استثمارات الطاقة المتجددة الأكثر نمواً

استثمارات الطاقة المتجددة الأكثر نمواً
TT

استثمارات الطاقة المتجددة الأكثر نمواً

استثمارات الطاقة المتجددة الأكثر نمواً

خلص تقرير صدر مؤخراً عن شبكة سياسة الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرين (آر إي إن 21)، إلى أن الاستثمارات في التركيبات الجديدة لمشروعات الطاقة المتجددة تجاوزت قيمة ما يتم إنفاقه على التجهيزات الجديدة لتوليد الطاقة من مصادر الوقود التقليدية.
وكانت الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة المتجددة بلغت 288.9 مليار دولار في عام 2018، مما يجعله العام التاسع على التوالي الذي تتجاوز فيه الاستثمارات 200 مليار دولار. ولا يشمل هذا الرقم الطاقة الكهرومائية التي شهدت استثماراً إضافياً بقيمة 16 مليار دولار.
وفي المقابل؛ بلغت الاستثمارات في المولدات الجديدة التي تعمل على الفحم أو الغاز نحو 95 مليار دولار، أي ما يعادل ثلث الاستثمارات في الطاقة المتجددة خلال 2018. وهذا يشير إلى أن الاستثمار في الطاقة المتجددة هو استثمار في مستقبل مربح.
وحذّر التقرير، الذي حمل عنوان «الوضع العالمي لمصادر الطاقة المتجددة لعام 2019»، من الدور الذي يلعبه فقدان السياسات الرسمية في إضعاف تحفيز مساهمة قطاع الطاقة المتجددة في الحد من الانبعاثات الكربونية، وبلوغ الأهداف العالمية المتعلقة بالمناخ والتنمية.
ويؤكد التقرير أنه للسنة الرابعة على التوالي، يشهد العالم زيادة في قدرات الطاقة المتجددة المركبة، بما يفوق طاقة الوقود الأحفوري والطاقة النووية؛ حيث تمت إضافة 100 غيغاواط من طاقة الخلايا الكهروضوئية وحدها في 2018، وهو ما يكفي للوفاء بأكثر من ربع الطلب على الكهرباء في فرنسا.
وعلى الرغم من ضآلة التركيبات الجديدة للطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وأفريقيا، التي بلغت 2.6 غيغاواط، فإن هذه الإضافة تعتبر تقدماً ملحوظاً إذا ما قورنت بالتركيبات السابقة؛ حيث بلغ مجموع الاستطاعة المتجددة المتاحة في نهاية 2018 نحو 6.7 غيغاواط. ويستفيد كثير من الدول في هذه المنطقة من انخفاض أسعار الخلايا الكهروضوئية لتنويع اقتصادها؛ بحيث لا يبقى معتمداً بالكامل على الوقود الأحفوري.
وتشير الأرقام الواردة في التقرير إلى انخفاض الاستثمار في الطاقة المتجددة، بنسبة 11 في المائة، مقارنة بالعام السابق. ويمكن أن يعزى هذا الانخفاض جزئياً إلى انخفاض تكاليف تكنولوجيا الخلايا الكهروضوئية، ما يعني إمكانية تأمين القدرة المطلوبة بتكلفة أقل. كما يرتبط هذا الانخفاض بحصول بطء في نشر الطاقة الشمسية في الصين.
واستحوذت الطاقة الشمسية على حصة الأسد في الاستثمار العالمي، بمبلغ وصل إلى 139.7 مليار دولار في 2018، بانخفاض 22 في المائة. فيما زاد الاستثمار في طاقة الرياح بنسبة 2 في المائة في 2018، ليصل إلى 134.1 مليار دولار. وتراجعت القطاعات الأخرى كثيراً، على الرغم من أن الاستثمار في الكتلة الحيوية وتحويل النفايات إلى طاقة ارتفع بنسبة 54 في المائة، ليصل إلى 8.7 مليار دولار.
ويُظهر تحليل التوزيع الجغرافي لمبلغ 288.9 مليار دولار، الذي يمثل إجمالي استثمارات الطاقة المتجددة في 2018، أن الصين قادت الاستثمار في جميع أنحاء العالم للعام السابع على التوالي، بمبلغ وصل إلى 91.2 مليار دولار. ومع ذلك، فقد انخفض هذا الاستثمار بنسبة 37 في المائة عن الرقم القياسي الذي سجل في عام 2017، نتيجة عدة عوامل، بما فيها التغيير في سياسة التعرفة الجمركية الصينية، التي أثّرت على الاستثمار في الطاقة الشمسية.
