قد يصعب تصوّر المراحل الطويلة والدقيقة التي تمر بها العروسة أو الدُمية حتى تتشكل بملامحها التفصيلية، وطلتها الجذابة، ناسجة من حولها عالماً من البهجة بمجرد تحريكها.
ويركز صناع العرائس في أعمالهم على استلهام التراث والفلكلور المصري والعربي طوال الوقت، لتلقى أعمالهم قبولاً وحضوراً عند الجمهور، ويعد تصميم شكل العروسة أصعب ما يواجه صانعي العرائس إذ يبحثون دائماً عن الأفكار المبتكرة وغير المكررة.
ورغم مضي نحو 7 سنوات على خروج أول عرائسها للنور، فإن مُصممة ومُحركة العرائس المصرية سارة البطراوي ما زالت تمر بصعوبات كل مرحلة لصناعة عروسة جديدة تقوم بتصميمها.
حملت العروسة الأولى التي قامت بتصميمها عام 2012 اسم «كان يا ما كان» وهي عروسة تمثل رجلاً صنعت له جسداً على هيئة كتاب، وكأن صاحبها يتغذى على الحكايات، ويجمع الحكايات من كل مكان يذهب إليه، واستلهمت اسم هذه الدمية من ورشة للحكي التحقت بها في هذا الوقت.
تروي الفنانة المصرية سارة البطراوي لـ«الشرق الأوسط» أنها تخرجت في كلية التربية الفنية، ودرست بها أصول النحت، ولكن لأنه لا توجد كلية أو قسم متخصص لدراسة تصميم الدُمى، فقد سعت منذ تخرجها لتطويع دراستها للفن والنحت في تصميم العرائس، وكذلك من خلال التعلم الذاتي، لتستطيع التمكن من تصميم العرائس وتحريكها أيضاً، حتى صار هو مجال شغفها الفني الكبير الذي تفرغت له حالياً، وصار لها صفحة خاصة تعرض عليها أعمالها على موقع «فيسبوك» اسمها «باطرو بابيتس» أو «عرائس باطرو».
تقول البطراوي: «أصعب ما يواجهني في بداية تصميم أي عروسة، هو أن تكون مبتكرة، حتى لا أكرر شيئاً قدمته من قبل، وكذلك أبحث دائماً عن أن تكون للعروسة كاريزما وحضور، وذلك يكون غالباً من خلال تحديد ملامح معينة أو مبالغتها، كما أن هناك تحديد لشخصية العروسة، سواء كانت كاريكاتيرية أو شبيهة لشخص معين، وكذلك حركتها، فمثلاً إذا كان المطلوب تصميم عروسة تعزف الموسيقى، فذلك يعتمد على تشكيل حركتها إلى جانب ملامح وجهها، وأخيراً المرحلة النهائية التي يتم فيها التحقق من دقة التنفيذ، والألوان، وتناسب مقاسات الوجه مع الجسد، والكتلة والفراغ، حتى لا تواجه مشكلة لاحقة عند تحريكها أو جلوسها».
تستخدم سارة خامات مختلفة لصناعة عرائسها، ما بين عجينة الورق، والطين الأسواني، مروراً بعملية العجن والسنفرة وإثقال السطح، وهي مراحل قد لا يتصوّر جمهور العرائس ومقتنيها أن صانعيها يمرون بها قبل أن تتحرك العروسة وتنشر بهجتها.
تعدد سارة البطراوي أنواع العرائس، ما بين العرائس المصنوعة من إعادة التدوير، وعرائس خيال الظل، والمابت، وعرائس الماريونت، تلك الأخيرة التي تسعى لأن تسترد مكانتها من خلال عروض المسرح، وتقول: «الجهود الفردية هي التي تقف وراء محاولة إحياء عروض العرائس، وجميعها فرق مستقلة، وللأسف فإن معظم جهود الدولة وقطاعات الإنتاج تتوجه للدراما والتلفزيون والسينما وغيرها من الفنون، في حين أن المسرح يظل بعيداً، وتحديداً مسرح العرائس».
إلى جانب الورش والفعاليات الفنية، طرحت سارة البطراوي تجارب لنقل عالم العرائس على السوشيال ميديا، مثال لذلك فيديوهات «وساويس شو» في شهر رمضان الكريم، التي حاولت بها معالجة فكرة التصدي لوسوسة الشيطان، من خلال قصة تجمع بين عروستين إحداهما تمثل الخير والأخرى تمثل الشر، وتوضح: «مع ظهور مشكلات عروض العرائس، نحاول دائماً أنا وغيري من مصممي ومحركي العرائس إيجاد حلول، وكانت منصات السوشيال ميديا هي الحل، وأشهر مثال لذلك كانت شخصية (أبلة فاهيتا) التي بدأت من خلال فيديوهات، ثم تطور الأمر مع تعلق الجمهور بها ليصبح لها برنامج تلفزيوني شهير».
ولعل من العروض التي حازت على شغف الجمهور في السنوات الأخيرة، العرض المسرحي «أم كلثوم تعود من جديد» وهو عرض للعرائس يستلهم الحفل الشهير الذي كانت تواظب كوكب الشرق على إحيائه يوم الخميس من أول كل شهر، تماثل العرائس أم كلثوم وفرقتها وتصاحبها أغنياتها، في عرض يجمع بين الحنين والبسمة، تستضيفه «ساقية الصاوي» بمصر.
كان فنان العرائس المصري محمد فوزي بكار، أحد المشاركين في هذا العرض منذ بدايته، وصار المُحرك الرئيسي لمسرح عرائس ساقية الصاوي، والتقط من خلال لقائه بجمهور العرائس مدى شغفهم بالاقتراب من عالم العرائس، فأسس ورشة اسمها «ورشة ماريونت»، التي يتحدث عنها لـ«الشرق الأوسط» ويقول: «الورشة هدفها التعليم والتدريب والتعاون مع كل المؤسسات التعليمية والثقافية، وكذلك إنتاج وتقديم العروض المسرحية العرائسية، علاوة على تصميم وتصنيع العرائس المتحركة والثابتة بأنواعها سواء للأفراد أو للمؤسسات، ولا شرط لدينا لوجود خلفية دراسية فنية لتعليم صناعة العرائس، فقط أن يكون المتعلم لديه شغف حقيقي لتعلم هذه الصناعة».
يعتبر بكار أن التراث الشعبي دائماً هو منهل غني لتصميم العرائس، ويقول إنه يستعين بالتراث المصري، وكذلك التراث العربي كما قدم في تصميمات عرائس مثل «صالحة» و«المبقم» وهي مستلهمة من التراث الإماراتي، كما سبق وقدم شخصيات مستوحاة من التراث الغنائي كما شارك في تقديم عرائس تصور أم كلثوم وكذلك عبد الحليم حافظ وفرقة «البيتلز».
ويعتقد بكار أن الاهتمام الكبير الذي يلمسه لتعلم تصنيع العرائس، من جمهور من مختلف الأعمار والخلفيات، يؤكد أن فن العرائس يشق طريقه للنهضة من جديد، ويؤكد أنها قادرة على إحياء الفنون المرتبطة بها من مسرح وعروض أوبريت بشرط أن «تتوفر كل العناصر والمُعطيات التي تساعد في إنتاج عروض عرائسية»، على حد تعبيره.
صانعو عرائس مصريون يستلهمون التراث في أعمالهم
منتجاتهم الفنية تبهر الجمهور على المسرح
صانعو عرائس مصريون يستلهمون التراث في أعمالهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة