جورجيفا... «عداءة موانع» في سباق صندوق النقد

تخطت «الانقسام الأوروبي» وتتأهب لقفز «حاجز السن»

البرتغالية كريستالينا جورجيفا مرشحة الاتحاد الأوروبي لرئاسة صندوق النقد الدولي (رويترز)
البرتغالية كريستالينا جورجيفا مرشحة الاتحاد الأوروبي لرئاسة صندوق النقد الدولي (رويترز)
TT

جورجيفا... «عداءة موانع» في سباق صندوق النقد

البرتغالية كريستالينا جورجيفا مرشحة الاتحاد الأوروبي لرئاسة صندوق النقد الدولي (رويترز)
البرتغالية كريستالينا جورجيفا مرشحة الاتحاد الأوروبي لرئاسة صندوق النقد الدولي (رويترز)

بعد «مفاوضات ماراثونية» وصفها مراقبون بـ«العنيفة»، اختار الاتحاد الأوروبي المديرة التنفيذية للبنك الدولي، البرتغالية كريستالينا جورجيفا، مرشحة موحدة له لرئاسة صندوق النقد الدولي.
وكعداءة موانع ماهرة، حصلت جورجيفا (65 عاما) على تأييد الدول الأوروبية، لتتخطى «المانع الأول» الذي تمثل في انقسام أوروبي لم يخف على أحد. لكن عليها حاليا مواجهة «المانع الثاني»، الخاص بسن المرشح لرئاسة الصندوق، وهو الأمر الذي قد يسفر عن خلافات حادة بدوره.
وحتى أول من أمس، كانت جورجيفا تتولى منصب المديرة التنفيذية للبنك الدولي، المؤسسة الشقيقة لصندوق النقد الدولي، منذ عام 2017... مما يجعلها ثاني أكبر مديرة في المنظمة التي تمول مشروعات لمحاربة الفقر في مختلف أنحاء العالم، وبحكم منصبها يقدم لها جميع رؤساء الإدارات التنفيذية التابعة للمنظمة تقاريرهم. لكن جورجيفا أعلنت أمس «تخليها مؤقتا» عن مسؤولياتها بالبنك الدولي، وقالت على «تويتر» إنها طلبت، بعد التشاور مع رئيس لجنة الأخلاقيات بالبنك الدولي «إجازة إدارية» أثناء فترة الترشح للصندوق.
وقبل ذلك، شغلت جورجيفا منصب نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، ومفوضة شؤون الموازنة والإدارة بين عامي 2014 و2016.
وترشيح جورجيفا لخلافة الفرنسية، كريستيان لاغارد في منصب رئيسة صندوق النقد، يعد المرة الثالثة التي يتم ترشيحها فيها لشغل منصب بارز على المستوى الدولي. ففي عام 2016، كانت مرشحة لتولي منصب الأمين العام للأمم المتحدة، لكنها خسرت أمام البرتغالي، أنطونيو غوتيريش. وفي وقت سابق من هذا العام، كانت مرشحة أيضا لتكون رئيسة محتملة للمفوضية الأوروبية، لكن في النهاية ذهب المنصب للألمانية، أورزولا فون دير لاين.
ووجود الاتحاد الأوروبي خلفها، يعني أنها ستكون الأوفر حظا للفوز بمنصب بارز للمرة الثالثة، حيث إن منصب رئيس صندوق النقد، دائما، طبقا للتقاليد، يتولاه أوروبي. لكن المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها سيتعين عليها تغيير قواعدها في حال المضي قدما في شغل جورجيفا المنصب الجديد، حيث إنه بموجب قواعد الصندوق الحالية، فإن المدير المقبل للصندوق لا ينبغي أن يتجاوز عمره 65 عاما، بينما ستكمل جورجيفا عامها السادس والستين في 13 أغسطس (آب) الحالي.
وطبقا لسيرتها الذاتية الرسمية على الموقع الإلكتروني للبنك الدولي، فإن جورجيفا «اكتسبت سمعتها الواسعة كمدافعة عن المساواة بين الجنسين، واهتمامها بالقضايا الإنسانية، ودورها البارز في الحرب العالمية ضد (تغير المناخ) في عام 2014»، وطبقا للبنك الدولي، فقد أصدرت جورجيفا أكثر من مائة مطبوع حول قضايا السياسة البيئية والاقتصادية باسمها.
ويقبل صندوق النقد الترشيحات حتى السادس من سبتمبر (أيلول)، ويهدف لاختيار مرشح بحلول الرابع من أكتوبر (تشرين الأول).
واختارت حكومات الاتحاد الأوروبي جورجيفا لتكون مرشح التكتل لقيادة صندوق النقد الدولي بعد محادثات استمرت 12 ساعة يوم الجمعة. وحصلت جورجيفا على مساندة من غالبية دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين، منزلة هزيمة بالمرشح الهولندي يروين ديسلبلوم بعد جولتين من التصويت ومفاوضات مطولة بين دول الاتحاد.
وقال ماريو سينتينو، الذي يرأس مجلس وزراء مالية مجموعة اليورو: «تهانينا لجورجيفا على اختيارها مرشحة أوروبية لرئاسة صندوق النقد. في مواجهه تزايد التوترات العالمية، فإن من الضروري دعم صندوق النقد الدولي كرمز للتعددية».
وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير إن «المديرة التنفيذية للبنك الدولي كريستالينا جورجيفا هي مرشحة الاتحاد الأوروبي لرئاسة صندوق النقد الدولي». وستكون البلغارية المحافظة والمفوضة الأوروبية السابقة لشؤون الموازنة هي الشخصية المفضلة بشكل كبير للفوز بالمنصب الذي يشغله تقليديا مواطن أوروبي.
وفي مطلع يونيو (حزيران) الماضي، تخلت مديرة الصندوق آنذاك كريستين لاغارد عن منصبها من أجل أن تصبح الرئيس التالي للبنك المركزي الأوروبي خلفا لماريو دراغي، بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي جرت في مايو (أيار) الماضي.
وتوصف البلغاريّة جورجيفا بأنّها متخصصة بمجالات متعددة، وكان اسمها حاضراً دوماً لتولي أرفع الوظائف الدولية. وتمتلك تجربة متينة في شؤون المالية الدولية. وهي تستفيد أيضاً من كونها امرأة تنتمي لإحدى دول أوروبا الشرقية.
أنجزت جورجيفا الجزء الأكبر من مسيرتها في البنك الدولي قبل أن تتولى الرئاسة التنفيذية عام 2017. واكتسبت خبرات في مجال البيئة من خلال تعدد المهمات التي أدتها في ملفات التنمية المستدامة ومسائل الزراعة بالأخص. كما احتلت هذه الاقتصادية منصب المفوضة الأوروبية للمساعدات الإنسانية بين 2010 و2014 حين اضطرت لأن تحل فجأة مكان المرشحة البلغارية الأساسية.
وبين 2015 و2016، كلّفت جورجيفا أن تكون نائب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر لشؤون الموازنة والموارد البشرية. واكتسبت خلال تلك الفترة سمعة المسؤولة الرفيعة النشطة والمثابرة. ويقول دبلوماسي أوروبي إنها «تعلم كيف تتحلى بشخصية قوية إذا كانت تدافع عن ملف يعنيها». وكان اسمها مطروحاً لخلافة دونالد توسك على رأس المجلس الأوروبي، غير أنّ هذا المنصب ذهب في نهاية المطاف في بداية يوليو (تموز) إلى البلجيكي شارل ميشال.
وتوصف هذه المرأة الجذابة ذات الشعر القصير بفتاة صغيرة «لا تخرج رأسها من كتبها». كان والدها إيفان يعمل في شق الطرقات في بلغاريا الشيوعية حيث ولدت في 13 أغسطس 1953 في عام وفاة ستالين.
وفي زمن الدراسة، أصبحت هذه الفتاة الهادئة «ملهبة الحفلات» رفقة غيتارها، وفق شهادة بوريسلاف بوريسوف، وهو صديق جامعي قال أيضاً إنّها كانت «محبوبة» للجميع.
وتتحدث جورجيفا الروسية بطلاقة ونسجت علاقات جيدة في موسكو حين عملت بين 2004 و2007 مديرة مكتب البنك الدولي في روسيا. وكانت في عام 1993 قد دخلت إلى هذه المؤسسة الدولية بعد بضع سنوات قضتها في التعليم، خصوصا في معهد ماساشوستش للتكنولوجيا المرموق في الولايات المتحدة.
وعلى الصعيد السياسي، لم تتول قط في بلادها مناصب انتخابية، بينما اكتشفها مواطنوها حين سمّيت في المفوضية الأوروبية. وهي قريبة من اليمين المعتدل ومؤيدة لأوروبا والحزب الشعبي الأوروبي، ومتزوجة وأم لشاب.