وفي مجال الدعم الموجّه للوقود الأحفوري، أشار التقرير إلى تبني أربعين دولة بعض الإصلاحات في آلية الدعم منذ عام 2015. بينما استمرت نظم الدعم في 112 دولة في 2017، مع قيام 73 دولة على الأقل بتقديم دعم وصل إلى 100 مليون دولار سنوياً من قبل كل منها على حدة. ويقدّر مجموع الدعم المقدم على الصعيد العالمي لاستهلاك الوقود الأحفوري بنحو 300 مليار دولار في 2017 بزيادة قدرها 11 في المائة عن 2016.
ويوضح التقرير عدداً من النقاط المهمة، منها أن أكثر من 90 دولة لديها تجهيزات ومنشآت تولّد الكهرباء من الطاقات المتجددة، بما يزيد عن 1 غيغاواط، بينما تملك 30 دولة القدرة منفردة على توليد كهرباء من المصادر المتجددة باستطاعة تتجاوز 10 غيغاواط. وهناك 9 دول على الأقل تولّد أكثر من 20 في المائة من الكهرباء بالاعتماد على الخلايا الكهروضوئية وتوربينات الرياح، وهي الدنمارك والأوروغواي وآيرلندا وألمانيا والبرتغال وإسبانيا واليونان والمملكة المتحدة وهندوراس.
وتنفّذ بعض الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل مصر والمغرب والسعودية وعمان وتونس، برامج لتركيب الخلايا الكهروضوئية على أسطح المنازل والمنشآت الرسمية، وذلك للمساهمة في خفض تكاليف الطاقة وضمان إمداد موثوق للكهرباء في المناطق التي تعاني من عدم كفاية الطاقة خلال ساعات الذروة.
ويتزايد تأثير المدن كمحرك قوي في هذا المجال، مع تبنّيها بعض الأهداف الطموحة لنشر الطاقات المتجددة على المستوى العالمي. وفي حالات عدة، تجاوزت مبادرات بعض المدن ما يتم على المستوى الوطني ومستوى الولاية أو المقاطعة. وتعتمد أكثر 100 مدينة حول العالم على الطاقة المتجددة في توليد 70 في المائة من حاجتها للكهرباء. كذلك تتبنى 50 مدينة على الأقل أهدافاً خاصة بالطاقات المتجددة.
ويمكن للدول دعم التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة في قطاعات التدفئة والتبريد والنقل. فالطاقات المتجددة، التي تمد العالم بنحو 26 في المائة من حاجته إلى الكهرباء، توفر فقط 10 في المائة من الطاقة المستخدمة في التدفئة والتبريد، و3 في المائة من الطاقة المستخدمة في قطاع النقل. ويُعزى هذا الخلل بدرجة كبيرة إلى عدم كفاية الدعم السياسي وعدم استقراره، حيث تناقص عدد الدول التي تتبنى سياسات بشأن استخدام الطاقة المتجددة في عمليات التدفئة.
وعلى الرغم من عدم كفاية الدعم، يجري تنفيذ بعض المبادرات المهمة في قطاعات النقل والتدفئة والتبريد. ويؤدي استخدام الوقود الحيوي المستدام، والمركبات الكهربائية، واتباع سياسات الاقتصاد في استهلاك الطاقة، إلى التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري في قطاع النقل.
وتبرز بعض السياسات الطموحة، التي تشجع استخدام الطاقة المتجددة في قطاعات النقل، كما في حالة التشريع البرازيلي الذي يفرض مزج «الإيثانول» بالبنزين، وبرنامج كاليفورنيا الخاص بمعايير الوقود ذي المحتوى الكربوني المنخفض. فيما يظل تسعير الكربون غير مستغل فعلياً، حيث يغطي حالياً نحو 13 في المائة فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي.
لكن التوجه الإيجابي في قطاع الطاقة المتجددة الذي أظهره التقرير لا يبدو كافياً لتحقيق الأهداف البيئية والتنموية العالمية، حيث يمكن للدول إنجاز تقدم أكبر إذا ما خفضت الدعم المالي الذي تضعه في مصادر الطاقة غير النظيفة، وتبنّت سياسات طموحة توفر الظروف المواتية التي تسمح بالمنافسة العادلة بين المصادر المتجددة والوقود الأحفوري المكلف والمنتج للكربون.


