الفائض التجاري الألماني يتحوّل إلى «معضلة أوروبية»

يلعب الفائض التجاري الألماني دورا كبيرا في خنق الاقتصادين الألماني والأوروبي معا بحسب اعتراف المسؤولين الألمان (رويترز)
يلعب الفائض التجاري الألماني دورا كبيرا في خنق الاقتصادين الألماني والأوروبي معا بحسب اعتراف المسؤولين الألمان (رويترز)
TT

الفائض التجاري الألماني يتحوّل إلى «معضلة أوروبية»

يلعب الفائض التجاري الألماني دورا كبيرا في خنق الاقتصادين الألماني والأوروبي معا بحسب اعتراف المسؤولين الألمان (رويترز)
يلعب الفائض التجاري الألماني دورا كبيرا في خنق الاقتصادين الألماني والأوروبي معا بحسب اعتراف المسؤولين الألمان (رويترز)

تخضع حكومة برلين للضغوط مجددا كي تلجأ إلى استعمال هوامشها الضريبية لأجل دعم اقتصاد منطقة اليورو الذي يترنّح بقوة اليوم. فالفائض التجاري الألماني تحوّل إلى معضلة أوروبية لأنه سرعان ما أصبح أرباحا تتنعّم بها الشركات الألمانية التي تقوم بتوزيع جزء منها على مساهميها. أما ما يتبقى منها فهو يظل قابعا داخل خزائنها للاستعمال التجاري حصرا. هكذا يتوسّع الشرخ المعيشي بين الطبقات الغنية، من جهة، وتلك المتوسطة والفقيرة من جهة ثانية. وبذلك، قد تمرّ منطقة اليورو بحالة من عدم التوازن المالي الذي تتخوّف منه الهيئات الاقتصادية والمؤسسات المالية معاً.
ويعلّق لورانس بون، وهو من كبار الخبراء لدى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، التي تجمع تحت طيّاتها جميع الدول الصناعية، قائلاً إن الإجراءات التي يمكن للمصرف المركزي الأوروبي أن يتّخذها لتخفيف آثار الفائض التجاري الألماني على دول الاتحاد الأوروبي ضعيفة جداً. فمع معدل فوائد يرسو على تحت الصفر، ليس بإمكان السياسات المالية للأوروبي المركزي أن تكون فعّالة.
ويضيف بأنه نظراً لتحرّكات المصرف الأوروبي المركزي شبه المشلولة، ينبغي على حكومات الدول الأوروبية أن تتدخّل مباشرة لتحجيم مفعول الفائض التجاري الألماني على ألمانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي. لذلك، يجب عليها أن تعرض حوافز مالية ترمي إما إلى زيادة الإنفاق أو إلى قطع الضرائب.
ويختم: «يُعتبر ينز فايدمان رئيس المصرف المركزي الألماني أول المعترفين بالدور الذي يلعبه الفائض التجاري الألماني في خنق الاقتصادين الألماني والأوروبي. وفي حال الإقرار بحوافز مالية جديدة تستهدف خصوصاً تخفيض الضرائب، فإن دول شمال أوروبا - وعلى رأسها ألمانيا وهولندا - ستكون المعنية الأولى بتفعيلها».
في سياق متصل، يشير الخبير أندريه غروسر في مصرف (دويتشه بنك) إلى أن ألمانيا متعطّشة لتحديث بنيتها التحتية ومدارسها وطرقاتها وشبكاتها المعلوماتية والطاقوية. وما يحصل اليوم من تغيير جذري في سياستها الاقتصادية، يتمثّل في تراجع الصادرات وزيادة الاستثمارات الداخلية، وهذا تسبب بحالة طوارئ اقتصادية واجتماعية. ولناحية نموذج التطوير الاقتصادي الألماني الحالي، فهو بدأ بتوسيع حالة عدم المساواة بين الطبقات الاجتماعية بوتيرة مُسرّعة. فقوة الاقتصاد الألماني لم يستفد منها جميع الألمان؛ إنما الطبقة الغنية منهم فقط. وبما أن الأغنياء يعشقون الادخار لم تسجل ألمانيا، منذ شهور عدة، انتعاشاً لا في الحركة الشرائية الداخلية ولا في الأنشطة الاستثمارية.
ويضيف أنه رغم القفزة الإيجابية للناتج القومي الألماني، إلا أن الدخل الأسري الألماني زاد 10 في المائة فقط منذ عام 2000. في موازاة ذلك، تراجعت الفوائد على الودائع المصرفية عاماً تلو الآخر. ولم تشعر الطبقات العمالية الفقيرة أو الوسطى بزيادة في الدخل الذي ذهب بأكمله إلى جيوب الطبقات الغنية. واللافت أن 10 في المائة من أفراد الطبقات الغنية زاد دخلهم أكثر من 30 في المائة في الأعوام العشرين الأخيرة. كما أنهم يمسكون، بقبضة فولاذية، بنحو 60 في المائة من ثروات ألمانيا في حساباتهم المصرفية الشخصية.
ويختم: «مع هلاك الطبقة الفقيرة تناضل الطبقات الوسطى للبقاء ضمن مستويات معيشية مقبولة. علما بأن الدخل السنوي لأسر الطبقات الوسطى يرسو عند 61 ألف يورو. لكن عدم التوازن الاجتماعي يتفشى بدون توقف. ما يلغي الوجه المرتاح للمجتمع الألماني واضعاً محلّه قناعاً ظالماً يتمثّل في عدم المساواة بين دخل الرجل والمرأة وبين دخل الفقراء المتراجع والأغنياء المتنامي. وفي الوقت الحاضر، يهيمن واحد في المائة من الألمان، من أفراد وشركات، على 24 في المائة من ثروة البلاد. وعلى صعيد حساباتهم المصرفية الألمانية، بدون احتساب ما يمتلكون في الخارج، فإن قيمة كل حساب تتجاوز 75 مليون يورو بكل سهولة. أما معدل ما يمتلكه الفقير في المصارف فهو لا يتخطى 450 يورو».


