نعلم جميعا أن الشركات تسجل التفاعلات الجارية مع الأجهزة الذكية، وتستخدم بعضا من هذه التسجيلات في التحقق من الجودة من خلال استماع أناس حقيقيين إلى تلك التفاعلات. ولكن، حتى الآن، كنا نعتقد أن شركة «آبل» مختلفة تماما عن هذه الممارسات.
في يوم الجمعة، أكدت «آبل» لصحيفة الغارديان ما ورد في حساب لبعض المبلغين يفيد بأن الشركة تعتمد ممارسات مشابهة لما تعتمده شركتا «غوغل» و«أمازون»، غير أنها لم تفصح أبدا عن الحقيقة في سياسات الخصوصية لديها.
تستعين «آبل» بعدد صغير من تسجيلات التفاعلات مع المساعد الصوتي سيري، والذي يستخدمه الملايين من المواطنين الأميركيين على هواتف آيفون وساعات «آبل» وأجهزة (آي أو إس) و(ماك) الأخرى. ووفقا لموقع المبلغين، فإن هذه الممارسة تتضمن حالات لا حصر لها من التسجيلات التي تعرض مناقشات خاصة بين الأطباء والمرضى، ومختلف الصفقات التجارية، والمعاملات التي تبدو إجرامية، والتصرفات الجنسية، وما شابه ذلك.
إنني أوقظ المساعد الصوتي سيري بطريق المصادفة طوال الوقت على ساعتي الذكية أو من خلال الهاتف رغم عدم وجود نية للتفاعل معها ولم أكن أعتقد مطلقا أنها تتنصت إلى ما يحدث في الخلفية. وفي واقع الأمر، فإن اسم ابنتي قريب جدا من منطوق عبارة «هاي سيري» وإنني دائما ما أطلب من الآيفون خاصتي تذكير ابتني بضرورة تنظيف غرفتها، وترتيب مائدة الطعام، وهي ليست من الأوامر التي يدعمها المساعد الصوتي حتى الآن.
ولأهمية الأمر، أعتقد أننا جميعا ندرك أن إتقان تكنولوجيا الذكاء الصناعي المستخدمة في أجهزة المساعدة الصوتية يستلزم قدرا من التفاعل البشري. ولكنني أعتقد أيضا أن هناك نوعا من التوازن الذي يسمح للشركات باعتماد هذه الممارسات من دون الحاجة إلى استعراض التفاعلات الصوتية التي تحتوي على معلوماتنا الشخصية، أو حتى على نبرة أصواتنا.
تقول شركة «آبل» إن التسجيلات ليست مرتبطة بهوية معينة من هويات مستخدمي أجهزة «آبل»، ما يعني أن الأشخاص المستمعين لا يعرفون هويات الأشخاص الذين يستمعون إليهم، ولكنه يرسل المعلومات من شاكلة إحداثيات موقع الجهاز.
- الانفصال بين تعهدات الخصوصية والممارسة
من المشكلات الكبيرة التي تواجه شركة «آبل» أنها قد اتخذت موقفا صارما مغايرا لمنافسيها من واقع اهتمامها البالغ بخصوصية المستخدمين. وقد أوضحت الشركة موقفها تماما بشأن أن معلومات وبيانات المستخدمين ليست هي المنتج الذي تبيعه الشركة إلى أطراف ثالثة، وكيف أنها تعتمد عددا لا يحصى من تدابير حماية الخصوصية.
- تنص سياسة الخصوصية لدى الشركة على ما يلي:
«يجوز للشركة جمع وتخزين التفاصيل المعنية بكيفية استخدام الشخص لخدماتنا، بما في ذلك استعلامات البحث. وقد تستخدم هذه المعلومات في تحسين مستوى النتائج التي توفرها خدمات الشركة».
وليس من الواضح تماما ما إذا كانت تفاعلات سيري تعتبر جزءا من «استعلامات البحث»، ولكن من المؤكد أن السيناريوهات التي يجري فيها تنشيط سيري ليست من قبيل الاستعلامات على الإطلاق. ومن الجدير بالذكر أن عبارة «قد تستخدم هذه المعلومات في تحسين مستوى النتائج» تعني في الواقع «قد يتم الاستماع إليها من قبل شخص آخر».
والقضية الرئيسية بين أيدينا لا تتعلق بأن الشركة تعتمد الممارسات التي تنتقدها لدى الشركات الأخرى، ولكنها فشلت تماما في الاعتراف بأن هذا الأمر كان يحدث. فهذا يعد انتهاكا صارخا للثقة في الشركة التي تريد منك تصديق أنها تتعامل مع المعلومات والبيانات الشخصية خاصتك بأسلوب مختلف تماما عن الشركات المنافسة. وهذا من المراوغات التي تتعلق بأن الأمر لا يقتصر على مجرد الاستماع وإنما بانعدام الشفافية عن الإفصاح عن ذلك.
- تعهدات العلامة التجارية تعني كل شيء
عندما تتعهد العلامة التجارية بأمر ما، فإن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو التجربة الفاشلة من جانب الشركة في الوفاء بتلك التعهدات. وهذا الانفصال بين التعهد والواقع يعصف تماما بالثقة.
والتعهد الصادر عن شركة «آبل» يتعلق بالخصوصية، ولكن الشركة لا تفي بهذا التعهد، على الأقل في هذه الحالة. ومن شأن هذه الحقيقة الواقعة أن تتسبب في تساؤل الناس عن المجالات الأخرى التي لا تفي الشركة فيها بما تعهدت به. الأمر الذي يؤدي إلى سؤال معقول: «هل كان الأمر مجرد أقاويل أم أن الشركة تعني فعلا ما تقول وتتعهد به؟»
الثقة هي الأصل الأكثر قيمة لدى العلامة التجارية
الثقة هي من أصعب ما يمكن استعادته بعد فقده. و«آبل» شركة عملاقة، وفي حين أن الشركة لم تستجب حتى الآن على طلبات التعليق على الأمر، إلا أنني متأكد أنها سوف تتلقى هذه الصفعة في الثقة بعلامتها التجارية بكل جدية وتحاول إجراء بعض التغييرات في مجريات الأمور.
من ناحية أخرى، فإن شركتك وأعمالك ليست على نفس حجم ومقدار أعمال شركة «آبل»، ما يعني أن الأمر يستحق تقييم ما إذا كنت ترقى بنفسك إلى مستوى التزام العلامة التجارية التي تستخدمها. فهل أنت على استعداد لتلقي مثل هذه الصفعة إن لم تكن كذلك؟
- خدمات «تريبيون ميديا»