مقالات ذات صلة

اتصالات مصرية تدعم استئناف الحوار في الملف النووي الإيراني

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال التوقيع على «اتفاق القاهرة» في سبتمبر الماضي (الخارجية المصرية)

اتصالات مصرية تدعم استئناف الحوار في الملف النووي الإيراني

تواصل مصر اتصالاتها لخفض التصعيد وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ودعم استئناف الحوار في الملف النووي الإيراني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية مفاعل بوشهر النووي الإيراني (رويترز) play-circle

إيران: مفتشون من «الوكالة الذرية» زاروا مواقع نووية الأسبوع الماضي

نقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية القول، الاثنين، إن مفتشين من وكالة الطاقة الذرية زاروا مواقع نووية إيرانية، الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية غروسي خلال مقابلة صحافية في نيويورك (أ.ب)

غروسي يحث طهران على تجنب «المواجهة» مع الغرب

حث المدير العام لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرّية»، رافاييل غروسي، إيران على التعاون مع المفتّشين بصورة جدّية لتجنب حافة المواجهة مع الغرب.

شؤون إقليمية محطة «بوشهر» الإيرانية للطاقة النووية (أ.ب)

«وكالة الطاقة الذرية»: على إيران تحسين التعاون بشكل جدي

قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي إن على إيران أن «تحسن بشكل جدي» تعاونها مع مفتشي الأمم المتحدة لتجنب زيادة التوتر مع الغرب.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية أرشيفية لوزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف خلال حضوره تأبيناً لدبلوماسيين إيرانيين عام 2017 (تسنيم)

سجال ظريف – لافروف إلى كرة ثلج داخل إيران

اتسع الجدل العلني بين وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن بند «سناب باك» في الاتفاق النووي عام 2015.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دراسة: نفوق أفيال البحر جنوب المحيط الأطلسي بسبب إنفلونزا الطيور

أفيال البحر على جزيرة في جنوب المحيط الهندي (أ.ف.ب)
أفيال البحر على جزيرة في جنوب المحيط الهندي (أ.ف.ب)
TT

دراسة: نفوق أفيال البحر جنوب المحيط الأطلسي بسبب إنفلونزا الطيور

أفيال البحر على جزيرة في جنوب المحيط الهندي (أ.ف.ب)
أفيال البحر على جزيرة في جنوب المحيط الهندي (أ.ف.ب)

نفقت الآلاف من أفيال البحر جنوب المحيط الأطلسي، متأثرة بوباء إنفلونزا الطيور الذي تفشى مؤخراً، حسب ما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

ووفقاً لدراسة، نشرتها الأسبوع الماضي دورية «كوميونيكيشنز بايولوجي»، قد يكون عدد الإناث البالغات من أفيال البحر في أرخبيل ساوث جورجيا تقلص إلى النصف بين عامي 2022 و2024.

ويقدّر مؤلفو الدراسة، ومن بينهم كونور بامفورد عالم الأحياء البحرية البريطاني، عن طريق استقراء جميع أفيال البحر في الأرخبيل، أن نحو 53 ألف أنثى سيكنّ في عداد المفقودات في موسم التزاوج المقبل.

وتقع ساوث جورجيا على بُعد نحو 2000 كيلومتر شرق الحافة الجنوبية للأرجنتين، وهي أحد الموائل المهمة لفيل البحر الجنوبي.


