مكرمة خادم الحرمين تداوي جروح ضحايا مجزرة المسجدين بنيوزيلندا

200 حاج من أسر وذوي ضحايا الهجوم الإرهابي وصلوا إلى مطار جدة أمس

TT

مكرمة خادم الحرمين تداوي جروح ضحايا مجزرة المسجدين بنيوزيلندا

لم تتوقع الحاجة النيوزيلندية عائشة تشريسي، 54 سنة، أن تذهب في رحلة طويلة من نيوزيلندا دون مرافقة زوجها جيف، 60 سنة، لكن ظروف الواقع حكمت عليها بالتعامل مع القدر الذي واجهها بفقد رفيق عمرها الذي لقي حتفه في حادثة مسجد بضاحية لينوود في مدينة كرايستشيرش لحظة فتح رجل مسلّح النار على من كانوا بداخله، في مارس (آذار) الماضي.
تحاول تشريسي أن تصارع دموعها وهي تتحدث لـ«الشرق الأوسط» أمس، عقب وصولها إلى مطار الملك عبد العزيز بجدة ضمن وفد من 200 حاج وحاجة من أسر وذوي ضحايا ومصابي الهجوم الإرهابي في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز باستضافتهم لأداء فريضة الحج العام الحالي.
وبرباطة جأش تعود تشريسي وتقول إنها «لحظات مروعة تلك التي حصلت عقب دخول الإرهابي إلى المسجد ليمطر المصلين والموجودين في المسجد كما لو كان في رحلة صيد، أو أنه يمارس لعبة إلكترونية، لحظات عصيبة عشتها في تلك الفترة، ولن أكون في قمة الصراحة لو قلت إنني سأنساها، هي أكبر من ذلك».
ويتداخل السفير النيوزيلندي جيمس مونرو الذي كان في استقبال مواطني بلاده أمس ويشرح لـ«الشرق الأوسط» قائلا إن الأوضاع التي يعيشها أبناء جلدته متفهَّمة، فقد تعرضوا إلى حادث قلما يحدث على مستوى العالم إن لم يكن الأبرز خلال العقد الأخير من الزمن، فما حدث كان صادما ليس للنيوزيلنديين فحسب بل لكل العالم، وهو حدث إنساني تأثر به الجميع لا المسلمون فحسب، وآمل في أن يتجاوزوا هذه الحادثة المروعة سريعا، ولعل مكرمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان تداوي جروح هؤلاء الضحايا، لا سيما أن الموضوع يتعلق بجانب روحاني متمثل في أداء فريضة الحج، فله منا جزيل الشكر».
وتتطرق تشريسي للآثار التي تعرضت لها وتصف: «آثار ما حدث عالقة في ذاكرتي ووجداني لن تمسح، انظروا هنا إلى أبنائي الذين يرافقونني وقد حرموا من أبيهم، كنت أتمنى ألا أشاهدهم وهم يعتصرون الألم ويحاولون أن يخفوا ذلك أمامي ويتظاهرون بأن الجروح زالت، تجنبا لإضافة المزيد من الحزن عليّ».
وتستطرد تشريسي التي غيرت اسمها إلى عائشة بعد اعتناقها الإسلام: «ليس مسجد لينوود الذي قُتل فيه زوجي قد تأثر بهذا الحدث بل إن جميع ضاحية لينوود في نيوزيلندا يعيشون حزنا ربما يحتاج لوقت كبير حتى يذهب». وتتطرق تشريسي لعلاقتها مع زوجها مبينة أنه «كان رجل أعمال ويتخصص في قطاع المطاعم، وكان ناجحا في مجاله وكنت أساعده في ذلك خصوصا أنني رأيت أنه كان شغوفا بعمله ويحاول دائما تطويره من مرحلة إلى أخرى». وتشير إلى أنها هي وزوجها قررا «التخفيف من ضغوط العمل وعمل بعض الجولات الخارجية للترويح عن النفس، وكانت زيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة إحدى وجهاتنا المؤكدة، ولكن للأسف قدره كان أسرع من أن نقوم بمثل هذه الرحلة الروحانية».
تشريسي توقفت عن الحديث قليلاً إثر مشاعر الحزن التي بدث واضحة على معالمها قبل أن تختم حديثها بالقول: «ها أنا أقوم بهذه الرحلة مع نجليّ، لكنني أفتقد زوجي كثيرا ولا أعلم كيف سأتجاوز ذلك».
وفي ظل الحشد الإعلامي الذي وجد أمس، في أرض المطار للالتقاء بذوي ضحايا مسجدي نيوزيلندا، قال أحد الحجاج النيوزيلنديين: «ما حدث لنا راقبه العالم كله، وهو حدث مأساوي بكل ما تعنيه الكلمة، ولكن اللفتة الكريمة من الحكومة السعودية باستضافتنا لحج هذا العام كان لها وقع كبير على الجميع، ونحن عاجزون عن الشكر اللائق بهذا الموقف الإنساني الكبير من قبل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده».
