ولادة أكبر مكتبة إلكترونية عربية تضم 100 ألف عنوان بالمجان

مشروع شبيه بـ«غوغل بوكس» بالشراكة مع «الجامعة الأميركية» في بيروت

أحد أعضاء الفريق التقني بالجامعة الأميركية في بيروت
أحد أعضاء الفريق التقني بالجامعة الأميركية في بيروت
TT

ولادة أكبر مكتبة إلكترونية عربية تضم 100 ألف عنوان بالمجان

أحد أعضاء الفريق التقني بالجامعة الأميركية في بيروت
أحد أعضاء الفريق التقني بالجامعة الأميركية في بيروت

بفضل تمويل من «جامعة نيويورك» في أبوظبي، سيصبح في متناول القراء العرب، وبالمجان، خلال أقل من خمس سنوات، أكبر مكتبة رقمية بلغة الضاد، موجودة على الشبكة العنكبوتية. وسيتمكن القارئ من الوصول إلى 100 ألف كتاب عربي، والإفادة منها وقراءتها، على طريقه الـ«إي - بوك». وقد بدأ تجهيز الكتب إلكترونياً منذ ما يقارب السنتين، وسيعمل على وضعها تدريجياً على الشبكة بدءاً من العام المقبل.
ويتم تنفيذ المشروع من قبل مجموعة «عربية أون لاين» وهي الهيئة التي مولتها «جامعة نيويورك» أبوظبي وتعمل بالتعاون مع «جامعة نيويورك» في الولايات المتحدة الأميركية، لإنجاز مشروع شبيه بـ«غوغل بوكس» مخصص للغة العربية. وقد شمل المشروع رقمنة الكتب العربية الورقية الموجودة في مكتبات جامعات كبرى في الولايات المتحدة الأميركية مثل كولومبيا، وكورنل، وبنسلفانيا وبرنستون، لكن تبين أن ما في حوزة هذه المكتبات الجامعية مجتمعة، لا يصل إلى أكثر من 30 ألف مجلد. وامتد التعاون ليشمل الجامعة الأميركية في بيروت التي في حوزتها أكثر من 10 آلاف مجلد، غير خاضعة لحقوق النشر، أي أنها منشورة قبل عام 1956، ويمكنها أن تصبح مشاعاً إلكترونياً دون أي قيود.
وأعلنت «الجامعة الأميركية» في بيروت أخيراً انضمامها للمشروع، وتحدث رئيس مكتباتها لقمان محو لـ«الشرق الأوسط» مؤكداً أن «كل الكتب التي لا تخضع لحقوق النشر في حوزتنا ستصبح رقمية خلال ثلاث سنوات، حددناها لأنفسنا، دون أن يشمل ذلك المخطوطات والدوريات التي سيتم نشرها إلكترونياً وفق برنامج آخر، تقوم به الجامعة بنفسها، وقد بدأ بالفعل مع مجلة (الآداب) وسيتم استكماله تدريجياً». وبحسب محو، فإن الجامعة الأميركية في بيروت، أنفقت ما يقارب نصف مليون دولار، بهدف تجهيز نفسها تقنياً بكومبيوترات، ومعدات تصوير ونسخ وميكروفيلم، وجرى إنشاء مختبر مجهز بكامل المعدات اللازمة، لنقل كتبها الورقية إلى إلكترونية، كما أن الجامعة، أعدت فريقاً تقنياً من 12 شخصاً خضعوا لتدريبات متواصلة ليكتسبوا الخبرات اللازمة. وجرى تدريب الفريق في «مكتبة الإسكندرية» في مصر التي يصفها محو بأنها أصبحت لها خبرة عالمية المستوى، وهي الأولى في المهارات الإلكترونية للعمل على الكتاب العربي، بعد أن تدرب فريقها في مكتبة الكونغرس واستطاع أن يطور مهاراته ليطوعها وتتلاءم مع الكتاب العربي. كما تدرب الفريق اللبناني في هولندا مع شركة «براي ببلشنج غروب»، وسيجري انتخاب أفراد من الفريق للذهاب إلى «جامعة نيويورك»، للاطلاع على كيفية العمل هناك، واستكمال تطوير المهارات، وتوحيد طريقة العمل.
وينفي الدكتور محّو، أن يكون العمل على نقل الكتب العربية إلكترونياً لا يزال يعاني من صعوبات تقنية، ويقول: «إن العقبات ذللت، ولم يعد أمامنا من صعوبات تذكر. ثمة صعوبة وحيدة هي في نظام (أو سي آر) أي أن يتمكن البرنامج من البحث عن عبارة ويعين الصفحة الموجودة فيها، والمكان المحدد من الكتاب، أما ما عدا ذلك، فلا صعوبات تذكر».
