نجوم الغناء الراحلون يعودون لغرفهم في فندق لبناني من خلال أمسية «يا زمان الوصل»

عروض فنية في 3 من غرف «فندق صوفر الكبير»

الفندق الكبير في صوفر شهد إقامة مشاهير في عالمي الفن والسياسة
الفندق الكبير في صوفر شهد إقامة مشاهير في عالمي الفن والسياسة
TT

نجوم الغناء الراحلون يعودون لغرفهم في فندق لبناني من خلال أمسية «يا زمان الوصل»

الفندق الكبير في صوفر شهد إقامة مشاهير في عالمي الفن والسياسة
الفندق الكبير في صوفر شهد إقامة مشاهير في عالمي الفن والسياسة

من أصل خمس طبقات فارهة، خصصت الأخيرة منها للغرف المَلَكية، ستنشغل 3 غرف من «فندق صوفر الكبير» باستضافة الأمسية الغنائية «يا زمان الوصل» في 10 أغسطس (آب) الحالي.
الدعوة مفتوحة أمام الجميع، وتحمل تواقيع مطربين من زمن الفن الجميل أمثال أسمهان وأم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من المشاركين في هذه الأمسية مجازياً، وذلك من خلال أصوات 3 فنانين أخذوا على عاتقهم إحياء تلك الحقبة الفنية على طريقتهم.
«الفكرة تنبع من إعادة إحياء فن الزمن الجميل في معلم تاريخي كان شاهداً على إقامة هؤلاء الفنانين في غرفه في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي»، يقول أدهم الدمشقي مخرج العمل ومنظمه. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هو كناية عن عرض غنائي موسيقي لإعادة شمل الأحبة في الفندق الكبير في صوفر ستقدم خلاله أغنيات معروفة، وأخرى غير مستهلكة، لهؤلاء الفنانين الذين لا تزال أعمالهم الغنائية تحفر في ذاكرة العديد منا». تستغرق مدة العرض نحو 90 دقيقة يتوزع خلالها المطربون الثلاثة على 3 غرف من الفندق في طابقه الأول. وهناك وضمن مشهدية رمزية سيجري اللقاء مع مطربي زمن الفن الجميل في غرفهم، التي بقيت على حالها مهجورة منذ نحو 43 عاماً، بسبب تهدّم الفندق وتصدّعه بفعل الحرب اللبنانية.
«هذه الغرف الثلاث لم ينزل فيها حقيقة هؤلاء الفنانون، ولكنها تذكرنا بشكل أو بآخر بتلك التي استضافتهم أكثر من مرة في هذا الصرح السياحي منذ إنشائه في عام 1892»، يوضح أدهم الدمشقي في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط». ويتألف «فندق صوفر الكبير» من نحو 100 غرفة بمساحات متنوعة تتميزّ بأسقفها المحفورة وجدرانها المطرزة برسوم مستوحاة من العمارة الإيطالية، تماماً كما أرادها يومها صاحب الفندق إبرهيم سرسق. فكان الفندق بتماثيله ومنحوتاته وممراته الواسعة وبهوه الرئيسي الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وهو ما انعكس إيجاباً على بلدة صوفر التي تحتضنه فزادها شهرة. وما دفع بالأديب اللبناني الراحل أمين الريحاني، إلى إطلاق اسم «القصر المنيف» عليه.
وكان رودريغ سرسق كوكرن حفيد إبراهيم سرسق، قد أعاد افتتاح الفندق العام الماضي من خلال معرض ضخم، تضمن تاريخه في سلسلة لوحات زيتية رسمها الفنان البريطاني توم يونغ.
وفي أمسية «يا زمان الوصل»، سيتاح للزوار الاستماع في الغرفة الأولى المخصصة لأغاني الراحلين محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان، وتحت عنوان الفن المصري، وذلك بصوت ملهم وعزف على العود لتمام سعيد. فتتسلل منها وصلات أغانٍ على البال كـ«هذه ليلتي» و«ليلة حب» و«يا مسافر وحدك» و«كليوبترا» و«قلبي ومفتاحو» و«يا حبيبي تعالى» وغيرها للمطربين العمالقة.
أما في الغرفة الثانية، التي تحمل اسم صباح وزكي ناصيف ووديع الصافي، المخصصة للفن اللبناني، سيصدح صوت كل من كاترين وكريستين غالي بمرافقة على العود لوليد بو سرحال. وهناك سيستذكر الحضور أغاني ومواويل على البال كـ«عالضيعة» و«عم حلفك بالغصن» و«يا عاشقة الورد» وغيرها للفنانين اللبنانيين الراحلين. ويطل الحضور في الغرفة الثالثة المخصصة للموشحات الأندلسية والقدود الحلبية، على مدارس غنائية لفنانين اشتهروا بأدائها كصباح فخري بصوت ليون كلزي يرافقه على الإيقاع شربل معوض.
وتستغرق كل وصلة غنائية نحو 20 دقيقة يجري خلالها إقامة استراحات قصيرة تسمح للحضور بالتجول ببعض أقسام الفندق، والتعرف على حديقته الغناء المحيطة به والمطلة على «وادي لامارتين»، الواقع قبالة الفندق، الذي ورد اسمه في كتابات الأدباء الفرنسيين.
المعروف أن الفندق الكبير، المعروف في الفرنسية بـ«غراند أوتيل»، قد شهد إقامة مشاهير لبنانيين وعرب وأجانب منذ مطلع القرن العشرين. ويأتي في مقدمهم رؤساء جمهورية لبنانيون أمثال ألفرد نقاش وإميل إده وبشارة الخوري وفيليب تقلا وكميل شمعون، إضافة إلى رؤساء الحكومات كبهيج تقي الدين ورشيد كرامي. ومن الرؤساء والملوك العرب استضاف الفندق العاهل الأردني الراحل الملك حسين والرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي والزعيم المصري سعد زغلول وعدداً من أمراء الخليج وسفرائه. كما أقيمت فيه حفلات موسيقية ضخمة أحيتها أشهر الفرق الأوروبية من إيطاليا وإسبانيا والمكسيك. ومن أشهر المطربين العرب الذين أقاموا فيه كوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وأمير العود فريد الأطرش وشقيقته الأميرة أسمهان ونجمة السينما ليلى مراد.
أمسية مشبعة بالنوستالجيا والحنين إلى ماضٍ غابر يشكل فيه هذا المعلم السياحي علامة فارقة في بلاد الأرز، ستحملها السهرة الغنائية «يا زمان الوصل». فهي تفتح أبوابها مجاناً أمام كل شخص يحب الوقوف على ماضي لبنان الذهبي، ويستمتع بأعمال موسيقية وغنائية رسمت خريطة الفن العربي انطلاقاً من مصر ووصولاً إلى لبنان وبلاد الشام.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».