لم يكن أمر العجين والكعك يشغلني إلى أن ظهر هذا الموضوع في صندوق الوارد الخاص ببريدي الإلكتروني.
فقد أعلنت سلسلة فنادق «دبل تري باي هيلتون» أنها سترسل قريباً فرناً صغيراً وقطعاً من عجين الكعك إلى محطة الفضاء الدولية حتى يتمكن رواد الفضاء من خبز الكعك مع رقائق الشوكولاتة في الفضاء لأول مرة. وحسب «دبل تري» فإن الكعكات التي يقدمها الفندق للضيوف مجاناً عند تسجيل الوصول هي «الغذاء المثالي لجعل الكون أكثر ترحيباً بالضيوف».
ذكّرتني هذه الطريقة بمعظم الجهود التي بذلتها «كوكاكولا» و«بيبسي» لتصنيع علب الصودا الصديقة لرواد الفضاء على متن مكوك الفضاء المتقاعد عن العمل الآن. فمثلاً ضخت شركة «بيبسي» مبلغاً هائلاً قُدِّر بملايين الدولارات لكنها لم تكن ناجحة تماماً، حيث سربت العلب ما بها من سائل بعد فترة، وكانت الصودا ساخنة.
اتضح أن المشروبات الغازية رديئة في الفضاء حتى من دون علب خاصة؛ ففقاعات الغاز لا تطفو على السطح ولا تتلاشى كما يحدث على الأرض، لذلك يستهلك رواد الفضاء المزيد من الغاز عندما يحتسونها، مما يعني أنهم يتجشؤون أكثر. ومن دون الجاذبية التي تعمل على تثبيت محتويات بطنهم، فإن تجشؤهم يمكن أن يتسبب في القيئ.
يبدو أن نتائج عمل العجين الخام غير متوقعة النتائج، حيث قال تشارلز بورلاند، عالم متقاعد من وكالة «ناسا»، إن الوكالة لم تحاول قط تطوير فرن صديق للفضاء نظراً إلى ما يمثله من مخاطرة كبيرة للغاية. فقد أمضى بورلاند 30 عاماً في تطوير الطعام لرواد الفضاء، بدءاً من برنامج «أبوللو» قبل أن يتقاعد عام 1999.
قال بورلاند: «إذا أشعل شخص ما النار وبدأت في الاحتراق، فسيتعين عليك التغلب على الدخان. لا يمكنك فقط فتح النافذة لإخراج الدخان». لكن عندما تحدثت مع رواد الفضاء وغيرهم من العاملين في مجال الفضاء تضاءلت شكوكي حول عجائن الفضاء، حيث قال بورلاند إن العديد من رواد الفضاء الذين عمل معهم كانون يحبون الطبخ وإنهم افتقدوا ذلك كثيراً في الفضاء.
يتمتع رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية اليوم بقوائم متنوعة للفطور والغداء والعشاء، بالإضافة إلى الوجبات الخفيفة والحلويات، ويقوم مختبر الغذاء التابع لـ«ناسا» بانتظام باختبار الوصفات الجديدة التي يمكنها تحمل بيئة الفضاء (لكنهم لم ينجحوا مطلقاً في صنع فطيرة الجبن بشكل صحيح)، فرواد الفضاء لا يقومون بأي طهي أو خَبز.
ستكون العجائن التي تحتوي على رقائق الشوكولاتة التي تقدَّم في الفنادق هي الأقرب إلى الخبز الحقيقي الذي صنعوه في مطابخهم التي تحلق عالياً في الفضاء. وتقول وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» إن رواد الفضاء لن يتناولوا تلك العجائن في الواقع لأنها مجرد تجربة علمية.
لكن تخيل لو أن المسافرين في الفضاء يوماً ما، سواء كانوا يدورون في محطة فضائية مرتفعة فوق الأرض أو يعيشون في قباب على سطح المريخ، سيمكنهم حقاً إعداد طعامهم ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، مثل مات دامون الذي استخدم نفاياته في زراعة البطاطس في المريخ (في فيلمه «المريخي») لكن للاستمتاع بتناوله.
يقوم رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية بالفعل بعمل أشياء لجعلهم يشعرون كأنهم في المنزل، مثل ممارسة ألعاب الطاولة والبرامج التلفزيونية لمشاهدة الألعاب. وغالباً ما يتناولون وجبات الطعام معاً، خصوصاً خلال العطلات. سيوفر الطهي تجربة إنسانية أخرى مميزة في مكان غريب أجنبي قد يجلب لهم الراحة، ويخفف من التوتر، ويمكن أن يصرفهم لفترة وجيزة عن محيطهم غير الاعتيادي الذي قد يقتلهم.
