رفيف الظل: إنهم في وعورة أنسابهم

رفيف الظل: إنهم في وعورة أنسابهم
TT

رفيف الظل: إنهم في وعورة أنسابهم

رفيف الظل: إنهم في وعورة أنسابهم

هذا صباح يذكرني بالشمس.
هل رأيتم شمسا في الأيام الأخيرة؟
لا يليق بنا، نحن الذين نعيش في رحم الشمس،
أن نقرأ هذا السؤال.
لدينا من الشمس ما يحرق نعاس كل من يفيق الآن، ويفكر في العودة للنوم.
يحرقه ويتصدق برماده على فقراء الجليد.
ثمة المفارقة،
عوض أن تضيء لنا الشمس، فهي تحرقنا.
ما الذي يبقى لجهنم إذن؟
جهنم هي التي تضيء الطريق للفردوس،
هي التي توقد الشمس حين يعتريها اليأس ويطفئ لهيبها الملل،
هي التي نمتحن بها صبرنا.
ما هو ليس ليلا، لا يكون نهارا بالضرورة.
الليلُ ياقة قميص النهار،
لن يسترَ عنقك،
لكنه سيُبرئُ ربطة نشوتك.
هي الأشلاءُ،
هوية خطواتِكَ المتعثرة في غبارِ المسافة،
وشمُ جلدِكَ العربي المثخنُ بالجليد.
هي أن يكون مبتدؤكَ القتل الصباحي،
وخَبرُكَ أدوية الهدوء.
فهل ستهدأُ؟!
هل سينقشعُ الغبارُ، ويتبخر الوشمُ؟
تجلس في شفير شغف. تسمع ماءَ القلب يشرقُ بالحب، فتظن أنه صباحُك المنتظر. تزعم أن أصدقاء لك في شفير الشغف الآخر يقدرون على تأجيلك حتى الشهقة التالية، فتفتح أجنحتك، تنسى أنكَ قد نسيت عادة الهواء منذ الموت الأخير قبل الربيع الماضي، كنت تقول إن الماضي لا يذهب والمستقبل لا يأتي. أصدقاؤك يسعفونك قبل نهاية الشفير بمتر واحد من الشغف. تحلم.
إنهم هناك، في وعورة أنسابهم،
مربوطون بما يمنع الطين من الاحتفاظ بعود،
دروبهم زلقة، وكلما عبروا.. انحرفوا للشفير الأخير.
وأنتَ هنا، تسمع تنهدات من ماتوا وهم ينادونك،
ولشدة شوقهم أدمنوا وصفك كغيم محتمل،
فلا النجوم بعد ذلك بعيدة، ولا المسافة عرجاء.
رأيته وهو يقطف الأحرف من حنظل البكاء،
ويغرزها في برودة الكفن.
انتظرَ حتى سعلَ الحاجب سعلتَهُ المعتادة، ثم كبّر.
وفي نهاية الفريضة، جفّتِ الوجوهُ، فاستسقى لهم راحته وارتخاء أوصاله.
كانت خطواتهم الحافية تنزع من الأرض نكهتها الأخيرة،
كان يسمع تلك النكهة كبرق يضيء المسافة الأخيرة.
بعد قليل ستمطر،
ستظلم ثم ستمطر.
يتدحرجُ الصمتُ بينهما،
فيكبرُ الجليد.
وكلما يحاولُ أن يشعلَ الطريق،
يحترقُ النص.
النص أكثر حريقا من الشخص.
الشخص في غيهب الغياب.
يرقّمُ الحصى بدم الجملة،
فيلتهمه ذئب المعنى.
يتأجج ذائبا كذئب حزين، شوقا إلى كهفه الأول.
في الكهف،
القِبلة هي خريطة عظامه،
والحطبُ الباردُ كنزُ صلاتِه.
يبقى له أن يثق،
أن يؤمن،
أن تصيبه رعشة الأمل.
يبقى له.
لكن من أين،
كيف؟



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.