مقالات ذات صلة

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)
أوروبا رجل يلتقط صورة تذكارية مع ملصق يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول: «لماذا نريد مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟» (رويترز)

«فليحفظ الرب القيصر»... مؤيدون يهنئون بوتين بعيد ميلاده الثاني والسبعين

وصف بعض المؤيدين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«القيصر»، في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الاثنين، وقالوا إنه أعاد لروسيا وضعها، وسينتصر على الغرب بحرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا بوتين يتحدث مع طلاب مدرسة في جمهورية توفا الروسية الاثنين (إ.ب.أ) play-circle 00:45

بوتين يتوعد الأوكرانيين في كورسك ويشدد على استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها

شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن الهجوم الأوكراني في كورسك لن يوقف تقدم جيشه في منطقة دونباس، متعهداً بمواصلة العمليات الحربية حتى تحقيق أهداف بلاده.

رائد جبر (موسكو)

ترمب يرشح خبيرين لقيادة السياسة التجارية الأميركية مع العالم

أرشيفية لرئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين كيفن هاسيت خلال إحاطة في البيت الأبيض عام 2017 (أ.ف.ب)
أرشيفية لرئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين كيفن هاسيت خلال إحاطة في البيت الأبيض عام 2017 (أ.ف.ب)
TT

ترمب يرشح خبيرين لقيادة السياسة التجارية الأميركية مع العالم

أرشيفية لرئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين كيفن هاسيت خلال إحاطة في البيت الأبيض عام 2017 (أ.ف.ب)
أرشيفية لرئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين كيفن هاسيت خلال إحاطة في البيت الأبيض عام 2017 (أ.ف.ب)

واصل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب اختيار مرشحيه للمناصب الحكومية العليا في إدارته المقبلة، فسمّى الثلاثاء جيمسون غرير ليكون الممثل التجاري للولايات المتحدة وكيفن هاسيت مديراً للمجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض وجاي بهاتاشاريا لقيادة المعاهد الوطنية للصحة وجيم أونيل نائباً لوزير الصحة والخدمات الإنسانية وجون فيلان وزيراً للبحرية وفينيس هيلي، الذي أدار قسم كتابة خطاباته خلال ولايته الأولى، مديراً لمجلس السياسة الداخلية.

وبذلك، لجأ ترمب إلى اثنين من المسؤولين ذوي الخبرة في القضايا الرئيسية المتعلقة بضرائب الدخل والرسوم الجمركية، خلافاً لترشيحات أخرى لم تراعِ مبدأ الكفاءة.

وأفاد ترمب، في بيان، بأن غرير كان له دور فعال خلال ولايته الأولى في فرض الرسوم الجمركية على الصين وغيرها واستبدال اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك، ما «جعلها أفضل بكثير للعمال الأميركيين».