مؤسسات خيرية تخصص 300 مليون دولار لتمويل أبحاث الصحة المرتبطة بالمناخ

موجات الحرارة الممتدة من أخطر الظواهر المناخية التي تتفاقم حدتها بفعل التغير المناخي العالمي (رويترز)
موجات الحرارة الممتدة من أخطر الظواهر المناخية التي تتفاقم حدتها بفعل التغير المناخي العالمي (رويترز)
TT

مؤسسات خيرية تخصص 300 مليون دولار لتمويل أبحاث الصحة المرتبطة بالمناخ

موجات الحرارة الممتدة من أخطر الظواهر المناخية التي تتفاقم حدتها بفعل التغير المناخي العالمي (رويترز)
موجات الحرارة الممتدة من أخطر الظواهر المناخية التي تتفاقم حدتها بفعل التغير المناخي العالمي (رويترز)

خصصت مجموعةٌ من المؤسسات الخيرية 300 مليون دولار لتطوير حلول منقذة للحياة مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وذلك مع وفاة أكثر من نصف مليون شخص حول العالم لأسباب تتعلق بالحرارة سنوياً.

تهدف هذه الأموال، المعلنة هذا الأسبوع في محادثات «كوب 30» للمناخ في البرازيل، إلى تطوير البيانات ومعرفة أفضل الاستثمارات لمعالجة المخاطر المتزايدة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة الشديدة وتلوث الهواء والأمراض المعدية.

التغير المناخي تفاقم بسبب ظاهرة النينيو (أ.ب)

وقالت إستيل ويلي، مديرة السياسة الصحية والاتصالات في مؤسسة «روكفلر»، وهي إحدى الجهات الممولة: «نحن مؤسسة خيرية. لا يمكننا فقط الاستمرار في سد الثغرات وإنعاش نموذج محتضر للتنمية».

وأضافت: «لذا فإن ما نحاول القيام به هو أن نبدأ من خلال رأس مالنا الخيري باختبار حلول جديدة والتحقق من جدواها من خلال هذا العمل والتكاتف معاً».

في سياق منفصل، أطلقت البرازيل مبادرة بعنوان «خطة عمل بيليم الصحية» لتشجيع البلدان على رصد وتنسيق السياسة الصحية المتعلقة بالمناخ في مختلف الوزارات والإدارات.

وقالت ويلي في مقابلة مع «رويترز»: «التقدم في مجال الصحة آخذ في التراجع... حققنا إنجازات بشق الأنفس في مجال الصحة من خلال التكنولوجيا، من خلال المنظومة الصحية العالمية. لكن التغير المناخي يجعل كل مشكلة والصحة العالمية أسوأ في الوقت الحالي».

ويقدر تقرير نشرته مجلة «لانسيت» العلمية في أكتوبر (تشرين الأول) عدد الوفيات السنوية الناجمة عن أسباب مرتبطة بالحرارة المتفاقمة بسبب تغير المناخ بحوالي 550 ألف حالة وفاة سنوياً.

وأورد التقرير أن هناك 150 ألف حالة وفاة سنوية أخرى يمكن ربطها بتلوث الهواء، وغالباً ما يكون بسبب حرق الوقود الأحفوري وتفاقم حرائق الغابات أيضاً. وحذر من أن بعض الأمراض المعدية آخذة في الارتفاع.

وقدرت وكالات الأمم المتحدة في أغسطس (آب) أن حوالي نصف سكان العالم، أي أكثر من 3.3 مليار شخص، يعانون من ارتفاع درجات الحرارة.


كيف تتعامل الكائنات الحية مع السموم في الطبيعة؟

ثعابين (أ.ب)
ثعابين (أ.ب)
TT

كيف تتعامل الكائنات الحية مع السموم في الطبيعة؟

ثعابين (أ.ب)
ثعابين (أ.ب)

أجرى فريق من الباحثين في الولايات المتحدة تجربة فريدة من نوعها، حيث قاموا بتجويع عشرة أفاعٍ من فصيلة الثعابين الملكية Erythrolamprus reginae التي تعيش في غابات الأمازون في كولومبيا، على مدار أيام عدة، ثم وضعوها في صندوق زجاجي مع ثلاثة ضفادع سامة سهمية من فصيلة Ameerega trivittata.

