كتب ألهمتني الكتابة

ميس العثمان  -  إبراهيم الخالدي  -  منى الشافعي  -  حمد الحمد
ميس العثمان - إبراهيم الخالدي - منى الشافعي - حمد الحمد
TT

كتب ألهمتني الكتابة

ميس العثمان  -  إبراهيم الخالدي  -  منى الشافعي  -  حمد الحمد
ميس العثمان - إبراهيم الخالدي - منى الشافعي - حمد الحمد

ثمة كتب تشكل في حيوات الأدباء من روائيين وقصاصين وشعراء انعطافات كبيرة، سواء في بداياتهم، حيث تلهمهم وتوقد فيهم «شرارة الكتابة»، أم في محطات لاحقة فتساعد على تطوير عوالمهم الإبداعية، أو تحقق انقطاعاً بين ما كانوا عليه، وما صاروا إليه بعد قراءة تلك الكتب.
هنا شهادات عدد من الكتاب الخليجيين:

> د. عبد الله الحيدري: بدايتي مع أساطير الجهيمان
بعد هذا المشوار الذي يقترب من الأربعين عاماً ويتصل بعالم القراءة والكتاب، أستطيع القول بأن وقود الكتابة هي القراءة، وكنت قد بدأت القراءات الأولى في المتوسطة والثانوية محاكياً ابن العم حمد الحيدري الذي كان يكبرني بأربع سنوات، ولديه مكتبة صغيرة فيها كتب دينية وتاريخية وأدبية، مع عناية خاصة بالكتب التي تحوي قصصاً واقعية وأحياناً تكون ممزوجة ببعض الأساطير، ومن هنا فقد تعلقت بقراءة بعض القصص، وكانت البداية مع أساطير شعبية لعبد الكريم الجهيمان، ثم مع كتاب «من أحاديث السمر» لعبد الله بن خميس، وكتب أخرى تراثية مثل العقد الفريد ونحوها.
وحين صدرتْ مجلة باسم معهد إمام الدعوة العلمي بالرياض شجعني مسؤول التحرير الأستاذ محمد الشيبان على الكتابة، فكتبت مقالاً وأنا في الثانوية ونشر بالفعل، وتشجعت على الكتابة أكثر، فبدأت أستعير بعض الكتب من مكتبة المعهد، ومما استعرت منها في هذه المرحلة المبكرة من العمر كتاب «معجزة فوق الرمال» لأحمد عسة.
وعندما تخرجت في كلية الآداب، تطلعت لكتابة البحوث، وكان أن أعلن نادي الطائف الأدبي عن مسابقة في مجال البحث العلمي؛ فتقدمت ببحث، وحصلت على المركز الثاني بعد حجب الأول.
وأثناء عملي في إذاعة الرياض، تعرفت إلى خالد بن محمد الخليفة، وكان يشرف على صفحة في جريدة «اليوم»، فدعاني للكتابة فاستجبت، وتكونت من هذه المقالات مادة صالحة للجمع، وصدرت في كتاب 1992.
- نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأدب العربي (رئيس نادي الرياض الأدبي سابقاً)