وفي الجانب الآخر في الصالة الدولية في مطار الملك عبد العزيز بجدة، وجد شابان؛ هما جبران لانج وعبد الرحمن لين، وهما جاران من الحي الذي يقع فيه مسجد النور أحد مسارح الجريمة وسط مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية. وبدأ جبران بالحديث موضحا أن صدمته كانت كبيرة بالحادث قبل أن يعرف أن والده من ضحايا الحادث الإرهابي.
ويشير جبران إلى أن والده فارق الحياة في المسجد قبل أن يلتقيه حسب موعد بينهما مساء يوم الحادثة، مبينا أنه كان في الجامعة، أثناء الحادث. وأضاف: «كنا على موعد للذهاب إلى إحدى أسواق أدوات البناء لتنفيذ بعض التجديدات في منزلنا». ويتابع: «لكن الخبر وصلني كالصاعقة بأن هناك إطلاق نار في مسجد الحي قبل أن أعلم أن والدي كان أحد الضحايا».
وتابع القول: «حينها غادرت الجامعة فورا وتوجهت إلى المنزل لأعرف من والدتي أن والدي ذهب من وقت مبكر إلى المسجد... حينها فقط أيقنت أنني قد لا أرى والدي مرة أخرى لكونه كان يفضل إذا توجه للمسجد أن يكون ذلك في وقت مبكر قبل الصلاة لقضاء أكبر وقت ممكن لقراءة القرآن». وبين جبران أن الخبر المؤكد حول وفاة والده وصل إليهم متأخرا في ذلك اليوم من قبل الجهات الإسعافية وشرطة المنطقة التي يقطنها.
من جهته، قال عبد الرحمن إن معظم ذوي ضحايا مسجد النور في مدينة كرايستشيرش أصبحوا كما لو كانوا أسرة واحدة، رغم اختلاف أعراقهم لأن المصاب كان أكبر مما يُتخيل، وبعضهم لم يفق من الصدمة حتى الآن، ولذلك فإن معظم ذوي الضحايا يقضون أوقاتا كبيرة في تبادل الزيارة للتخفيف من الحزن الكبير الذي ما زالوا يعيشونه.
ويصف عبد الرحمن ما حدث بالقول: «مرارة كبيرة هي التي أشعر بها، وأنا في قمة نشاطي وطاقتي كشاب بسبب فقدي لابن عمي الذي كان صديقي الدائم، وعندما أصف مشاعري فأنا أشعر أنها مضاعفة لدى غيري من كبار السن وكذلك النساء من ذوي الضحايا، وقد لاحظتهم أثناء رحلتنا من نيوزيلندا وحتى وصلنا إلى هنا، فرغم السعادة الكبيرة باستضافة الحكومة السعودية لنا لأداء فريضة الحج كفرصة ربما تصعب على البعض أن يهيئها لنفسه، فإن الحزن ما زال يخيم على البعض، وآمل في أن تداوي المشاعر المقدسة التي سنتوجه لها بعضا من الجروح التي نعانيها».
المشاعر التي كانت تخيم على الحجاج النيوزيلنديين كانت خليطا ما بين الفرحة والامتنان للحكومة السعودية باستضافتهم لأداء فريضة الحج، ومشاعر الحزن والأسى التي تعتريهم بسبب فقدان ذويهم بعد الحادث المأساوي.
وقال جيمس مونرو السفير النيوزيلندي في تعليقه لـ«الشرق الأوسط»: «لا أريد أن أشير حتى إشارة لمن قام بهذا الفعل الإرهابي، حتى لا ينال شرف ذكر اسمه، ولكن دعني أستغل هذا الموقف لأقدم الشكر الجزيل لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ولولي العهد الأمير محمد بن سلمان على هذه الدعوة الكريمة التي من شأنها أن تضيف لمسة حانية على قلوب هؤلاء المصابين بفقدان ذويهم، وقد شعرت بالمرارة والأسى التي يعيشون فيهما من خلال لقائي بهم في المطار، فشكرا جزيلا، وآمل أن يتجاوزوا ما حدث سريعا».
وكانت جهات حكومية استقبلت أمس بالورود والحلوى ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة من حجاج نيوزيلندا، تقدمهم وكيل وزارة الشؤون الإسلامية عبد الله الصامل، وعدد من الجهات الأخرى بينها منسوبو الطيران المدني والجوازات.


