إنهاء أعمال تطوير شارع قابل في «جدة التاريخية»

حملة لإزالة البنايات العشوائية والاستعانة بـ«معلمين بلديين» للترميم

جانب من سوق شارع قابل  -  صورة تخيلية للمشروع السياحي
جانب من سوق شارع قابل - صورة تخيلية للمشروع السياحي
TT

إنهاء أعمال تطوير شارع قابل في «جدة التاريخية»

جانب من سوق شارع قابل  -  صورة تخيلية للمشروع السياحي
جانب من سوق شارع قابل - صورة تخيلية للمشروع السياحي

أنهت أمانة جدة المرحلة الأولى لأعمال تطوير شارع قابل في منطقة جدة التاريخية، وذلك ضمن مشروع تطوير جدة التاريخية، الذي يهدف إلى المحافظة على هوية المدينة التاريخية.
وأكدت أمانة جدة، على لسان المتحدث الرسمي باسمها محمد بن عبيد البقمي، أنه بعد نجاح الجهود التي توجت بانضمام جدة التاريخية إلى لائحة التراث العالمي، باشرت الأمانة أعمال إزالة البنايات العشوائية القائمة في منطقة البلد، والتي كانت أحد أسباب تشويه المباني التاريخية وحدوث الحرائق.
وأوضح أن هذه الخطوة تأتي ضمن مشروع تطوير جدة التاريخية الذي يهدف إلى المحافظة على هوية جدة التاريخية، مبينا أن الأمانة انتهت من المرحلة الأولى لأعمال التطوير بشارع قابل.
يُشار إلى أن أمانة جدة أعلنت، في وقت سابق، عن أهمية التعاون على إزالة جميع التوصيلات العشوائية الحديدية منها والخرسانة، كما منحت الأمانة للملاك وأصحاب المحال أكثر من مهلة في شارع قابل، وسوق العلوي، وجدة التاريخية بشكل عام لتصحيح الوضع حسب التعليمات التي كان آخرها قبل 3 أسابيع.
وفي هذا الشأن، أوضح البقمي أن الإشعارات التي جرت في الفترة الماضية تتزامن مع ما يجري من مشاريع تطويرية بالمنطقة التاريخية من ترميم للمباني، وتدخل سريع في إزالة أخطار المباني الآيلة للسقوط، وتسريع إجراءات استخراج رخص الترميم للمباني، ورخص الديكور، وتشطيبات المحال والمراكز التجارية، بالإضافة إلى أعمال صيانة وترصيف للممرات بالحجر البازلتي والرقابة على النظافة بتوفير الدعم للعمالة، وتوفير الحاويات على طول الممرات والأسواق وإلزام المحال الكبيرة والفنادق بالحاويات الخاصة، ومراقبة المحال التجارية والاشتراطات الصحية للمطاعم، ومكافحة ظاهرة الباعة الجائلين.
وحسب المتحدث الرسمي باسم أمانة جدة، استعانت الأمانة بالكثير من الفنيين أصحاب الخبرات الطويلة «المعلمين البلديين» والعمال لإنجاز العمل وفق المطلوب، وذلك لخصوصية تاريخ المنطقة، وما تشكله من أهمية تاريخية، ورافد سياحي للمدينة.
وركز على أن هذا العمل وما يمثله من شكل جمالي للمدينة، جرى تصميمه بالطراز القديم نفسه، ليكون أحد مشروعات الأمانة المهمة التي ستجعل المنطقة أكثر جمالا وجاذبية لروادها ورافدا سياحيا للسعودية. وتأتي استعانة أمانة جدة بـ«المعلمين البلديين»، نتيجة الاهتمام بأن تكون المواد المستخدمة في أعمال الترميم مشابهة تماما للمواد المستخدمة في بدايات القرن الماضي، ومن ذلك الحجر المنقبي، والخشب الجاوي.
ومن جهته، أوضح الخبير في أعمال ترميم المباني التراثية، المهندس أحمد باناجه لـ«الشرق الأوسط»، أن الخلطة المستخدمة لترميم واجهات المباني مكونة من الإسمنت الأبيض و«النورة»، والتكليلة، مؤكدا وجود مختصين في استخراج الحجر المنقبي من البحر وتنظيفه من الأصداف البحرية وتقطيعه، وآخرين مختصين في البناء.. «وهؤلاء مقسمون بين معلمين للبناء وهم بمثابة المهندسين حاليا، وعمال».
وقال: «إن ما يجري حاليا لترميم المباني ولندرة وجود الحجر المنقبي المستخرج من البحر، يلجأ المعلمون في ترميم المباني التي سقط منها أجزاء أو حرق إلى إعادة إحياء الحجر المنقبي وتنظيفه واستخدامه مرة أخرى».
وأوضح المهندس أحمد باناجه الفرق بين البناء الحديث والقديم، واصفا البناء الحديث بأنه «يجري من خلال بناء الأعمدة، ومن ثم القواعد لحمل الأوزان، ثم بناء الجدران لعمل قواطع وفراغات المبنى، أما البناء القديم فكانت الجدران هي التي تحمل المبنى بالكامل؛ لأنها تبنى من الحجر المنقبي الصديق للبيئة التي يجري رفعها بعد وضع الأساس، ويجري وضع تكليلة خشبية، وهي عبارة عن ألواح خشبية تربط الجدران ببعضها البعض، وصيانة المبنى مستقبلا». ومن مميزات البناء القديم أن المواد المستخدمة في البناء صديقة للبيئة، ومستخرجة من الطبيعة، ولا تمتص الحرارة؛ مما يساعد في تقليل درجة الحرارة داخل المبنى بفرق 4 درجات مئوية عن المباني الحديثة المستخدم في بنائها المواد الخرسانية، بالإضافة إلى حسن التهوية، ومراعاة تصميم الرواشن (النوافذ) باتجاهات فتحاتها حسب اتجاه الرياح الشمالية الغربية المعروفة في جدة، والسماح بدخول هذه الرياح بتناغم داخل المبنى.
يُذكر أن أمانة جدة قد أشعرت المتاجر والمباني الواقعة على الممرات، سواء السياحية أو الأسواق أو الممرات بالمنطقة التاريخية بإزالة الأجزاء الحديدية البارزة والاستحداثات الخارجة عن المباني التي أدت إلى تضييق الأزقة الصغيرة والشوارع والأسواق.
وأصدرت الأمانة أيضا إنذارا بإزالة جميع ما يشوه المنظر العام، ويحجب رؤية التفاصيل المعمارية من رواشن، ونقوش، ومنحوتات أثرية، حيث جرى الانتهاء من إزالة التعديات بالمرحلة الأولى في شارع قابل، ويجري حاليا العمل في كامل جدة التاريخية بما فيها سوق الندى، سوق العلوي، وسوق الخاسكية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».