موسكو تعلن تعرض «حميميم» لقصف... ودمشق تتراجع عن هدنة إدلب

بعد أيام على إعلان وقف نار مشروط في شمال غربي سوريا

نارحون يتفقدون منزلهم في ريف ادلب بعد تعرضه للقصف امس ( أ ف ب)
نارحون يتفقدون منزلهم في ريف ادلب بعد تعرضه للقصف امس ( أ ف ب)
TT

موسكو تعلن تعرض «حميميم» لقصف... ودمشق تتراجع عن هدنة إدلب

نارحون يتفقدون منزلهم في ريف ادلب بعد تعرضه للقصف امس ( أ ف ب)
نارحون يتفقدون منزلهم في ريف ادلب بعد تعرضه للقصف امس ( أ ف ب)

استأنفت قوات النظام السوري قصف شمال غربي البلاد فور إعلان وقف العمل باتفاق هدنة دخل الاثنين يومه الرابع، متهمة الفصائل المقاتلة باستهداف قاعدة جوية تتخذها روسيا مقراً لقواتها. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن «متشددين سوريين قصفوا قاعدة حميميم الجوية في سوريا»، الأمر الذي نفاه معارضون.
وأعلنت دمشق الخميس موافقتها على هدنة في إدلب، بعد أكثر من 3 أشهر من التصعيد الذي دفع بأكثر من 400 ألف شخص إلى الفرار. واشترطت لاستمرارها تطبيق اتفاق روسي - تركي ينصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح في منطقة إدلب، التي تؤوي ثلاثة ملايين شخص، وتمسك هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بزمام الأمور فيها عسكرياً وإدارياً.
واتهمت قيادة الجيش السوري في بيان نشره الإعلام الرسمي «المجموعات الإرهابية المسلحة، المدعومة من تركيا» بأنها «رفضت الالتزام بوقف إطلاق النار وقامت بشن الكثير من الهجمات على المدنيين في المناطق الآمنة المحيطة».
وأضافت: «انطلاقاً من كون الموافقة على وقف إطلاق النار كانت مشروطة بتنفيذ أنقرة لأي التزام من التزاماتها بموجب اتفاق سوتشي، وعدم تحقق ذلك (...) فإن الجيش والقوات المسلحة ستستأنف عملياتها القتالية ضد التنظيمات الإرهابية، بمختلف مسمياتها».
وبعد وقت قصير من بيان قيادة الجيش، اتهمت دمشق الفصائل باستهداف قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية (غرب) المجاورة لإدلب، ما أسفر عن سقوط قتلى لم تحدد عددهم وما إذا كانوا مدنيين أم عسكريين.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن مصدر عسكري «قامت المجموعات الإرهابية باستهداف قاعدة حميميم الجوية بمجموعة من القذائف الصاروخية سقطت في محيط القاعدة ونجم عنها خسائر بشرية ومادية كبيرة»، مشيرة إلى أن الاعتداء وقع عند «الساعة الثالثة والنصف» بالتوقيت المحلي (12:30 ت غ).
وبعد وقت قصير، بدأت الطائرات الحربية والمروحية شنّ أولى غاراتها في جنوب إدلب، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن أولى الغارات استهدفت مدينة خان شيخون، التي نالت الحصة الأكبر من القصف منذ بدء قوات النظام تصعيدها في المنطقة.
ومنذ نهاية أبريل (نيسان)، تعرضت محافظة إدلب ومناطق مجاورة لقصف شبه يومي من طائرات سوريا وأخرى روسية، لم يستثن المستشفيات والمدارس والأسواق. كما دارت اشتباكات عنيفة تركزت في ريف حماة الشمالي بين قوات النظام من جهة وهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى من جهة ثانية.
وبعد أشهر من القصف والمعارك، دخلت عند منتصف ليل الخميس - الجمعة هدنة حيز التنفيذ، ونجحت في إرساء هدوء نسبي مع غياب الطائرات السورية والروسية عن أجواء المنطقة. إلا أنها لم تحل دون استمرار القصف البري المتبادل، الذي أدى إلى مقتل مدني بنيران الفصائل الجمعة، ومدنية بنيران قوات النظام الأحد.
وتبادل الطرفان الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار الذي أتى قبل أيام فقط من احتفال المسلمين بعيد الأضحى.
وسارع نازحون فروا من مدنهم وبلداتهم هرباً من القصف خلال اليومين الماضيين إلى العودة إلى منازلهم لتفقدها، ومنهم من وجدها قد أمست ركاماً.
ومنطقة إدلب مشمولة باتفاق توصلت إليه روسيا وتركيا في سوتشي في سبتمبر (أيلول) 2018، نصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومتراً تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل. كما يقضي بسحب الفصائل المعارضة لأسلحتها الثقيلة والمتوسطة وانسحاب المجموعات الجهادية من المنطقة المعنية.
لكنّ هذا الاتفاق لم يُستكمل تنفيذه، وتتهم دمشق تركيا الداعمة للفصائل المقاتلة بالتلكؤ في تطبيقه، وإن كان نجح في إرساء هدوء نسبي في المنطقة لأشهر عدة.
وتعليقاً على اشتراط دمشق لاستمرار الهدنة، انسحاب المجموعات وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط، أعلن القائد العام لهيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني السبت أن فصيله لن ينسحب من المنطقة المنزوعة السلاح.
وقال الجولاني خلال لقاء نظمته هيئة تحرير الشام مع صحافيين في منطقة إدلب: «ما لم يأخذه النظام عسكرياً وبالقوة لن يحصل عليه سلمياً بالمفاوضات والسياسة (...) نحن لن ننسحب من المنطقة أبداً». وأكد: «لن نتموضع لا على طلب الأصدقاء ولا الأعداء».
وشكّك محللون قبل أيام في جديّة الهدنة وقابليتها للاستمرار، مع تكرار دمشق عزمها استعادة جميع الأراضي الخارجة عن سيطرتها.
ومنذ نهاية أبريل، تسببت الغارات والقصف بمقتل أكثر من 790 مدنياً خلال ثلاثة أشهر. كما قتل أكثر من ألف مقاتل من الفصائل، مقابل أكثر من 900 عنصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وفق حصيلة للمرصد.
وأحصت الأمم المتحدة منذ نهاية أبريل، 39 هجوماً ضد منشآت صحية وطواقم طبية، كما تضررت 50 مدرسة على الأقل جراء القصف.
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبب منذ اندلاعه في 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص، وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية، وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.