> ميس العثمان: كتاب «الشخصية المحمدية» غيّر التركيبة الكيميائية لروحي
إننا كقرّاء أولاً؛ نظلّ كل الوقت في بحث شبه جنوني عن «ذلك الكتاب» الأمنية!
الكتاب الذي لا ندري في أي المكتبات حول العالم ينتظر تصفحنا له... كتاب يعيد تنسيق أرواحنا مثلاً، ينقذنا من ضياع نظنه أخيراً، يرمم أوجاعنا الخفية، يسعد بنا لأعلى، كتاب نقرأ مدخله الأول فيأسرنا فيما يحمل من إجابات على أسئلتنا الكثيرة المدعوكة بعلامات الاستفهام غير المرحّب بها في «عوالمنا» المرتاحة في اليقين!
نحن كقرّاء أولاً، نظل في مبحثنا الدائم المتواصل عن كتب تحرّك زوايا النظر، تفتح شرفات على معانٍ جديدة - جديرة بالوقوف فيها لساعات وأيام طويلة لاقتناص الحكمة من عقل «غريب عنا» لكنه يشبه جنوننا الحميد قرر مشاركتنا تجربته البعيدة أو القريبة فلا فرق، نحن من نصنع أيامنا وقصصنا بلا شك عبر تشاركها مع غيرنا، ونحن هذه تعود على «البشر»...
أما الكتاب الذي حوّلني روحياً، وغيّر مسارات حياتي كـطلقة بدء أولية فقط في سباق التحولات العظيمة التي شهدتها على مدى سنوات وما زلت أكنس بدائيتي... كان «الشخصية المحمدية» للشاعر معروف الرصافي، الذي فتح شرفة النور في روحي، وأقعدني في «حمى» حقيقية لأيام. وبعدها تجولت في مناطق قرائية أبعد ما تكون عن المعتاد والدارج والمكرّس، إنني حرّة منذها وما زلت مثل عصفورة وأخبر حكاياتي للناس بسلام وصدق وحقيقة وبلا خشية.
- روائية كويتية

> استبرق أحمد: شغلني «مقتل السيد أكرويد»
كان «مقتل السيد أكرويد» أول كتاب قرأته لأجاثا كريستي، سحق فكرة التوقعات، وشغلني أكثر بالألغاز والألاعيب، وربما اندس ذلك لاحقاً في كتابتي في وجود حكاية تتعرض للمد والجزر، للتعميّة والوضوح. أما النص الذي أعتبره مفارقاً، ذكياً، ممتعاً، ومغارة زاخرة بالتفاصيل يذكرني أحياناً بجبروت «الست، ثومة، الهائلة أم كلثوم» وهو يقف صادحاً بين النصوص، بطبقات صوتية للحكاية، لا يدانيه ولا ينساه أحد، نص حكاية الحكايات «ألف ليلة وليلة» في اجتياح الصور والأخيلة المنتبهة لك. تعرفت في «مدن لا مرئية» أو «البارون المعلق» - لا أذكر أيهما قرأته قبل - على «ايتالو كالفينو» وجدت المغايرة والعمق والتشابكات وتأويلات المقاصد، وجدت الكاتب في سيرته «الثعلبية» كما يصف كالفينو في اعتناقه التجريب وتنوع نظرته للعالم.
- قاصة كويتية

