقاتلون في مختلف أنحاء سوريا، مع تزويدهم بالمساعدة العسكرية والمالية، طبقا للقيادات التي تلقت الدعم. وتتضمن هذه الجماعات حركة حزم، التي تأسست هذا العام؛ وجبهة الثوار السوريين، الذين تعهد قائدهم (جمال معروف) بمحاربة كل من داعش والأسد؛ وجماعات أخرى برزت على الساحة أثناء العمل على إزاحة «داعش» من مناطق بشمال سوريا.
ويشمل قادة الجماعات مهندس طيران سابقا بالجيش السوري وطيارا مقاتلا هرب بطائرته إلى الأردن عام 2012. ويحظى آخرون بخلفيات أكثر اعتدالا.. أحدهم كان مزارعا. وعمل معروف في مجال البناء في لبنان، بينما عمل السيد الشمالي في بيع اللوازم المكتبية وفي مجال العقارات.
ولفت مسؤول معارض شارك في البرنامج إلى أن البرنامج ساعد الآن ثماني مجموعات رئيسة، رغم أن الآخرين تلقوا دعما أيضا. ويدفع الآن رواتب شهرية بقيمة 100 دولار على الأقل إلى نحو 10 آلاف مقاتل في شمال سوريا، وفقا لما أفاد به المسؤول، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته لإدلائه بمعلومات حول برنامج سري.
وفي نقاش جرى الأربعاء الماضي قبل موافقة مجلس النواب على طلب الرئيس أوباما بتقديم المساعدة إلى المقاتلين، ثارت تساؤلات حول ما إذا كان هناك - في الواقع - أي معتدلين بينهم. وبدوره، أوضح أندرو جيه تابلر، زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والمعني بمتابعة الشأن السوري، أن الإجابة تعتمد على التعريفات، قائلا «هناك بالتأكيد معارضة معتدلة إذا كان ما تعنيه بذلك الأشخاص غير الجهاديين المستعدين لمواجهة (داعش) وعدم العمل علنا مع الجهاديين الآخرين في البلاد»، مضيفا «ولكن هل هم ليبراليون غربيون؟ لا». وأفاد تابلر بأن معظم المتمردين يأتون من المناطق الريفية السنية؛ حيث يسود فيها نفوذ التفكير الإسلامي لفترة طويلة، وعادة ما يؤثر على تفكيرهم.
وكان رد فعل القادة، حيال إعلان أوباما أنه سيضرب «داعش» في سوريا والعراق، يتسم بالحذر. وكما هو الحال بالنسبة للكثير في المعارضة السورية، فإنهم ما زالوا يشعرون بالغضب حيال تراجع الولايات المتحدة عن شن عمليات قصف ضد الأسد بعد أن قتلت قواته مئات الأشخاص في الهجمات الكيماوية التي شنها قرب دمشق في العام الماضي. وبينما أيد الكثير شن ضربات، فإنهم يعدونها دليلا على أن الولايات المتحدة لا تريد سوى حماية نفسها، وليس إنقاذ أرواح السوريين.
ومن جهته، قال الشيخ توفيق شهاب الدين، رئيس حركة نور الدين الزنكي «يجب أن يقوم الموقف الدولي على محاربة كل أشكال الإرهاب، سواء (داعش) أو النظام». وحتى الآن، تعد نتائج البرنامج محدودة. وبينما لا يمكن أن تفخر الجماعات التي تتلقى الدعم بتحقيق نجاحات كبيرة، فإنهم يقولون إنهم يلحقون الهزيمة بالمقاتلين، بعضهم من الجماعات الإسلامية، التي تناضل الآن للحصول على تمويل في ظل تحويل مسار أموال الدول والإجراءات الصارمة المتخذة من جانب تركيا على الحدود.
ولا تزال التحديات عديدة.
من جانبه، أقر المقدم فارس البيوش، مهندس الطيران السابق الذي يقود الآن كتيبة فرسان الحق، بأن رجاله قاتلوا جنبا إلى جنب جبهة النصرة لأنهم كانوا بحاجة إلى كل المساعدة التي يمكنهم الحصول عليها.
* خدمة «نيويورك تايمز»



نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.