ومن المعروف أن جلود هذه الضفادع تفرز مواد سامة مميتة تقضي على من يحاول أن يتغذى عليها. وفضلت ستة من الثعابين الابتعاد عن الضفادع السامة رغم جوعها، في حين بادرت أربعة ثعابين بمهاجمة الضفادع ثم جرها على الأرض، كما لو كانت تمسح السموم من فوق جلودها قبل التهامها.

ثعابين (أ.ب)

وتقول فاليري راميريز، الباحثة في مجال العلوم الحيوية بجامعة كاليفورنيا بيركلي الأميركية، إن التجربة أسفرت عن نجاة ثلاثة ثعابين من الوليمة المسمومة ونفوق ثعبان واحد؛ ما يعني أن أجسام الثعابين الثلاثة التي ظلت على قيد الحياة استطاعت التعامل مع المواد السامة التي تفرزها الضفادع وتحييد تأثيرها.

ويقول العلماء إن الكائنات الحية على اختلاف أنواعها تتعامل مع السموم في الطبيعة منذ مئات الملايين من السنين، فالميكروبات تستخدم أنواعاً من السموم لغزو أجسام العائل والتغلب على أنظمة المناعة لديها، وبعض النباتات تفرز مواد سامة لحماية نفسها من الحيوانات العشبية، وبعض الحيوانات والزواحف والحشرات تستخدم السموم لقتل فرائسها، أو لحماية نفسها من هجمات أعدائها الطبيعيين في البيئة التي تعيش فيها.

وكتبت الباحثة ريبيكا تارفين، من جامعة كاليفورنيا بيركلي، في الدورية العلمية Annual Review of Ecology, Evolution and Systematics لعام 2023، تقول إن العلماء يعملون على سبر أغوار السموم الطبيعية ووسائل مقاومتها لدى الأنواع الحية في محاولة لاكتشاف أفضل السبل لعلاج حالات تسمم البشر.

وتقول في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني Knowable Magazine المتخصص في الأبحاث العلمية، إن «بضع ملليغرامات من مركب واحد يمكن أن تغير جميع أشكال التفاعلات في النظام البيئي».

وتكتسب الأنواع الحية الخواص السامة بأساليب مختلفة، حيث يصنع بعضها السموم بشكل طبيعي داخل الجسم مثل الضفدع النقاز الذي يفرز جزيئات سامة تعرف باسم «الغليكوسيدات القلبية» والتي تعطل عمل بعض الوظائف الحيوية الأساسية داخل خلايا خصومها، في حين تأوي كائنات أخرى مثل السمكة الينفوخية Puffer Fish نوعاً من البكتريا يفرز مادة سامة تستهدف الجهاز العصبي تسمى «تيترودوكسين»، وتجعل تلك المادة لحوم هذه الأسماك غير صالحة للأكل. وتحصل أنواع عدّة من الكائنات على السموم من الأغذية التي تقتات عليها مثل بعض الضفادع التي تعتمد في غذائها على حشرات سامة، وتستطيع تطويع هذه السموم واستخدامها لصناعة مواد سامة خاصة بها لمحاربة خصومها وأعدائها في الطبيعة.

وفي الطبيعة، تتطور أجسام المخلوقات السامة على نحو يجعلها قادرة على مقاومة السموم نفسها التي تفرزها حتى لا تسمم نفسها، وكذلك تتطور الكائنات التي تتغذى على هذه المخلوقات السامة؛ فالحشرات التي تنمو وتتغذى على نبات الصقلاب أو حشيشة اللبن، وهو نبات غني بسموم الغليكوسيدات القلبية، تكونت لديها مناعة ضد هذا النوع من السموم.