> إبراهيم حامد الخالدي: ديوان السياب بوابتي للشعر الحديث
من الصعب تذكر الكتب التي قرأتها منذ أن عشقت القراءة كهواية، وتصاعدت حتى أصبحت صنعة لا أهملها في يوم من الأيام، لكن هناك كتباً من الصعب نسيانها أو نكران تأثيرها، وكإنسان مارس الكتابة في الصحافة والأدب والتاريخ والفلكلور على مدى ثلاثة عقود، يمكنني تعديد بعض الكتب التي أتذكرها الآن...
كان ديوان بدر شاكر السياب «الأعمال الكاملة. جزآن» أحد أوائل دواوين الشعر الفصيح التي فتحت عيني عليها، وفتحت لي أبواباً واسعة للولوج إلى عالم الشعر الحقيقي والمبدع.
من السياب تعلمت:
- أن كتابة الشعر تحتاج إلى المثابرة والمواصلة، كان ذلك وأنا أراه يكتب الشعر يومياً من تواريخ القصائد في كتابه.
- أن للمكان تأثيراً على استفزاز الشاعر للكتابة، كما تبين لي من تعدد الأماكن التي كتب فيها أشعاره خلال أسفاره.
- أن جمال الشعر لا يتعلق بالشكل الفني للقصيدة، فالشعر أمر أكبر من القوالب والقيم الموروثة.
- أن الشاعر يمتلك لغته، ومن حقه أن يعبث داخل النص؛ ما دام ينتج في النهاية إبداعاً حقيقياً، وليس عبثاً لغوياً.
- أن الشاعر مهما بلغ حجم إبداعه من الممكن أن تجد له نصوصاً دون المستوى، ورغم ذلك ينشرها لقرائه.
- أن الشعر يحمل رسالة حياتية، ومقولة جاء ليقولها، وليس مجرد تعابير عن أحاسيس مرهفة.
بالطبع، لم يكن السياب وحده هو المحرّض لي على كتابة الشعر، لكنه أكثر من عرّفني بأن الشعر الحديث يمكن أن يكون جميلاً وعميقاً في الوقت ذاته. نزار وأمل دنقل والمتنبي لهم أيضاً أثر لا يمحى.
هناك كتب أخرى قرأتها في البدايات كان لها تأثير في محبتي للتاريخ والتراث. أذكر هنا «تاريخ الخلفاء» للسيوطي، و«الأعلام» للزركلي، و«الأدب الشعبي في جزيرة العرب» لعبد الله بن خميس، و«الموسوعة النبطية» لطلال السعيد.
لا أنسى روايات أجاثا كريستي، وإحسان عبد القدوس، وكتب محمود السعدني، وأنيس منصور، وغيرها الكثير، في تشكيل قناعتي بأن الكتابة سواء كانت في الصحافة أو التأليف، هي عمل مشرف لصاحبه يستحق أن يهب له الإنسان حياته، وهي التعريف المهني الأعلى قيمة وسؤدداً من أي شهادة علمية أخرى.
نحن في الختام، خلاصة ما قرأنا، وما سمعنا، وما واجهنا من مواقف، وما اكتسبنا من خبرات، وعند مزج ذلك مع ما فطرنا عليه من أخلاق ومبادئ، تتشكل ذواتنا، وتتبلور آراؤنا، ونصبح ما نحن عليه، حسناً فحسناً، وسيئاً فسيئاً.
- شاعر وباحث كويتي