أرشيفية لكبير موظفي الممثل التجاري الأميركي جيمسون غرير خلال مشاركته في اجتماع في تشيلي (رويترز)

وكان غرير قد شغل سابقاً منصب كبير الموظفين لدى الممثل التجاري السابق روبرت لايتهايزر الذي يشكك بشدة في التجارة الحرة. وهو حالياً شريك في مكتب محاماة في واشنطن. وإذا جرى تعيينه ممثلاً تجارياً أميركياً، سيكون غرير مسؤولاً عن التفاوض مباشرة مع الحكومات الأجنبية في شأن الصفقات التجارية والنزاعات، فضلاً عن العضوية في هيئات التجارة الدولية مثل منظمة التجارة العالمية. ونقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» في يونيو (حزيران) إن وجهة نظر مسؤولي ترمب هي أن الرسوم الجمركية «يمكن أن تساعد في دعم الولايات المتحدة لوظائف التصنيع على وجه الخصوص».

ويأتي ترشيحه بعد يوم من وعد ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة ضخمة على البضائع الأجنبية التي تدخل الولايات المتحدة - بما في ذلك ضريبة بنسبة 25 في المائة على كل المنتجات التي تدخل البلاد من كندا والمكسيك، وتعرفة إضافية بنسبة 10 في المائة على البضائع الآتية من الصين – في خطوة ضمن أوامره التنفيذية الأولى.

وبصفته مديراً للمجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، يجلب هاسيت إلى إدارة ترمب مدافعاً رئيسياً عن خفض الضرائب. وقال ترمب إن هاسيت «سيلعب دوراً مهماً في مساعدة العائلات الأميركية على التعافي من التضخم الذي أطلقته إدارة بايدن» وأنهم معاً «سيقومون بتجديد وتحسين» التخفيضات الضريبية لعام 2017، التي من المقرر أن ينتهي الكثير منها بعد عام 2025.

وعمل هاسيت في ولاية ترمب الأولى رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين. وعمل في معهد «أميركان إنتربرايز» ذي الميول اليمينية قبل انضمامه إلى البيت الأبيض في عهد ترمب عام 2017.

وفي جزء من إعلان وداع هاسيت عام 2019، وصفه ترمب بـ«صديق حقيقي» قام «بعمل عظيم».

وفي ولاية ترمب الثانية، سينضم هاسيت إلى البيت الأبيض الذي يسعى للحفاظ على تخفيضاته الضريبية لعام 2017 وتوسيعها في وقت تؤثر فيه ضغوط العجز على تكاليف الاقتراض الفيدرالي.

وزعم أن التخفيضات الضريبية ساعدت في تعزيز دخل الأسر بشكل ملموس. وقفز متوسط ​​دخل الأسرة المعدل حسب التضخم أكثر من 5400 دولار في عام 2019 إلى 81210 دولارات. لكن التخفيضات الضريبية جاءت أيضاً مصحوبة بارتفاع عجز الموازنة؛ حيث فشلت أي مكاسب اقتصادية في تعويض الإيرادات المفقودة، ما يشكل تحدياً لإدارة ترمب المقبلة لإدارة الديون حتى في الوقت الذي تخفض فيه تضخم الضرائب وتسعى إليه.

صديق لـ«البحرية»

وتضمنت إعلانات الترشيح، الثلاثاء، أيضاً المستثمر الخاص والمتبرع للحملة وجامع الأعمال الفنية جون فيلان، الذي اختير ليكون وزيراً للبحرية. وشارك فيلان في تأسيس شركة «إم إس دي كابيتال» الخاصة للاستثمارات. ولم يخدم فيلان في البحرية أو الجيش.

وكذلك أعلن ترمب تعيين فينيس هيلي، كاتب خطابات حملته الانتخابية، لمنصب مدير مجلس السياسة الداخلية، الذي يصوغ السياسة للرئيس بشأن مجموعة من القضايا.

وكان هيلي كاتب خطابات ترمب خلال ولايته الأولى وعمل مع رئيس مجلس النواب سابقاً نيوت غينغريتش.

وتوجد ادعاءات أن هيلي دفع لقلب نتيجة انتخابات 2020 عبر إلغاء فوز بايدن. وفي النصوص ورسائل البريد الإلكتروني التي تسلمها لجنة التحقيق في الكونغرس، اقترح هيلي مبررات لجعل المجالس التشريعية في الولايات الداعمة لترمب تغير النتيجة الشرعية للانتخابات.

وفي بيانه، قال ترمب إن هيلي سيساعد في تنفيذ أجندته الداخلية، بما في ذلك دعم الاقتصاد.