مقالات ذات صلة

صندوق النقد الدولي يتوقع 2.6% نمواً لاقتصاد الكويت في 2025

الاقتصاد (كونا) توقع صندوق النقد الدولي استمرار انتعاش القطاع غير النفطي في الكويت

صندوق النقد الدولي يتوقع 2.6% نمواً لاقتصاد الكويت في 2025

توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الكويت بنسبة 2.8 في المائة إضافية في عام 2024 بسبب التخفيضات الإضافية في إنتاج «أوبك بلس».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى البنك المركزي السعودي في العاصمة الرياض (الشرق الأوسط)

الأصول الاحتياطية لـ«المركزي السعودي» ترتفع إلى 433.8 مليار دولار في أكتوبر

ارتفع إجمالي الأصول الاحتياطية في «البنك المركزي السعودي (ساما)» ، بـ2.19 في المائة، على أساس سنوي، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مسجلاً 433.8 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مبانٍ حكومية بجوار ناطحات السحاب في الدوحة (رويترز)

صندوق النقد الدولي: اقتصاد قطر يُظهر إشارات تعافٍ تدريجي

قال صندوق النقد الدولي إن اقتصاد قطر أظهر إشارات تعافٍ تدريجي بعد التباطؤ الذي شهدته البلاد عقب نهائيات كأس العالم 2022.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد منظر عام للعاصمة المنامة (رويترز)

صندوق النقد الدولي يشيد بمرونة الاقتصاد البحريني رغم التحديات المالية

شهد الاقتصاد البحريني نمواً ملحوظاً؛ حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الفعلي بنسبة 3 في المائة عام 2023.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد منظر عام لأفق أديس أبابا (رويترز)

صندوق النقد الدولي وإثيوبيا يتوصلان إلى اتفاق بشأن المراجعة الثانية لبرنامج التمويل

قال صندوق النقد الدولي إن موظفيه والحكومة الإثيوبية توصلا إلى اتفاق بشأن المراجعة الثانية لبرنامج التمويل البالغ 3.4 مليار دولار للبلاد.

«الشرق الأوسط» (نيروبي )

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.