> منى الشافعي: «نساء صغيرات» كبرن معي منذ الطفولة
الكتاب الذي قرأته بشغف في طفولتي هو رواية «نساء صغيرات» الكلاسيكية، للكاتبة الأميركية لويزا ماي الكوت، وهي عبارة عن أربعة أجزاء، والرواية تحتفي بالطفولة، طفولة البطلة وشقيقاتها الثلاث، وتشي بدفء الأسرة المترابطة المتحابة، التي شعرت به البطلة في بيتهن. تدور أحداث الرواية في زمن الحرب الأهلية الأميركية التي اندلعت بين الشمال والجنوب، بحيث أشعرتني الكاتبة بأنها غرفت بشبع من تجارب طفولتها لتزين بها صفحات هذه الرواية الجميلة، التي عشقتها طفولتي، فصرت أعيد قراءتها، بين فترة وأخرى، وما زالت بأجزائها الأربعة، متربعة بخيلاء على أحد أرفف مكتبتي.
لا أعتقد أنها حفزتني على الكتابة؛ لأن الحافز كان ينمو معي من الطفولة، أحياناً يخبو، وأخرى يتقافز أمامي... لكنني بصراحة تأثرت بها في بعض كتاباتي؛ لأنني عاشقة للطفولة كما الكاتبة ولا أزال، فقد زينت كتابي «نبضات أنثى» بأكثر من نص يحكي تجارب، ويصف مواقف من طفولتي.
كما ازداد تأثري بهذه الرواية، حين دفعتني لتركيز كتاباتي الإبداعية على، وعن المرأة - الأنثى بكل أحوالها، وتقلباتها وحالاتها، وصفاتها، ورغباتها وقناعاتها، وعلاقاتها الأسرية وغيرها، في الحياة، ولن أغفل هنا الاعتزاز بالمرأة بكل صورها؛ كون الرواية أيضاً تعزز شجاعة تلك الفتيات الأربع في زمن الحرب، وتتحدث عن طيبتهن، وكرمهن. فتجد أغلب مجموعاتي القصصية، ورواياتي تتمحور حول المرأة، بكل صورها، وحالاتها.
أما لاحقاً، فقد تأثرت برواية «العين الأشد زرقة»، للكاتبة الأميركية السمراء توني موريسون الحاصلة على جائزة نوبل. فقد عشت مع الرواية، بمشاعر وأحاسيس مختلفة، وأنا أقرأ بشهية، لكنها شهية حزينة موجعة... تلك هي قصة طفلة سوداء، بريئة، عاشت في زمن أوجاع التفرقة العنصرية، والطبقية، واحتقار الأنثى السوداء، فتعرضت للأذى والذل والإهانة، للونها الأسود، وملامحها غير الجميلة. وكانت العيون الزرقاء، في ذلك الزمن - الستينات من القرن العشرين - تعتبر علامة للجمال، الذي تتخيله تلك الطفلة السوداء؛ لذا كانت تتمنى من الرب، أن يمنحها هذه العيون المشتهاة.
وهكذا تمنيت أن أكتب رواية تحاكي تلك الرائعة التي شغفتني، وظل في داخلي شيء ما يذكرني بتلك الأمنية، وذاك التأثر، حتى جاءت قصة «زمن الوجع» التي كتبتها بلسان طفلة في الثامنة من عمرها... ولا أزال أطمح برواية تحاكي «العيون الأشد زرقة»!
لن أغفل هنا، أنني تأثرت بروايات، وقصص الفانتازي، والأساطير القديمة، وبخاصة أسطورة جلجامش، ورواية ماركيز «مائة عام من العزلة»، فصرت أميل، على السرد الواقعي التخيلي، أو إلى غير المألوف، حتى أستطيع التعبير عن الواقع، وعن أفكاري، بحرية أكبر... كما في روايتي «ليلة الجنون»... وقصة «أشياء غريبة تحدث».
- روائية وقاصة كويتية

> علي الماجد: تاج السر حفّزني لكتابة الرواية البوليسية
في صغري ألهمني محمود سالم في قصصه الرائعة «المغامرون الخمسة»، وكيف تحول مجموعة من الصبية إلى مجموعة تسعى لتحقيق العدالة والقبض على الأشرار. حين كبرت وقرأت مقالاً للكاتب أمير تاج السر، يقول فيه إن العرب لن يكتبوا رواية بوليسية، انفجرت لدي براكين الإبداع وكتبت خمس روايات بوليسية. ستيفن كنج كاتب روايات الرعب الأكثر شهرة بالعالم، قال في إحدى مقابلاته إن كل شيء يخيفه بالعالم! كتبه تحولت إلى أفلام ومسلسلات عالمية وأرعب الملايين، فإذا به يخاف من كل شيء!
الغريب أنه يختار أشياء لا تخيف بالواقع مثل كلب أو مهرج وحتى هاتف محمول، ثم ينسج حولها رواية تثير الهلع والجزع بالعالم أجمع. هنا نقطة مهمة لكل من يبحث عن الإلهام في دواخله، نقاط ضعفك قد تخرج لك عشرات الأفكار لتكتب.
- روائي سعودي