ووجدت سوزانا دوبلر، الباحثة في مجال بيولوجيا الجزيئات بجامعة هامبورغ في ألمانيا، أن حشرة الصقلاب التي تتغذى على بذور هذا النبات السام تكونت لديها مقاومة ضد هذه المادة السامة عن طريق نوع من البروتينات الناقلة يحمل اسم «إيه بي سي بي»، حيث تغلف هذه البروتينات غشاء الخلايا في الأنسجة العصبية وتطرد المواد الضارة وغير المرغوب فيها خارج الخلية. وتبحث دوبلر بالاشتراك مع فريقها البحثي أيضاً فرضية أن البروتينات نفسها تغلف أغشية خلايا الأمعاء وتمنع امتصاص المواد السامة أو دخولها الجسم من البداية.

ثعابين (رويترز)

ووجد الباحثون أن فصيلة أخرى من الخنافس يطلق عليها اسم dogbane beetle قطعت شوطاً أطول في مقاومة المواد السامة في النباتات، حيث تقوم بتخزين هذه السموم في أجسامها وتفرزها على ظهرها كوسيلة للدفاع عن النفس عندما تستشعر الخطر.

أما بالنسبة للثعابين الملكية، فترى الباحثة ريبيكا تارفين أن السر في مقاومة السموم يكمن في أكبادها، حيث تفترض أن أكباد هذه الثعابين تفرز إنزيمات يمكنها تحويل السموم المميتة مواد غير ضارة، مثلما تتعامل أجسام البشر مع الكحوليات والنيكوتين على سبيل المثال. وتقول تارفين إن أكباد الثعابين تحتوي على أنواع من البروتينات التي تلتصق بالمادة السامة وتجعلها غير قابلة للالتحام مع الخلايا المستهدفة، بل وتقوم بمحوها مثلما تفعل قطعة «الإسفنج». وقد اكتشف علماء وجود هذه البروتينات «الإسفنج» داخل دماء بعض الضفادع السامة؛ ما يجعلها قادرة على مقاومة سموم مميتة مثل ساكسيتوكسين وألكالويد التي توجد في مصادر الغذاء الخاصة بها.

ويرى الباحثون أن بعض السناجب الأرضية في كاليفورنيا تستخدم الحيلة عينها للدفاع عن نفسها من سم الأفاعي الجرسية، حيث تحتوي دماء تلك السناجب على بروتينات تعطل مفعول هذه السموم، تماماً مثل البروتينات التي تستخدمها تلك الأفاعي نفسها لحماية ذاتها في حالة إذا ما تسربت السموم من الغدد السامة داخلها إلى أجسامها.

ويقول ماثيو هولدينغ، الباحث في مجال علوم الأحياء التطورية بجامعة ميشيغان الأميركية، إن السناجب الأرضية لديها مزيج من البروتينات في دمائها يتماشى مع السموم التي تفرزها الثعابين المحلية في المناطق التي تعيش فيها. وفي تصريحات لموقع Knowable Magazine، يقول هولدينغ إن تلك الدفاعات لا تكفل حصانة كاملة من السموم؛ لأن الثعابين - على حد قوله - تطور باستمرار أشكالاً جديدة من السموم تكون أكثر فاعلية للتغلب على فرائسها وخصومها، ويقول إن الأفعى الجرسية نفسها قد تموت إذا ما تم حقنها بكمية كافية من السم الذي تفرزه. ومن هذا المنطلق، فإن تجنب السموم هو حصن الدفاع الأول الذي تعتمد عليه المخلوقات بأنواعها للنجاة، وهو ما فعلته الثعابين الملكية قبل محاولة التهاب الضفادع السامة، وهو ما تفعله نفسه بعض السلاحف البحرية عندما تلتهم البطون والأجزاء الداخلية من أسماك السمندل وتترك ظهورها التي تحتوي على مواد سامة، بل إن يرقات بعض الحشرات التي لديها حصانة من سموم الغليكوسيدات في نبات الصقلاب تقوم باعتصار ساق النبات أولاً للتخلص من المواد السامة قبل التهامه.

ولعل الدرس المستفاد الذي اكتسبته الكائنات الحية بالغريزة كأول خطوة للنجاة عند التعامل مع السموم في بيئتها الطبيعية هو ألا تشرب السم.