وحين نستوضح عن أهمية المشروع طالما أن هناك الكثير من المواقع العربية التي باتت توفر لقرائها آلاف الكتب العربية بالمجان، كما أن الكتب الحديثة تتم قرصنتها، يجيب الدكتور محّو مؤكداً أن «أكبر موقع إلكتروني عربي للكتب لا يوفر لقرائه أكثر من ثلاثة آلاف كتاب، فيما مشروعنا سيضع القارئ أمام ثروة لا مثيل لها، ولم يسبق له أن رأى ما يشبهها إلكترونياً باللغة العربية».
ويعد الدكتور لقمان محّو، أن هذه التجربة التي يكتسبها فريق الجامعة الأميركية، ستصبح في خدمة المكتبات اللبنانية التي ترغب في جعل كتبها إلكترونية و«سنصبح على استعداد للتدريب ونقل الخبرات بالمجان، وهو ما سيعمم الفائدة على الجميع».
أما عن التمويل الذي ستحظى به الجامعة الأميركية في بيروت، لتنفذ الجانب الخاص بها من المشروع فيقول: «نحن جئنا بالمعدات والموظفين التقنيين، واستثمرت الجامعة نحو نصف مليون دولار، وسيدفع لنا نحو نصف مليون دولار؛ 100 ألف للمعدات والباقي لتحويل الكتب إلى إلكترونية». شارحاً أن «المبلغ كاف جداً، فالمعدات التي دفعت الجامعة ثمنها، كنا سنشتريها في كل الأحوال لأن الحاجة ملحة إليها».
يبدو أن هدف الوصول إلى 100 ألف كتاب عربي رقمي، رغم دخول الجامعة الأميركية في صلب المشروع، لا يزال بعيد المنال، والبحث متواصل مع مكتبات لجامعات معروفة، بحوزتها كتب لها أهميتها، مثل «المكتبة الشرقية» العريقة التابعة لـ«الجامعة اليسوعية» في بيروت.
الدكتور محّو الذي قام هو نفسه بهذه الاتصالات التي لم ترتق بعد إلى مستوى الاتفاق، يتحدث عن صعوبات كثيرة، منها الحاجة إلى إحصاء الكتب التي لا تخضع لشروط النشر، وعددها ونوعيتها، ومنها أيضا أن التصنيف في هذه الجامعة يختلف عن الطريقة الأميركية، وكذلك عدم توفر الإمكانيات التقنية للجامعة اليسوعية، وهو ما يمكن أن تساعد به الجامعة الأميركية في بيروت، بتقنياتها الخاصة.
العمل التجريبي لرقمنة الكتب، بدأ فعلياً في الجامعة الأميركية في بيروت، والفريق التقني لا يضيع وقتا، حيث يتمكن من العمل على عشرة كتب ورقية يومياً، ويضعها بالصيغة الإلكترونية. وهي وتيرة جيدة، تسمح بالانتهاء من العمل في غضون ثلاث سنوات. وهناك تفكير في تسيير العمل وفق دوامين في اليوم الواحد يتناوب عليهما فريق العمل، لإنجاز المهمة بالسرعة الممكنة.
والهدف الأول والأهم بالنسبة للدكتور محّو، هو توفير الكتب للقارئ العربي، لا سيما تلك القديمة منها التي يعتبرها قيمة جداً، وعلى الأرجح أهم من الكتب الجديدة، المتوفرة في الأسواق.
أما كيف يمكن للقارئ الدخول لقراءة هذه الكتب، فمن خلال موقع «الجامعة الأميركية» في بيروت في الفترة الأولى التي ستوفر روابط تحيل إلى بقية المكتبات المشاركة في المشروع.
يذكر أن «الجامعة الأميركية» التي تأسست عام 1866، لها مكتبات هي من بين أفضل المكتبات الأكاديمية في المنطقة العربية، تحوي ما يقارب مليون ومائتي ألف كتاب ورقي ورقمي منها عشرة آلاف كتاب نادر وفريد وعشرة آلاف دورية، منها 3500 بالعربية، و140 ألف مجلة ومُجريات إلكترونية، و300 قاعدة بيانات، ومليون ومائتي ألف منشورة سمعية بصرية، ومعظمها ميكروفيلم جرائد ومجلات محلية وإقليمية تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
ويضم قسم الأرشيف والمجموعات الخاصة 700 قدم من المواد الوثائقية، من بينها أوراق مفكرين لبنانيين وعرب مشهورين. كذلك يضم 1400 مخطوطة وتسعة آلاف مجلد أبحاث، وأطروحات يعود بعضها إلى عام 1907. كما يضم خمسة آلاف بوستر و1900 خريطة وخمسين ألف صورة.



«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