> حمد الحمد: السباعي والطيب صالح
من أول الكتب التي أعجبتني رواية «أرض النفاق» للكاتب يوسف السباعي. الذي أعجبني فيها سهولة الأسلوب ومرور الأحداث بسلاسة ومن دون غموض، كما أن للرواية رسالة جديرة بالاهتمام، لهذا فُتنت بها وقرأتها أكثر من مرة.
الرواية الثانية التي شدتني في بداية حياتي هي رواية «موسم الهجرة للشمال» للكاتب الطيب صالح، فقد أعجبني الأسلوب واللقطات اللطيفة فيها والحبكة التي لا تمل منها، وتقدم لك المجتمع السوداني بأسلوب واضح ومتمكن وواقعي.
كذلك شُغفتُ برواية «مدن الملح» للكاتب عبد الرحمن منيف؛ كونها تغوص في تاريخ الجزيرة العربية بملامح الإنسان في الصحراء والريف ومعاناة قساوة الحياة قبل النفط، لهذا أعجبني طول النفس للكاتب والإسقاطات الفكرية. وفتنت بالأدب الروسي المترجم لكونه يقدم لك المجتمع هناك تحت النظام الشيوعي وتكتشف مجتمعاً لا تعرفه، وأعجبتني رواية بعنوان «القارئ» لكاتب الألماني برنارد شلينك، وهي مترجمة للإنجليزية وتحكي تحولات الإنسان الأوروبي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وكذلك، لا أنسى الكاتب المصري إبراهيم أصلان وقصصه القصيرة المعبرة التي كتبت بأسلوب سلس وواضح، وأعجبني الكاتب التركي عزيز ينسن من خلال قصصه القصيرة الساخرة التي تعتبر مدرسة لكل كاتب مبتدئ.
كانت تلك الأعمال هي مدرستي وغيرها مما لا أتذكر تفاصيلها اليوم، لكن تلك الأعمال العظيمة شكلت موهبتي وأثرت في مسار حياتي الكتابية.
- روائي كويتي


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت
TT

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

قبل عشرين عاماً، خاض محرر في دار «بلومزبري للنشر» مخاطرة كبيرة إزاء كتاب غير عادي للغاية. فهي رواية خيالية أولى لسوزانا كلارك، تدور أحداثها في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعين يحاولان إحياء فنون السحر الإنجليزي المفقود. كانت المخطوطة غير المكتملة مليئة بالهوامش المعقدة التي تشبه في بعض الحالات أطروحةً أكاديميةً حول تاريخ ونظرية السحر. وكانت مؤلفة الكتاب سوزانا كلارك محررة كتب طهي وتكتب الروايات الخيالية في وقت فراغها.

أطلقت «جوناتان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلارك واحدةً من أعظم كُتاب الروايات في جيلها. ووضعها النقاد في مصاف موازٍ لكل من سي. إس. لويس وجيه. أر. أر. تولكين، وقارن البعض ذكاءها الماكر وملاحظاتها الاجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن. التهم القراء الرواية التي بِيع منها أكثر من أربعة ملايين نسخة.

تقول ألكساندرا برينغل، المحررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت بطباعة أولى بلغت 250 ألف نسخة: «لم أقرأ شيئاً مثل رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عالماً منفصلاً عن عالمنا ولكنه متجذر فيه تماماً كانت مقنعة تماماً ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتين».

أعادت الرواية تشكيل مشاهد طمست الحدود مع الخيال، مما جعلها في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» وفازت بـ«جائزة هوغو»، وهي جائزة رئيسية للخيال العلمي والفانتازيا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جولات لها عبر الولايات المتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بلومزبري» لاحقاً عقداً ضخماً لرواية ثانية.

ثم اختفت كلارك فجأة كما ظهرت. بعد فترة قصيرة من إصدار الرواية، كانت كلارك وزوجها يتناولان العشاء مع أصدقاء بالقرب من منزلهما في ديربيشاير بإنجلترا. وفي منتصف الأمسية، شعرت كلارك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت.

في السنوات التالية، كافحت كلارك لكي تكتب. كانت الأعراض التي تعاني منها؛ الصداع النصفي، والإرهاق، والحساسية للضوء، والضبابية، قد جعلت العمل لفترات طويلة مستحيلاً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبداً؛ في بعض الأحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حالاتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في الاكتئاب.

توقفت كلارك عن اعتبار نفسها كاتبة.