في الوقت الحالي يجري إعداد وجبات الطعام لهم في الغالب على الأرض. وفي محطة الفضاء الدولية يأتي الطعام مستقراً حرارياً أو مجمداً في أكياس يمكن التخلص منها، وهي منتجات تخضع للاختبار على مدى سنوات في مختبرات الأغذية التابعة لـ«ناسا».
يقوم رواد الفضاء بحقن الماء في مغلفات الأطعمة المجمدة والمجففة ثم يقومون بتسخينها في فرن صغير لا يزداد سخونة على 170 درجة فهرنهايت. الملح والفلفل يأتي في شكل سائل، ولا توجد ثلاجات. فبعض وصفات الطهي البسيط ممكنة، لكن أسهل الوصفات تأخذ الكثير من العمل في الفضاء.
الطعام يتطلب الكثير من العمل، وفي هذا الصدد، قال أندرو فوستيل، رائد فضاء «ناسا» الذي عاد من زيارته الأخيرة إلى المحطة الفضائية العام الماضي، إن الطعام «يمكن أن يسبح في أي مكان، وفي بعض الأحيان تجد نفسك تستخدم ملعقتك أو فمك لمطاردة الطعام والتأكد من أنك قد وضعت كل شيء في فمك، قبل أن يطير ليلتصق بالجدار أو بوجه شخص مارٍّ».
بالنسبة إلى الكعك بالشوكولاتة، سيتلقى رواد الفضاء تعليمات مفصّلة لاستخدام الفرن التجريبي الذي صمّمته شركة «نانو روكس»، وهي شركة فضائية تساعد في تطوير تجارب محطة الفضاء الدولية.
يعاني رواد الفضاء من انعدام الوزن لأن المحطة تتحرك بسرعة كبيرة -17500 ميل في الساعة- بحيث يصبح كل شيء في حالة سقوط حر.
في الجاذبية الصغرى، تفقد الأفران فعالية خواصها الأكثر أهمية: الحمل الحراري، ميل الهواء الساخن إلى الارتفاع، وعمل المراوح لتدوير هذا الهواء لتوزيع الحرارة بالتساوي.
هناك أيضاً مسألة الاحتفاظ بكل ما تقوم به في عملية الخبز. تقول ماري مورفي، مديرة الحمولات بشركة «نانو راكس» التي ساعدت في تطوير فرن الفضاء: «هنا على الأرض من السهل جداً أن تمسك العجين وتثبته على صينية وتضعه في الفرن». إذا دفعت العجين إلى وسط الفرن، إلى أين يذهب؟ هل سيبقى هناك في الوسط؟ هل سينزلق إلى الجانب؟».
لقد ابتكرت شركة «نانو راكس» فرناً على شكل أسطوانة مبطنة بمكونات تسخين يمكنها رفع درجة الحرارة الداخلية إلى 350 درجة فهرنهايت. يجري خبز لوح واحد من العجين ليتم وضعه في مكانه داخل صينية مغلقة، ويقوم الفرن بتوصيل جهاز بحجم الأمتعة المحمولة التي تدعم التجارب العلمية في الكهرباء والتبريد والاحتياجات الأخرى.
يقول مورفي إن روائح الخبز اللذيذة ستفوح في هذه الحجرة، لكن رواد الفضاء لن يحصلوا على نفحة إلى أن يتم الانتهاء من تبريد الفرن بدرجة تكفي لفتحه. (سوف يحتاجون إلى انتظار أطول قليلاً لأن الهواء الدافئ لن يرتفع كما هو الحال على الأرض).
يقول جوردانا: «عندما تصبح رحلات الفضاء طويلة الأمد أكثر واقعية وأكثر شيوعاً، فستكون في حاجة لأن تفكر في كيفية جعل رواد الفضاء أكثر راحة، وما يمكنك إضافته لجعله أكثر شبهاً بالأرض وأكثر شبهاً بالمنزل».
- خدمات «تريبيون ميديا»
مخبوزات «ناسا» الرائعة... هل سيتمكن العلماء من خبز البسكويت في الفضاء؟
فنادق «دبل تري باي هيلتون» سترسل فرناً صغيراً وقطعاً من عجين الكعك إلى محطة الفضاء الدولية
مخبوزات «ناسا» الرائعة... هل سيتمكن العلماء من خبز البسكويت في الفضاء؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة