هاني شاكر يتعهد بإعادة البريق لحصص الموسيقى في مدارس مصر

فاز بمنصب النقيب للمرة الثانية على التوالي

الفنان هاني شاكر
الفنان هاني شاكر
TT

هاني شاكر يتعهد بإعادة البريق لحصص الموسيقى في مدارس مصر

الفنان هاني شاكر
الفنان هاني شاكر

تعهد الفنان هاني شاكر بإعادة بريق حصص الموسيقى في المدارس المصرية، وتنقية جداول الموسيقيين من كل «الدّخلاء على المهنة»، بعدما نجح في الحفاظ على منصب نقيب الموسيقيين المصريين للدورة الثانية على التوالي، في الانتخابات التي أجريت مساء أول من أمس، بعد منافسة قوية مع الفنان مصطفى كامل.
وعن فوزه بثقة الموسيقيين للدورة الثانية على التوالي، قال شاكر لـ«الشرق الأوسط»: «نيل ثقة الموسيقيين لـ4 سنوات جديدة، شرف كبير لي، فما حدث في الانتخابات الأخيرة أكبر دليل على حب وثقة هؤلاء الموسيقيين لي، فأنا طلبت منهم خلال جولاتي الانتخابية أن تكون النتيجة معبرة عن حجم نجاحنا خلال السنوات الماضية، وبالتالي تكون نتيجة التصويت قوية ورادعة، وهم حقّقوا لي ما طلبته، وحصلت على ثلاثة أضعاف أصوات منافسي، وهذا يدل على أنّ أعضاء النقابة سعداء بما حققته في السنوات الأربع الماضية، ويطلبون مني استكمال مسيرة النجاحات التي قمت بها».
وأضاف شاكر: «حققنا إنجازات كبيرة جداً في الدّورة الماضية... افتتحنا عدّة فروع للنقابة في مختلف محافظات جمهورية مصر العربية، وأسسنا عدة أندية ومراكز خاصة بالنقابة في مختلف المحافظات، من أجل ضمان رفاهية الموسيقيين. كما قمنا كذلك بربط ودائع مالية للنقابة وصلت إلى 24 مليون جنيه (الدولار الأميركي يعادل 16.5 جنيه مصري)، على الرّغم من أنّ النقيب السابق للنقابة لم يترك بها سوى أربعة ملايين جنيه». ولفت إلى «قيام النقابة أخيراً برفع سقف العلاج إلى 25 ألف جنيه، بعدما كان لا يتعدى ألف جنيه في السنوات السابقة، كما وصل معاش الموسيقي إلى 800 جنيه».
وحصل شاكر على 1531 صوتاً من أصوات الموسيقيين الذي بلغ عددهم 2120 صوتاً، بنسبة 72 في المائة، في حين حصل كامل على 589 صوتاً، من إجمالي أصوات 4629 شخصاً كان يحق لهم الانتخاب.
وحازت قائمة الفنان هاني شاكر على 11 مقعداً من مقاعد العضوية الـ12. ولم يفز سوى عضو واحد فقط من قائمة مصطفى كامل.
وعن المهام الجديدة التي سيعمل عليها خلال الفترة المقبلة، أوضح شاكر أنّه سيواصل تنقية الجداول من «الدخلاء»، بجانب إنشاء نادٍ كبير للموسيقيين في القاهرة، معرباً عن استيائه من عدم امتلاك نقابة كبيرة وعريقة مثل الموسيقيين لنادٍ كبير؛ مشيراً إلى أنّ هدفه الأول حالياً هو «إعادة بريق الحصص الموسيقية مرة أخرى للمدارس المصرية، عبر تعاون النقابة مع وزارة التربية والتعليم، لتنمية مواهب الأطفال والطلاب الفنية والغنائية، إضافة إلى تقنين حفلات مطربي المهرجانات، الذين لا ينتسبون للنقابة، إذ طالبت الأجهزة التنفيذية بالمحافظات بعدم إقامة حفل غنائي لأي مطرب غير مصرح له بالغناء من نقابة الموسيقيين».
وأعلن شاكر عن «وجود أفكار جديدة ومبتكرة لخدمة أعضاء النقابة خلال السنوات المقبلة، من بينها ربط الأعضاء المشتغلين بالنقابة بالأعضاء الحاصلين على تصريح (DJ)؛ بحيث لا تكون أغلبية الحفلات والأفراح مخصصة فقط لـ(DJ)، في الوقت الذي يجلس فيه الأعضاء المشتغلون في منازلهم من دون عمل، فلا بدّ من التوافق والتعاون بين الجميع، كما سنعمل على إعادة إحياء حفلات النقابة من خلال التعاقد مع كبار المطربين لتقديم حفلات يذهب ريعها لصالح صندوق النقابة، لزيادة دخل النقابة، من أجل تحسين خدمة العلاج والمعاشات، بجانب تقديم الأصوات الجيدة والواعدة من المواهب الغنائية، للجمهور بشكل محترم يليق بهم».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)