نقول: «تم تشخيص إصابتي لاحقاً بمتلازمة التعب المزمن. وصار عدم تصديقي أنني لا أستطيع الكتابة بعد الآن مشكلة حقيقية. لم أعتقد أن ذلك ممكن. لقد تصورت نفسي امرأة مريضة فحسب».

الآن، بعد عقدين من ظهورها الأول، تعود كلارك إلى العالم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها الأخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات والأشجار وتختفي في الغابة. تمتد الرواية إلى 60 صفحة مصورة فقط، وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص للأطفال. لكنها أيضاً لمحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلارك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل».

القصة التي ترويها كلارك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحداثها في نيوكاسل المعاصرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلارك بأنه «جزء من عقلي الباطن». كانت مترددة في قول المزيد عن الرواية التي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «لا أعرف ما إذا كنت سوف أتمكن من الوفاء بكل هذه الوعود الضمنية. أكبر شيء أكابده الآن هو مقدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم».

تكتب كلارك على طريقة «الغراب» الذي يجمع الأشياء اللامعة. وتصل الصور والمشاهد من دون سابق إنذار. تدون كلارك الشذرات المتناثرة، ثم تجمعها سوياً في سردية، أو عدة سرديات. يقول كولين غرينلاند، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلارك: «إنها دائماً ما تكتب عشرات الكتب في رأسها».

غالباً ما يشعر القارئ عند قراءة رواياتها وكأنه يرى جزءاً صغيراً من عالم أكبر بكثير. حتى كلارك نفسها غير متأكدة أحياناً من القصص التي كتبتها والتي لا توجد فقط إلا في خيالها.

تقول بصوت تعلوه علامات الحيرة: «لا أتذكر ما وضعته في رواية (سترينج ونوريل) وما لم أضعه أحب القصص التي تبدو وكأنها خلفية لقصة أخرى، وكأن هناك قصة مختلفة وراء هذه القصة، ونحن نرى مجرد لمحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) كخلفية لقصة أخرى، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أعرف بالضبط ما هي تلك القصة الأخرى».

في الحوار معها، كانت كلارك، التي تبلغ من العمر 64 عاماً ولديها شعر أبيض لامع قصير، تجلس في غرفة المعيشة في كوخها الحجري الدافئ، حيث عاشت هي والسيد غرينلاند منذ ما يقرب من 20 عاماً.

ويقع منزلهما على الامتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت في دربيشاير، على بعد خطوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من حانة القرية التي يزورونها أحياناً. ويساعد هدوء الريف - حيث لا يكسر الصمت في يوم خريفي سوى زقزقة الطيور وثغاء الأغنام بين الحين والآخر - كلارك على توجيه أي طاقة تستطيع حشدها للكتابة.

في يوم رمادي رطب قليلاً في سبتمبر (أيلول)، كانت كلارك تشعر بأنها على ما يرام إلى حد ما، وكانت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ المكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيراً محشواً، مع ثعلب محشو يجاورها؛ ويلعب كل كائن من هذه المخلوقات دوراً في رواية «الغابة في منتصف الشتاء». تحب أن تمسك حيواناتها المحشوة أثناء العمل، لمساعدتها على التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما لا أعرف ما هو. يفعل بعض الناس أشياء كالأطفال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن الأشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك».

نظرت إلى الخنزير وأضافت: «لا أرى حقاً جدوى في التقدم بالعمر».

ثم استطردت: «أكبر شيء يقلقني هو كم من الطاقة سأحتاج للكتابة اليوم؟».

وُلدت سوزانا كلارك في نوتنغهام عام 1959، وكانت طفولتها غير مستقرة، إذ كان والدها، وهو قس مسيحي، يغير الكنائس كل بضع سنوات، وانتقلت عائلتها ما بين شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كان إظهار العواطف غير مرغوب فيه؛ ولذلك نشأت كلارك، الكبرى من بين ثلاثة أبناء، على الاعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من المفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنساناً مميزاً»، كما تقول.

*خدمة: «نيويورك تايمز»