مقالات ذات صلة

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

الخليج الأمير سعود بن مشعل أكد ضرورة تكثيف التنسيق بين كافة القطاعات لتهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات (إمارة منطقة مكة المكرمة)

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

نحو تهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات وتسهيل طرق الحصول عليها وتحسين المرافق التي تحتضن هذه الشعيرة العظيمة، أعلنت السعودية عن بدء التخطيط الزمني لحج 1446هـ.

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا الحجاج المصريون النظاميون يؤدون مناسك الحج (أرشيفية - وزارة التضامن الاجتماعي)

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

ألغت وزارة السياحة والآثار المصرية تراخيص 36 شركة سياحة، على خلفية تورطها في تسفير حجاج «غير نظاميين» إلى السعودية.

أحمد عدلي (القاهرة)
الخليج 7700 رحلة جوية عبر 6 مطارات نقلت حجاج الخارج إلى السعودية لأداء فريضة الحج (واس)

السعودية تودّع آخر طلائع الحجاج عبر مطار المدينة المنورة

غادر أراضي السعودية، الأحد، آخر فوج من حجاج العام الهجري المنصرم 1445هـ، على «الخطوط السعودية» من مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي في المدينة المنورة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة للطرفين عقب توقيع الاتفاقية (مجموعة السعودية)

«مجموعة السعودية» توقّع صفقة لشراء 100 طائرة كهربائية

وقّعت «مجموعة السعودية» مع شركة «ليليوم» الألمانية، المتخصصة في صناعة «التاكسي الطائر»، صفقة لشراء 100 مركبة طائرة كهربائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الثوب الأغلى في العالم بحلته الجديدة يكسو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة (هيئة العناية بشؤون الحرمين)

«الكعبة المشرفة» تتزين بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة

ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً.

إبراهيم القرشي (جدة)

فيصل بن فرحان يناقش المستجدات السورية مع بيدرسون

الأمير فيصل بن فرحان في لقاء سابق مع بيدرسون بمقر وفد السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك (واس)
الأمير فيصل بن فرحان في لقاء سابق مع بيدرسون بمقر وفد السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك (واس)
TT

فيصل بن فرحان يناقش المستجدات السورية مع بيدرسون

الأمير فيصل بن فرحان في لقاء سابق مع بيدرسون بمقر وفد السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك (واس)
الأمير فيصل بن فرحان في لقاء سابق مع بيدرسون بمقر وفد السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك (واس)

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، مع غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، مستجدات الأوضاع السورية.

جاء ذلك في اتصال هاتفي تلقاه وزير الخارجية السعودي من المبعوث الأممي إلى سوريا، الأربعاء.

وزير الخارجية السعودي ونظيرته الإسواتينية عقب التوقيع على اتفاقية التعاون في الرياض الأربعاء (واس)

ولاحقاً، وقّع الأمير فيصل بن فرحان وفوليلي شاكانتو وزيرة خارجية إسواتيني على اتفاقية عامة للتعاون بين حكومتي البلدين، عقب مباحثات أجراها الجانبان في العاصمة الرياض، تناولت سبل تنمية التعاون المشترك في مختلف المجالات.

واستقبل الأمير فيصل بن فرحان في وقت لاحق شاكانتو، يرافقها الأمير لينداني ابن ملك إسواتيني عضو البرلمان، في ديوان وزارة الخارجية السعودي، حيث جرى خلال الاستقبال استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين.