العملة اللبنانية تتألق على صدور نجوم الإعلام والفن

مبادرة في عالم الأزياء تهدف إلى الرفع من شأنها

داليدا خليل أحدث النجوم الذين ارتدوا القميص القطني الداعم للعملة اللبنانية  -  كارلا حداد كانت سباقة في دعم الليرة اللبنانية
داليدا خليل أحدث النجوم الذين ارتدوا القميص القطني الداعم للعملة اللبنانية - كارلا حداد كانت سباقة في دعم الليرة اللبنانية
TT

العملة اللبنانية تتألق على صدور نجوم الإعلام والفن

داليدا خليل أحدث النجوم الذين ارتدوا القميص القطني الداعم للعملة اللبنانية  -  كارلا حداد كانت سباقة في دعم الليرة اللبنانية
داليدا خليل أحدث النجوم الذين ارتدوا القميص القطني الداعم للعملة اللبنانية - كارلا حداد كانت سباقة في دعم الليرة اللبنانية

تشكل المبادرة التي أطلقها كل من المصممَين إبراهيم فخر الدين وحسن جابر والمتمثلة بقمصان قطنية بيضاء تحمل رسماً للعملة المعدنية، أحدث تقليعة تَروج حالياً في لبنان ضمن عالم الموضة.
وتأتي هذه الفكرة من قبل المصممَين الصاعدين كوسيلة دعم للعملة اللبنانية التي تشهد وضعاً دقيقاً في الأيام الأخيرة. وتحمل هذه القمصان التي تباع «أونلاين» وفي محلات تجارية وسط بيروت رسوماً للعملة النقدية المعدنية من فئتي 250 و500 ليرة لبنانية مطبوعة بمادة الـ«فينيل» كنسخة طبق الأصل عن الحقيقية منها بالذهبي والفضي. وهما اللونان اللذان تسك بهما هاتان الفئتان المعدنيتان من العملة اللبنانية والتي كان يطلق عليها في الماضي أسماء «نصف وربع ليرة».
والمعروف أن المواطن اللبناني عادةً ما لا يكنّ الاهتمام الكبير لهاتين الفئتين من العملات النقدية في لبنان. فهو يتنازل عنها من دون تردد إذا لم تتوفّر لدى البائع لدى شرائه أي منتج من دكانه أو محله. حتى إن البائع نفسه ينصحك بشراء أي غرض من عنده بهذا المبلغ متوجهاً إليك بالقول: «خدلك علكة أو لوح شوكولاتة» كي يحل مشكلة خلو جاروره من هذه الفئة.
«لقد تخرجنا مؤخراً من دراستنا في علم الأزياء والموضة ويأتي موضوع العملة الأول لنا في عالم الأزياء في السوق اللبنانية، وأطلقنا على هذه الماركة اسم (ليرة) أو (Lirah) بالأجنبية». يقول إبراهيم فخر الدين في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «الفكرة جاءتني وصديقي حسن في غضون التدهور الذي تعيشه الليرة اللبنانية منذ بضعة أشهر. فقررنا معاً أن ندعمها من خلال هذه المبادرة. ونجحنا في تسويقها من خلال استخدام وجوه معروفة في عالمي الإعلام والفن التي ارتدتها بكل طيب خاطر. وصارت اليوم تشكل حديث الساعة على كل شفة ولسان في لبنان».
وإضافة إلى هذه المجموعة من القمصان يصمم اللبنانيان حسن وإبراهيم، أخرى، كالجاكيتات والبناطيل التي تحمل هي أيضاً كلمة «ليرة» ولو بطريقة غير ظاهرة بشكل نافر على القطعة، ولكن لتمثل التوقيع الرسمي لهما على كل قطعة ثياب من تصميمهما. ومن ضمن المشاهير الذين أسهموا في الترويج لهذه القمصان الإعلامية ديما صادق والمقدمة التلفزيونية كارلا حداد والممثلة داليدا خليل.
فكارلا حداد كانت السباقة في ارتدائها على الشاشة الصغيرة ضمن واحدة من حلقات برنامجها التلفزيوني «في مايل» على قناة «إل بي سي آي». فارتدت قميصاً قطنياً أبيض يحمل رسم العملة النقدية من فئة 250 ليرة. خطوة كارلا هذه لاقت إعجاب العديد من المتابعين لها الذين أثنوا على مبادرتها عبر تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وأيّدوها في نقل صورة إيجابية عن الوضع في لبنان.
أما الإعلامية ديما صادق فقد أطلت في هذا القميص ولكن برسم يحمل فئة الـ500 ليرة وذلك خلال تقديمها إحدى حلقات برنامجها الحواري السياسي الصباحي «نهاركم سعيد» على الشاشة نفسها. وفي الأيام القليلة الماضية نشرت الممثلة داليدا خليل على صفحتها الخاصة عبر موقع «إنستغرام»، صورة ظهرت خلالها وهي ترتدي قميصاً أبيض رُسمت عليه «الليرة اللبنانية» من فئة الـ500، وأرفقتها بتعليق تقول فيه: «معنا الليرة اللبنانية ما بتموت منلبسها ومنستعملها بكل فخر». وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إننا بالتأكيد نفتخر بعملتنا ونفضلها على أي عملة أخرى بحيث يجب أن تكون الرئيسية التي نتداول بها. ويا ليتنا نبدأ جميعنا في دعم تفاصيل صغيرة في بلدنا لنتجاوز أي عقبات تواجهه ولا سيما الاقتصادية منها كي يزدهر ويعمر من جديد».
ويؤكد إبراهيم فخر الدين في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن لبنانيين مقيمين باتوا يختارون هذه القمصان كهدايا في مناسبات مختلفة: «هناك من يحملها معه خلال السفر ليقدمها إلى قريب أو صديق في الخارج. كما أن هناك أشخاصاً آخرين يطلبونها عبر موقعنا على الإنترنت ليشكلوا من خلالها مفاجأة لحبيب في مناسبة عيد ميلاده أو في أي مناسبة أخرى».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)